توفيق زياد ويوم الارض
تاريخ النشر: 07/04/13 | 13:11لا يمكن أن تمر ذكرى يوم الارض الخالد ، بكل ما يعنيه ويجسده من ترسيخ للإنتماء والهوية الوطنية والانغراس في تربة الوطن ، دون استذكار واستحضار القائد الوطني، والمناضل الفذ، والسياسي الشجاع ، والأديب المبدع ، والباحث في التراث والفولكلور الفلسطيني ، شاعر المقاومة والنضال توفيق زياد (أبو الامين) ، الذي يرتبط إسمه بهذا اليوم الوطني النضالي، كأحد مهندسي وصناع هذه الملحمة الكفاحية ، التي اجترحها شعبنا البطل بكل شرائحه الاجتماعية واطيافه السياسية ، وشكلت معلماً بارزاً في التاريخ النضالي الناصع لجماهيرنا العربية الفلسطينية الصامدة الباقية في وطنها.
ففي هذا اليوم الفلسطيني الممهور والمكتوب بدم الشهداء الأبرار في الروزنامة الفلسطينية ، تعبيراً عن تمسك الفلسطينيين بارض ابائهم واجدادهم ، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية ، وحقهم في الدفاع عن وجودهم رغم عمليات القتل والقمع والبطش والارهاب والتنكيل السلطوي ، وقف الراحل توفيق زياد وقفته البطولية المشرفة المشهودة والأهم في مواجهة عملاء واعوان السلطة من رؤساء السلطات المحلية ، وأعلن بأن الموقف في وجه سياسة السلب والنهب ومصادرة اراضي المل ، ومشاريع الاقتلاع والترحيل ، هو الإضراب العام – أي قرار الشعب ، مؤذناً بانطلاق هذا اليوم المجيد في الثلاثين من آذار عام 1976.
توفيق زياد هو احد ابرز الشخصيات الوطنية والسياسية والثقافية النضالية ، ورجالات الحركة الوطنية في الداخل الفلسطيني ، المنتمية للحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ، ومن شعراء المقاومة الفلسطينية ، الذين كانوا صوت الثورة والقضية الفلسطينية . اتصف بشعره الغاضب المحرض الملتزم بقضايا وهموم شعبه وأمته ،ألهب الجماهير بقصائده الوطنية والطبقية والكفاحية الثورية ، التي طالما تغنى الشارع الفلسطيني بالكثير منها ، وارتقع صوته الصارخ عالياً مدوياً في وجه مغتصبي الأرض وناهبي حقوق شعبنا بـ "اننا هنا باقون … فلتشربوا البحر ".
تميز توفيق زياد بشخصيته الانسانية النبيلة الكريزماتية ، التي جعلت منه شاعراً مغموساً بالهم والجرح الفلسطيني النازف ، ومندمجاً بقضايا الشعب من عمال وفلاحين وكادحين ، ومثلّ النخبة المثقفة الطليعية المتنورة كمثقف عضوي وتقدمي ثوري في رفضه لكل مخططات التهويد وسلب الهوية الفلسطينية ، وصيانة شخصيتنا الوطنية المستقلة وتراثنا الفلسطيني .
وتعلق بالارض ودافع عنها بالنضال من خلال الكلمة والموقف السياسي والعمل التطوعي والعمل البلدي والبرلماني ، وما صدر عنه من شعر في المناسبات الوطنية ، ودوره البارز في انطلاق وتفجر يوم الارض ، وتغذية الانتفاضة الشعبية الفلسطينية ، انتقاضة الحجارة .
كان توفيق زياد انساناً شجاعاً وجريئاً ، وحزبياً منظماً متمسكاً بالنظرية الايديولوجية الماركسية ، وسياسياً محنكاً بعيد الرؤية والرؤيا ، واممياً واسع الأفق ، مجبولاً بحب الناس البسطاء والجماهير الكادحة المسحوقة الطامحة والتواقة للحرية والانعتاق ومستقبل الحياة الحرة الشريقة النظيقة السعيدة . وبسلوكه ومواقفه الجذرية ونضالاته اعطى المثل الحي الذي يحتذى ويقتدى به.
وكان محباً للطفولة وعاشقاً للأطفال ، افليس هو القائل : " وأعطي نصف عمري لمن يجعل طفلاً باكياً يضحك " ..!
وتوفيق زياد في قصائده وأشعاره اهتم بالمناسبات الثورية ، وتفاعل مع الاحداث السياسية الجارية ، وأنشد لثورات الشعوب العربية ،وهزج للوطن والارض والانسان الفلسطيني .
وغنّى للبروليتاريا والثورة الطبقية الحمراء ، مثلما غنّاها شعراء الكفاح والمقاومة في العالم.
ومن يقرأ قصائده يجدها تعبق بالأمل والتفاؤل الثوري ، ومحتشدة بقوة العواطف والمشاعر الانسانية المتدفقة المتضامنة والمنحازة والمنتصرة لجموع فقراء الشعب وكادحي الوطن الرازحين تحت نير الظلم والاضطهاد والاستعباد والاستغلال البشع .
وما يميز هذا الشعر بساطته ،وشفافيته ،ووضوحه، وخطابيته ،وانسانيته ، ونزعته الطبقية ،وحزبيته، وتحزبه للطبقات الشعبية ، وانتمائه للفن الجمالي والواقعية الاشتراكية ، وهو يندرج في دائرة "السهل الممتنع" .
الحديث عن المرحوم الشاعر والمناضل توفيق زياد يطول ولا يتوقف . وسيظل أبو الامين رمزاً وعنواناً ليوم الأرض المجيد الباقي والراسخ في ذاكرة الفلسطينيين .
واذا كان الموت غيب جسده فهو لا ولن يغيب ، فحضوره ممتداً في العمق الفلسطينيعلى مر الزمان، كالسنديان والزيتون والزعرور .