إلى أن يحين الصّباح
تاريخ النشر: 08/04/13 | 2:22كان الرّفيق كعادته بارعا في استباق المسافة نحو الصّباح، بِضحكته الأبديّة ينثرُ طيبَ الكلام على العتباتِ.
وكنّا هناكَ نلامسُ جذوتهُ لانطلاق الشّرارة من دمنا، نُشعل اللّيلَ حتّى نرى الشّعبَ يُعلنُ صوتَ الكفاحِ، سلامٌ صباحي سلام صباحْ…
لِشكري الشّهيدِ زوابعُ آتيةُ من رياح الجماهيرِ تُنبتُ صوتهُ في الدّربِ أُغنية بدويّة من فم الشّعب تجهر عاليةٌ من شمالِ البلادِ إلى برّنا في جنوبِ المياهِ، ومن حضرموتَ إلى مكتريس تُلامسُ سقفَ السّماءِ تُثيرُ غناءَ البلابلِ في طقسِ حرّيّةٍ وخروج سلامٌ صباحي سلامٌ صباحْ…
ستسقي دماؤكَ وردتنا في رحابِ القصيدِ لِيطلعَ من صوتكَ الندِّ صوتُ الجموعِ وقد وقفوا حاملينَ شموعَ المسيرةِ من سيرةِ الأهلِ.
أنتَ المسيرةُ أنتَ القصيدةُ نكتبها بالدّمِ في ظلماتِ النّزالِ، وجهكَ واليد مضمومةٌ فوق صفِّ المناجلِ صفِّ المطارقِ صفِّ المعاولِ صوتِ المدافعِ.
أنتَ من راوغَ السّيفَ واحترف العزفَ من لغةِ البحرِ حتّى نما.
أنتَ من سابقَ الرّيحَ من عاندَ الحتفَ وانتزع الحرفَ من لغةِ الحبِّ حتّى شدا.
أنت نبضُ السّلالةِ نحفظها في احتدام البروقِ وفي رجّةِ الأرضِ عندَ هبوبِ الإله فنحن احترقنا هنا في الثّنايا التّي جمعتنا على درجات الغناءِ "ندوزنُ" لحنَ الوفاءِ، جدارة فاصلة من مقاماتِ أحزاننا في احتضان الدّقائقِ تنمو كنوّارةِ العشبِ في مسربِ الضّيق.
ذكّرني قالَ "لا لن يمرّوا سنزرعُ في كلّ دربٍ حدائقنا من كلامِ البداةِ عن الثّورةِ البكرِ عن قصبةِ الأمسِ عن فقراءِ السّباسبِ عن ضعفاءِ المناجمِ عن أُجراءِ المصانعِ في كلِّ حدبٍ وعن رهطِ بحّارةٍ يرسمونَ البلادَ الحزينةَ عن سُحنةِ الأرضِ فلاّحةِ الخيرِ يرتشفونَ أيّامنا في سنينِ الظّلامِ الشّديدِ" يقولُ الفتى الشّيخُ "
كنّا نُمجّدُ رقصَ العصافيرِ تسبحُ في جوّها فوقَ ساحتنا نُطلقُ الصّوتَ للرّيحِ نُحبلُ الحرفَ داخلَ ظُلمتنا كي نقولَ كفى وكفى نحتفي بالمياهِ تسيلُ وقصفُ ينايرَ يستولدُ القطراتِ على ظاهرِ الأرضِ.
كنّا نسيلُ إلى بابِ بحرٍ بألوانِ قوس قزحْ وعلى كفّنا شمسُ أيّامنا القادمهْ…" قالَ: "لا لم يكن في رحابِ المدائنِ شَعْرُ لحيِّهُمُ لم يكنْ في رحابِ الشّوارعِ سودُ نسائِهُمُ لم يكن في نثر القصائدِ لَغط شُيوخهم…
كان لنا مسرحٌ من سجالٍ طويلٍ: وصايا الرّفاقِ على عتباتِ السّجونِ غبارُ الكلامِ على دفترٍ الذّكرياتِ من زمنٍ عابسٍ منذ خمسينَ عامٍ ونيف سلامٌ صباحي سلامٌ صباحْ.
وكانَ لنا مدرجٌ من لحونِ العواصف من ثغرِ آبائنا الأوّلين حكايا الثكالى المحبّات لرفقتنا على جنباتِ القبور. أغاني الرّفيقات في بهوِ كلّيةٍ كُنَّ ينشدنَ مارْسالَ أشعارَ درويشَ نَغْمات نجمٍ وشيخِ إمام مواويلَ ثُلّتنا في سماءِ الجنوبِ سلامٌ صباحي سلامٌ صباحْ …"
يقولُ الفتى الشيخُ "اِزْرَعْ حديقتكَ الآنَ في ساحةِ الشّهداءِ تفاصيلَ رقصتنا من تواريخِنا في ممرِّ الحكاياتِ كنّا جهابذةَ البحرِ نبني المسارحَ تلوَ المسارحِ، نُعلنُ اعراسَ نخوتنا من مآثرنا الباقيهْ، ولوّنْ على صدْرِ لوحتكَ الدّمَ منتشيا كالفراشاتِ في حقلها القزحيِّ وآخلطْ بدمعِ الفؤادِ بقايا الكلامِ حمائمَ بيضٍ يُسافرنَ نحوَ صدى امرأة في وداعٍ أصيلٍ سلامٌ صباحي سلامٌ صباحْ…"
كعادتهِ كانَ شكري يُنضّدُ مرَّ الكلامِ على صفحاتِ الطّريقِ يُعلّمنا صورةَ الأمِّ في ريفنا وهيَ تخبزُ من ريقها عُنفَ زغردةٍ للشّهيدِ التّليدِ.
يُعلّمنا شِعْرَ بنّوتةٍ من أقاصي المنازلِ تقتاتُ من بيعِ منحوتةٍ أو رغيفٍ تردّدُ للطّيرِ أُنشودة الغيبِ: هل من نصيب؟ يُعلّمنا كيفَ نمضي بلا رجعةٍ نحو أقدارنا واقفينَ إلى آخرِ العمرِ مثلَ وسامتهِ في جنانِ الغيابِ سلامٌ صباحي سلامٌ صباحْ…
سنمضي جميعا على دربك الأبديِّ شكري، نراسلُ صوتكَ خلفَ أناشيدِ أطفالنا في صباحِ الوقوفِ على تلّةِ الرّوحِ في كلِّ آنٍ رِجلَ البلادِ وشبّانَها.
سنمضي جميعا على دربكَ الأبديِّ شكري إلى أن يحينَ الصّباحْ سلامٌ صباحي سلامُ صباحْ…