أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الارض
تاريخ النشر: 13/04/13 | 1:54ان الصحوة الشعرية والحراك الثقافي اللذان تشهدهما منطقتنا في السنين الاخيرة لهما بشائر خير وتغيير في الاتجاه المطلوب والمرغوب، أعقبت بضع سنين عجاف غاب فيها الشعر، ولا أقول الشعراء، عن المشهد الثقافي. وليس الشعر وحده من غاب وانما المسرح، والمجلة، والرقص، والرسم وغيرها من مجالات الانتاج الادبي والفني. ولعلها آفات هذا العصر المغرقة في الفردية، المحفزة للجري وراء كل ما هو مادي ومالي، هي ما أوصلتنا الى هذا الوضع. لذا فانني أعتبر هذه الصحوة الثقافية من بشائر الخير، علامة الحياة والحيوية في مجتمعنا العربي، هي النبض الشرط الذي يسبق تعافي مجتمعنا ونهوضه الانتاجي في كافة مجالات الابداع.
وقد واكبنا في الاسابيع الاخيرة، عبر الصحافة والمواقع، التصريحات المختلفة الداعية لترسيخ مواقع هذه البلدة العربية أو تلك، كعاصمة للثقافة العربية – الفلسطينية، واستعداد بعض من رؤساء المجالس المحلية والبلديات لاستثمار وتوظيف ميزانيات مناسبة لبناء المراكز الثقافية وقاعات العرض المسرحي، مراكز تحتضن الموهوبين من ابناء شعبنا في مجالات الفن والادب، لتنهض بهم ولتساندهم في مشوارهم الابداعي الطويل. هكذا يدور الحديث في الناصرة عن توظيف 65 مليون شاقل لبناء مجمع ثقافي وكذلك الامر في كفر قرع التي تبحث عن موقع مناسب لبناء مركز ثقافي يلبي الطلب المتزايد والمشاركة الهائلة للمواطنين في امسياتها الثقافية. هاتان ايضا مبادرتان مؤشرتان على الصحوة، الرغبة والاستعداد، لحراك مجتمعي يتعدى الماديات، ويساهم في عملية صقل الهوية الثقافية للجماهير.
الا ان البعض يساورهم القلق من ان تؤدي هذه الصحوة الى "انفلات" في المعايير والتسميات والخوف من تراجع احترام الشعر والشعراء في المجتمع. هذا القلق منبعه المستوى غير اللائق للكثير مما يكتب وينشر، وأحيانا يلقى من الشعر والقصائد. فالتمكن من قواعد اللغة العربية محدود، والعناصر البلاغية غائبة، والاطلاع على الموروث الادبي العربي، شعرا ونثرا، محدود فما بالك في الموروث الادبي العالمي.
وقد اتحفنا الشاعر كاظم ابراهيم مواسي قبل ايام، وعبر موقع بقجة، بمداخلة بعنوان "من هم الشعراء؟" بث فيها بعض همومه حول هذا الموضوع. ومما أورده محقا غياب هيئة مسئولة تنظم موضوع الشعر والشعراء، غياب المحررين الادبيين في المواقع والصحف وغياب القراء الفطنين القادرين على التمييز بين الغث والسمين مما نشر او قد ينشر، من شعر وأدب. اننا اذ نتفق مع الاخ كاظم حول صدق ما كتب، موضوعيا، الا اننا نختلف معه في التوجه. لماذا؟
أولا، لأننا نتبنى نهج التطلعات الايجابية تجاه كافة المبتدئين في العطاء الفني-الابداعي ونتوسم فيهم الخير والقدرة على الابداع حتى يثبت غير ذلك. لذا فنحن ندعو الى مساندتهم ولتوفير كافة المساعدات والرعاية لهم في بداياتهم، بدلا من "خنفهم" وتسليط سيوف النقد على رؤوسهم. فالمبدع الحق يبقى بحاجة ماسة الى فضاء من الحرية والى جو من القبول لإنتاجه يشحن لديه الرغبة في المزيد من العطاء والإبداع.
ثانيا، لأن مأسسة أي مجال من مجالات الانتاج الفني والادبي، تشترط وجود هذا الانتاج. ففي غياب الشعراء وكتاب المسرح والقصصيين والممثلين والرسامين وغيرهم، لا يمكن انشاء رابطة لأية فئة منهم.
ثالثا، لأننا نأمل ان ترافق هذه الصحوة الانتاجية حركة استهلاك تتشكل من القراء ورواد المسرح، من المهتمين بالفن والانتاج الفني، رسما، نحتا، شعرا، …. ولا يمكن ان نفترض نشوء مثل هذه الحركة في غياب الانتاج الفني وعرضه على الجماهير، بغض النظر عن نوعه ومستواه. فما نفع قصيدة راقية كتبت، ان لم يكن هناك من يقرأها ويستمتع بها؟ ولمن يرسم الفنان لوحته ان لم يوجد من يشاهدها؟
رابعا، لأنه على مر العصور وعبر زمن الانتاج الادبي العربي، والشعر خاصة، لم تنشأ رابطة للشعراء، العباسيين، مثلا! فالشاعر الحق ليس بحاجة الى شهادة ولا الى تصريح من أحد ليقوم بالكتابة. هو بحاجة الى من يقرأه أو يصغي اليه. والشعر الجيد سيجد حتما من يستمتع بقراءته والشاعر الجيد لا بد وان يحظى بمجموعة تستمتع بانتاجه وتواكبه.
خامسا، لأن الشعر بطبيعته جدلي، مبني على التبادلية بين الشاعر والجمهور، تبقى التسمية واطلاق الالقاب أمرا ثانويا. فالكاتب الذي لا يتمتع القراء بانتاجه، لن يكون شاعرا ولو اتخذ لنفسه لقب "فحل" أو "امير" أو "ملك" أو ما شاء من الالقاب.
لذا فلا داعي للقلق الآن، لأن هذه الصحوة الثقافية ضرورية، تستلزمها حاجات جماهيرنا الجمعية، وهي البداية فقط لعملية نتمنى ان تستمر وترقى بنفسها وبنا الى ما نحن أهل له. وختاما أورد ما كتبه الاخ كاظم من أن "الذي وصل الينا هو شعر حقيقي يحافظ على اساسيات الشعر وجمالياته بغض النظر عن سلوكيات واخلاقيات الشعراء" موافقا معه على ان هناك عملية نشوء وارتقاء، حتى في مجالات الادب والفن، وأنه، في نهاية المطاف، لا يتبقى الا ما ينفع الناس.
بارك الله فيك اخي وابن صفي الدكتور حسام مصالحه…لقد تطرقت للموضوع من جميع جوانبه. وكنت ناقدا وناصحا جيدا ومجيدا .
ان الادب للجميع وان الحكم للقارئ .فدع من يبدع ليبدع ودع الاخر يحاول.ولنكن نحن من يدفع العجله الى الامام.كل ذلك افضل من التوقف…
اشكرك د.حسام مصالحة على مداخلتك الادبية الرفيعة واحييك .
لم اكن ابداً ممن يعارضون فئات الشعب ان تكتب وان تحاول الابداع ولكنني اعارض نشر المادة الادبية القوية في نفس زاوية المادة الادبية الضعيفة كما واعارض سهولة الحصول على لقب شاعر …
تحياتي مجدداً