المسجد الأقصى بين راهنـية اللحظة والعجز العربي
تاريخ النشر: 09/08/15 | 12:43نعلم جميعنا أنْ ليست هذه المرة الأولى التي يتعرض فيها المسجد الأقصى للاحتلال والانتهاك، بيدَ أن هذه هي المرة الأولى التي يتعرض المسجد الأقصى إلى احتلال منهجي يتعامل مع احتلاله بمنطق عقلاني، أي أنه يُعقلن الاحتلال ويجعله أكثر تغلغلا ودواما، مستعينا لتحقيق هذه المهمة بأدوات كثيرة، تبدأ بالمال وتنتهي بتسخير العلوم الإنسانية والاجتماعية لإبقاء احتلالها للقدس والمسجد الأقصى.
من الواضح أن الاحتلال يستغل راهنية اللحظة بكل ما أوتي من قوة وإمكانات لتجذير بقائه واحتلاله للأرض والمقدسات ونفي الإنسان، ومن أجل ذلك يستعين بقوى الغرب، التي هي أصل نشأته ووجوده، وبجيش عرمرم من العملاء؛ العملاء الفكريين، والعملاء اللوجستيين، والعملاء المفسدين في الأرض من أهل الفسوق والخنا.
هذه اللحظة التاريخية، التي تتميز بتناقضات كثيفة وخطيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر، هجمة العلمانية الإقصائية والنفيوية على كل ما هو مسلم، وثبات حَمَلة المشروع الحضاري الإسلامي. ومنها حالة التفكك التي وصلت إليها الأمة في مناطق ودول عربية وإسلامية، بحيث بات الأقصى -من حيث الهموم- يحظى بمرتبة دنيا، في الوقت الذي من المفترض فيه أن تكون قضية القدس والأقصى البوصلة التي توجه الأمة الوجهة الصحيحة.
بين راهنية اللحظة في سياقها الفلسطيني، وما تمارسه قوات عباس في حق شعبها وسياقها العربي، وما يعتلجه من أحداث، تتجلى معطيات العجز العربي بذروته المعهودة، إذ تدخل قوات الاحتلال الأقصى ببساطيرها، حالها كحال كل استعمار وطئت بساطيرهم العسكرية أرض الإسلام، وما يحرك هذا الأمر ساكنا، وما ذلك إلا لخلط خطير وقع في المفاهيم والقيم والتصورات، وبمنظومتي القيم والأخلاق تجاه المسجد الأقصى، تداخلت فيه قيم الهزيمة واستمراؤها وقيم تغليب المصالح الدنيوية المحلية المخصوصة على العامة الإستراتيجية الهامة.
إذا كان رئيس وزراء الاحتلال يتبجح أول أمس أنه لن يتهاون وحكومته مع من يعمل على منع “المصلين اليهود” من دخول المسجد الأقصى، فمن واجب الحكومات العربية والإسلامية اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة للجم هذه الحكومة ومن معها ممن يفكر في تدمير شبه نهائي لوجودنا الإسلامي في المسجد الأقصى.
لن ينطبق علينا المثل القائل “أُكلت يوم أكل الثور الأبيض” في تعامل الفلسطيني؛ إنسانا ومجتمعا مع القدس والأقصى، فقد تنبه الفلسطيني إلى أن رباطه في الأقصى، مع قلة إمكاناته، تحمل بحد ذاتها فلسفة تنتهي به إلى تأكيد حق المسلم في المسجد الأقصى، وتفضح الاحتلال المتمتع بدرجة عالية من الجبن ورهاب الحالة.. فثرى المسجد الأقصى مع وجود المرابطين والمرابطات يؤكد هويته، وإن عربد فيه الموسوسون من جماعات التطرف الحاريدي\الديني وظنوا أنهم في ظل رهانية اللحظة والعجز العربي يستطيعون اقتناص هذه اللحظات لتمرير مشروعهم الصهيو- يهودي في المسجد الأقصى.
إذا كان للمسجد الحرام رب يحميه؛ فبالقطع للمسجد الأقصى رب يحميه، وإذا كان للمسجد الحرام والمسجد النبوي من هو على استعداد للموت في سبيل عليائهما؛ فكذلك المسجد الأقصى المبارك.
المسجد الأقصى المبارك يحتاج إلى قضية تحرير لا إلى قضية تحريك. والتحرير يحتاج إلى ما هو أبعد بكثير من الإعلام والشجب والاستنكار. وهو واجب على الأفراد والجماعات والأمم والحكومات. ولا أخال الإثم يبعد عمن يفرطون في حقه ويظنون أن القضية لا تتجاوز تراقيهم، والقليل من “السيلفي” ليظن أنه أدى جهاده المقدس.
وقد أثبتت الأحداث الجارية أن الاحتلال الإسرائيلي يتأثر مسرعا بأية حركة أو نشاط أو تكبير يطلقه المرابطون.
مركز الدراسات المعاصرة