كلمة المربية سهام ادريس زوجة المحتفى به الدكتور سامي ادريس في حفل تكريمه
تاريخ النشر: 06/04/13 | 23:34أيها الحفل الكريم طاب مساؤكم
أشكر رابطة نور الأمل إدارة وأعضاء على هذه المبادرة وأرحب بكم ضيوفنا الكرام… أما بعد:
عندما قررت الموافقة على الزواج منه قالوا لي : سيغديكِ شعراً ويعشيك قصائدَ ، ويفطرك على طبق من قواعد اللغة،وستعيشين بين المناشير السياسية والصحف الوطنية. وعندما زرت مكتبته لأول مرة اطلعتُ على الروايات العالمية المترجمة التي قرأها وكتب الملاحظات والخرابيش على هوامشها ، فاستهوتني خرابيشه حتى غرت من الأسماء التي دوّنها فيها، وقررتُ بإصرار أن أكون بين هذه الخرابيش. وعندما ولدت ابنتنا البكر أصرَّ أن يدعوها مي ثمّ دعا أول ابن لنا جبران للعلاقة الادبية والعاطفية التي ربطت بينهما على مدى سنوات.
هكذا مرت العشر الأوَل فيها اكتمل نصاب أسرتنا فقد رزقنا بميّ فعزة فجبران ثمّ سيفان.
ثم مرّتِ العشرون… فالثلاثون
وعندما بدأ الإعداد لرسالة الدكتوراة بدا لي الوقت متأخراً فقد كان على عتبة التقاعد وعجبتُ له ولم أتوقّع أن يُتمّ هذه الدراسة قبل خروجه للتقاعد. لكن إصراره الذي يصل أحيانا حد العناد جعله يصل الليل بالنهار ويواظب بخطى حثيثةٍ على دراسته تاركا لي ما دون ذلك من شؤون البيت والأولاد…
الى أن كان يومُ توزيع الشهادات رافقته يومها إلى الجامعة ووقفت بين حشدٍ كبير أرقبه من بعيد يتملكني إحساسٌ بالفخر لقد حان موعد القطاف…اليوم سيجني حصيلة ليالٍ طويلة مضنية، ورأيته يصعد المنصة ليتسلّم الشهادة فأيقنت أن إرادته وعزيمته بلا حدود.
بعد ذلك بشهور خرج الى التقاعد وكنتُ أظنّه سيملُّ ويزهق فما عساه سيفعل! وكيف سيقضي أيامه ! فإذا به يزهقنا بتأسيسه لمنتدى جبران الأدبي الوطني الذي يشغله عن كل شئ وعاد يكتب الشعر من جديد ويجلس ساعات وساعات أمام الحاسوب وأنا بين راضية ومتذمرة إذ لا بدّ لي يا ربّ من ضرة تنافسني إليه على مدى الأيام وأخيراً أقنعني بالدخول إلى هذا العالم الشاسع المثير ، حتى صار هو يقول سوف تغدينا قواعد وتعشينا بلاغة…وبعد حياة دامت ثلاثين عاما ونيّف تقدمت إليه بطلب صداقة…نعم نحن اليوم أصدقاء… وفي الواقع يجد كلانا متعة وارتياحا في ظل الأحاديث المشتركة في قضايا اللغة والأدب.
إنه سامي إدريس ناسك شجرة الخروب العتيقة… وعاشق الجبل الذي يطل على الطيبة دأب في الماضي على اصطحاب أولادنا إلى هناك ليلعبوا ويرتعوا في فردوسهم المفقود. يزوره اليوم من حين لاخر ليروي حبه للأرض ويجدد عهده لها، يجمع الأعشاب الطبية ويقضي الساعاتِ مبهورًا ببديع الألوان.
أصدقاؤه المقربون قلائلُ… وليس شرطاً أن يكونوا من رجال العلم والأدب له صديق شاعر عقله على عقله. وأعز صديق لديه رجل أعمال ناجح يعرفه من أيام صباه… يسأله الناس ماذا تتحدث أنت مع سامي ادريس. فيقول لهم تعجبون من طربي… خلّيكم محتارين!!
أما أنا… فإني مدينة لك بالكثير أبا جبران… عندما تزوجنا كنت الفتاة ابنة السبعة عشر ربيعا لم أحصل بعد على شهادة البجروت لكن بدعمك وتشجيعك وبعد مسيرة كفاح طويلة أنا اليوم معلمة للغة العربية وحاملة للقب الثاني بامتياز.
أنظر اليك اليوم زوجًا وأبًا ورجل علمٍ والفخر يملؤني بهذا التاريخ الطويل وبما استجمعتَ من ميراث فكري مشرّف وقد تركـت بصمات راقيةً تتجلى في أولادنا الأربعة واجتهادك في تربيتهم وحرصك على تعليمهم، وكتاباتك التي ما تنفك تمتعنا… كن كما أنت بأصالة كروم الزيتون في بلادي وعراقة الخروبة العتيقة …وعبق زهراللوز والرمان في كرم جدنا إدريس… ودفء أرغفة الطابون بين يدي جدتنا… ووفاء الحصان الذي ثكل فارسَه… واكتب كما شئت وخربش …واحوِ ما طاب لك من الصداقات فإنني لست أخشى خرابيشك ولا تخيفني صداقاتك لأنني أعلم تماما بأنّي مرفأ السفينة… دمت لنا أبا جبران ودام عطاؤك!
كتب في هذ السياق:الإحتفال بتكريم الشاعر الدكتور سامي ادريس في جت
كلمة رائعة مؤثّرة خارجة من القلب، فدخلت قلوبنا بلا استئذان!
بوركت الزوجة، وبورك زوجها الشاعر المبدع د. سامي، ووفّق الله الأبناء!
احلى معلمة في الوجود