قرصة القراصنة
تاريخ النشر: 13/04/13 | 0:00ابتدأ وانتهى الهجوم الإلكتروني (الهكرز)، على المواقع الإسرائيلية في يوم إعلامي عالمي حافل، حيث صورت هذه الحرب الإلكترونية أن إسرائيل المعلوماتية مجرد لعبة إلكترونية لا غير، ويستطيع أياً كان أن يعبث بمحتويات هذه اللعبة، أما وقد ساد الهدوء الإعلامي عن هذه اللعبة، فإن ذلك الهدوء الذي سيسبق العاصفة القادمة لا محالة، وذلك لإضافة الناحية النفسية التي ستغطي الخبر الإلكتروني إعلامياً لينضج ويظهر بشكل طبخة نفسية جاهزة للأكل على موائد شعوب أدمنت الوجبات الجاهزة.
ولكي لا تختلط الأفكار في التفاصيل القادمة فإنني أعتقد أن لعبة استخباراتية عالمية وراء هذه اللعبة الإلكترونية، إذ ستظهر قريباً ألاف المعلومات التي ستغطي المنطقة العربية لتزيد من البلبلة الحاصلة، ولتحدث الكثير من الأشواك بالربيع العربي خاصة، جراء تلك البذور الإلكترونية القادمة على أشكال الورود.
وعندما نخوض بالتحليل بمنطق الثورة الإلكترونية وكيفية حروبها ومستلزماتها وأهدافها، فنجد أن كل مجموعات الهكرز تستخدم أدوات وأجهزة وبرامج هي في حقيقتها قديمة بالنسبة للاستخبارات العالمية، وقد لفظتها تلك الأجهزة بعدما أدت دورها لمرحلة تاريخية ما، ثم ما لبثت أن استخدمت وسائل إلكترونية حديثة قد لا تخطر بخيال أي هكرز، ولا أعتقد أن أي جهاز قد أودى بوسائله القديمة إلى الأسواق الشعبية بأنه غير قادر على محاصرة تلك الأجهزة ببرامج حصانة ووقاية، وفي نظرة على حرب الهكرز هذه على إسرائيل نرى أنها لم تمتثل لقوانين الحرب التقليدية، فهي تخلت عن مفهوم البغتة في توقيت الهجوم فحذرت وأنذرت بدرجة تستطيع أي دولة تدارك هذا الإنذار إن كان يتعلق بكوارث طبيعية أو بحرب صواريخ حقيقية، فما بالكم بحرب إلكترونية تفوقت فيها إسرائيل وأمريكا؟ أما وقد حسم النصر لمجموعات الهكرز على المستوى الإعلامي العالمي، فهذه إشارة ضمنية لتصديق كل المعلومات التي حصلت عليها هذه المجموعات، ناهيك عن أن هذا الانتصار لا بد أن يشير إلى هزيمة بالجانب الآخر، فكيف إذاً تعاملت إسرائيل مع هذه الهزيمة؟ هل أقالت قيادات أمنية قيادات إلكترونية؟ أم أنها تمتعت بروح دبلوماسية مرحة تتلائم وخفة دم هذه اللعبة ولاعبيها! ثم لمَ امتنعت إسرائيل من التوجه بشكوى لمجالس وهيئات عالمية، ولمَ لم يحتج سفراءها لدى الدول التي تصدرت عناوين هذه الاختراقات، وأين تصريحات البيت الأبيض وأوباما المعتادة كلما شكت شوكة أرجل إسرائيل؟ ثم لمَ امتنع من ينطق باسم إسرائيل دوماً عن وصف هؤلاء بالإرهاب؟ بل إن مذيع الجزيرة حاول مراراً إلقاء كلمة إرهاب على ضيفه الإسرائيلي في حوار حول الهجوم لكنه تجاهلها، لأن الإقرار بها يعني إقراراً حقيقياً بالهزيمة، أو بجدية هذه اللعبة، مما سيضع الموساد في حالة تحدي ومطاردة لهؤلاء الشبان إلى درجة الاغتيال، لكن الحقيقة أنهم معنيون بوجود هؤلاء أو معنيون أصلاً بهذه اللعبة، والتي سيحتاجها الموساد حين يريد قذف ما في أحشائه من مواد هضمت، وللتخلص من مواد لم تهضم ولإعادة تكرير هذا القذف بشكل سماد كيماوي من شأنه تسميم أزهار الربيع العربي، وبالمقابل لزرع بذور لأشواك مضافة لكل الأشواك العالمية والإقليمية، والتي لا تزيد الشعب السوري في محنته إلا جراحاً، وقد أصدق أن جهاز دولة ما قد اخترق جهاز دولة ما، ولكن هل يعقل أن مجموعة شبان ممكن أن تقوم بدور أجهزة تصادر المعلومات الأمنية والعسكرية عنوة في ظل تحدي معلن، ولما نستثني المفهوم الحربي المتعارف أن الحرب خدعة، فكيف لحرب تشبه حرب الأشباح أن تستثني هذا المفهوم، وكيف لا ننتبه لأن إسرائيل بإمكانها بناء برامج معلوماتية افتراضية مضللة لتصنعها بشكلٍ يسهل الوصول إليها من محترفي الهكرز، لأننا لو أقررنا بمهنية هؤلاء وحرفيتهم الإلكترونية، فهذا لا يشير إلى حرفيتهم الأمنية والسياسية في تنقية المعلومات الواردة، خاصة أن هذه المعلومات ستنقل فورياً من المصدر إلى المتلقي عبر شبكات النت، أما الفاصل والمحلل الوحيد فسيكون المتلقي بكامل وعيه المركب والبسيط، ثم اذهب بعدها للبحث والتحري عن الحقائق! فقد تكون المعلومات التي حملتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وفق اللعبة المخفية نسب من الحقائق تتعلق بعملية الهضم والعسر في جهاز الهضم والمناعة لتلك الأجهزة، وقد يحصل هؤلاء الشبان على 10% من البرامج والشخصيات التي لم تستطع أجهزة إسرائيل هضمها بغية هضم الشعب لهم في موجة تشويه، وقد تكون نسبة 90% مواد وشخصيات هضمت ولا طائل من فيتاميناتها إسرائيلياً لتلقى بين فكي الجماهير بغية التخلص منها نهائياً، وقد يكون العكس بالنسب، ولكن الحقيقة أن كل جهاز استخباراتي عالمي بحاجة كل حين لتجديد أمعائه بهضم جديد بعد أن يُتم عملية القذف الاضطراري، خاصة وأن الجهاز هذا لا يحترم من لم يحترم شعبه وسعى لإفساد مصالحه.
وأخيراً، فيخطئ من يظن أن هذا الهجوم في حقيقته قد تسبب بانهيار إسرائيل الإلكتروني، لأن هذه الحرب خاصة لا تخضع للنوايا بل للتفوق التكنولوجي والإلكتروني، وقد يستطيع هؤلاء الشبان اختراق مواقع عامة وصفحات وبريد شخصي، لكنهم أبداً لن يستطيعوا اختراق معلومات أمنية أو عسكرية حقيقية إلا بإذن المنظومة الأمنية الإسرائيلية، لأن البرامج الافتراضية التي توصل إليها هؤلاء الهكرز إنما كانوا ضمن مشروعها الغير مباشر لتوصيلها للعالم العربي عن طريق شبان أنقياء لا غبار عليهم يكرسون جهدهم لنصرة القضية الفلسطينية، وما كانت هذه المعلومات أن تؤتي ثمارها القادمة على إسرائيل لو نشرت بطرق تقليدية مكشوفة، ولكي أقارب للقارئ الحقيقة أدعوه لأن يتخيل أن مجموعة هكرز إسرائيلية تمتد بكل أنحاء الكرة الأرضية قد هاجمت كل المؤسسات العامة والحساسة المصرية، تخيل حينها موقف مصر وقارنه بموقف إسرائيل المتراخي إزاء هذا الهجوم (الكارثي)، فهل كانت مصر ستكتفي ببعثة ناطق رسمي يتذمر عبر الجزيرة؟ لذا فإن تمثلت هذه الحرب بقرصة قراصنة فإنها ستنقلب على عالمنا بشكل لدغة، الله أعلم بقدر سمومها .