الثبات.. (امرأة)

تاريخ النشر: 24/07/15 | 8:39

بم استطاعت السيدة هاجر رضي الله عنها أن تستشرف اليسر في ذروة العسر.. وترى النور بقلبها في ظلمة الصحراء، وتدرك أن الفرج آتٍ رغم دائرة الكرب التي حاصرتها هي وصغيرها، حيث تركهما الأب امتثالاً لأمر الله، فامتلثت هي أيضًا مستبشرة بأن الله لن يضيعها؟!
كيف تحملت الطاهرة النقية عائشة رضي الله عنها أقسى بلاء، وتلقت طعنات الإفك دون أن تهتز ثقتها هنيهة في أن الخالق سيُجَلِّي براءتها رغم حبكة الفرية وشهادات العصبة الظالمة، بل ورغم بعض الشك الذي تسلل إلى قلب الزوج المحب؟!
ما الذي جعل حديثة الإسلام سمية بنت خياط التي لم تعايش بعد كل جمال هذا الدين ولم تكتشف أسراره وإعجازه – تصمد أمام العذاب… وتتمسك بدينها بقلب لم توهنه سياط المشركين، ونفس لم يضعفها تنكيلهم واضطهادهم.. وروح استعلت على آلام الجسد الشديدة؛ فلم تر فيها إلا بعض ثمن الجنة؟
أين تعلمت آسية بنت مزاحم زوجة الطاغية دروس الصمود التي وقفت بها في وجه زوجها، واستعصمت بها في أصعب الاختبارات؛ فلم تفرط في عقيدتها، ولم يتسرب إلى نفسها القوية أدنى شك في أنها على الحق، فاستحقت أن يخلد ذكرها في أكرم كتاب نموذجًا للمرأة المؤمنة؟
لماذا لم تفقد الأم الثكلى الخنساء عقلها – وقد مات في لحظة قرة عينها.. أبناؤها الأربعة دفعة واحدة – وخلت حياتها الدنيا منهم..؟! بل شدت على قلبها وثاق الصبر، واستشرفت يوم تلقاهم في الجنة بلا فراق، وهي المرأة الشاعرة مرهفة الحس التي كادت تقتل نفسها حزنًا على شقيقها، ورثته بسيل من دموع الشعر الذي تقطر حروفه حزنًا ولوعة، ولكن حدثًا فاصلًا في حياتها حولها من أخت مكلومة إلى أم صامدة عجز الموت عن أن يمس ثباتها وقوة إيمانها.
لماذا لم تتردد زبيدة تلك المرأة الثرية لحظة قبل أن تتخذ قرارها وتضع مالها تحت أقدام أناس لا تربطها بهم سوى آصرة العقيدة.. وبهذه الرابطة وحدها ضحت بثروتها لتيسر لهؤلاء الناس رحلة الحج وتنشر على طريقهم الطويل إلى بيت الله أسبلة تروي ظمأهم؟
ما الذي جمع بين كل هذه النماذج الفذة وجعلهن قامات سامقة من العزة والسمو؟
إنه الثبات واليقين.. الثبات على المبدأ والاختيار.. واليقين بأن ما عند الله خير وأبقى، فهما كلمة السر، وبهاتين القيمتين وحدهما استطاعت هؤلاء النساء – وغيرهن كثيرات – أن يصبحن آيات في العظمة وقوة النفس وصلابة الروح.. لم يتساقطن في حلبة الابتلاءات.. ولم تفتنهن الدنيا ولم يؤثرن السلامة ويسرن بجوار الحائط خائفات في سرب المستضعفات!
إنه الثبات الذي تتجلى أجمل صوره اليوم في نسائنا المرابطات على ثغور الحق .. وكما صنعت هاجر وبناتها وحفيداتها تاريخ خير أمة ستصنع نساء الثورة بثباتهن النادر مستقبل أمتنا.

8

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة