الحكمة من الأذان الثاني يوم الجمعة
تاريخ النشر: 27/07/15 | 16:00شرع الله الأذان لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة، وتنبيههم للإقدام عليها، وشرعت الإقامة لاستنهاض الناس لأداء الصلاة، وشُرِعَ أذانٌ واحدٌ لكل فريضة، وكان زمن التشريع للأذان بعد الهجرة في السنة الأولى، كما ثبت في حديث رؤيا عبد الله بن زيد وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-، رواه الترمذي وصححه ابن خزيمة وابن حبان، وكان لكل فريضة أذان واحد وإقامة، وكانت الجمعة كسائر الفرائض في عهد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وصاحبيه أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، وزاد عثمان -رضي الله عنه- الأذان الثاني يوم الجمعة للحاجة إليه، وهي كثرة الناس، فعُلِمَ أن الأذان مشروع بأصله، وليس هناك مانع من زيادة أذان مشروع في وقت يحتاج الناس إليه، كما فهم بلال -رضي الله عنه- ذلك عندما صلى سنة الوضوء مع كونها لم تكن مشروعةً بخصوصها، وأورد الإمام البخاري زيادة عثمان -رضي الله عنه- للأذان الثاني، فعن السائب بن يزيد
-رضي الله عنه- قال: “كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -رضي الله عنهما- فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ -رضي الله عنه- وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ”، وسماه البخاري الثالث؛ لأنه يُسمِّي الإقامة أذانًا.
وما فعله عثمان -رضي الله عنه- لم يشذ به عن باقي الأمة؛ فقد أقره الصحابة في عهده، وثبت الأمر على ذلك بعده في عهد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- إلى يومنا هذا، ولقد روى البخاري نفس الحديث برواية أخرى زاد فيها: “عن الزهري قال: سمعت السائب بن يزيد -رضي الله عنه- يقول: “إِنَّ الأَذَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ كَانَ أَوَّلُهُ حِينَ يَجْلِسُ الإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى المِنْبَرِ في عهد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وأبي بكر وعمر -رضي الله عنهما-، فلما كان في خلافة عثمان -رضي الله عنه- وكثروا أمر عثمان يوم الجمعة بالأذان الثالث، فأذن به على الزوراء، فثبت الأمر على ذلك”.
ويقول ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري” 2/ 394: “والذي يظهر أن الناس أخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد إذ ذاك؛ لكونه خليفةً مطاعَ الأمر”. إلى أن قال: “وكل ما لم يكن في زمنه -صلى الله عليه وآله وسلم- يسمى بدعة، لكن منها ما يكون حسنا، ومنها ما يكون بخلاف ذلك، وتبين بما مضى أن عثمان أحدثه لإعلام الناس بدخول وقت الصلاة؛ قياسًا على بقية الصلوات، فألحق الجمعة بها، وأبقى خصوصيتها بالأذان بين يدي الخطيب، وفيه استنباط معنى من الأصل لا يبطله”.
ومما سبق نعلم أن الأذان الثاني للجمعة سَنَّهُ سيدنا عثمان -رضي الله عنه-، وقد قال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي فَسَيَرَى اخْتِلافًا كَثِيرًا؛ فَعَلَيْكُمْ بسنتي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ)). رواه ابن حبان والحاكم، وعثمان -رضي الله عنه- من الخلفاء الراشدين، ولقد قام الإجماع العملي من لدن الصحابة إلى يومنا هذا على قبول الأذان الثاني، فالذي يطعن فيه وينكره فإنه يطعن في إجماعٍ وفي شعائر الإسلام التي ارتضاها العلماء عبر القرون، والذي يدعي أنه بدعة ضلالة يخالف ما تواتر عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من أن الله سبحانه لا يجمع أمته على ضلالة.