يوم نكبتنا …هو يوم استقلالهم
تاريخ النشر: 16/04/13 | 3:55ها قد داهمتنا الذكرى، ذكرى النكبة، نصحو على صوت العام ال 65 للحظة الاقتلاع الأولى، منذ ذلك اليوم وذلك الشهر وتلك السنة 1948 التي مازالت ذكرها تعشش في قلوبنا وتسكننا ومازال يشفنا الوجد، ويجرفنا الهوى إلى هناك، هناك القريب البعيد، يهجم عليك الجوى، ويجرفك الهوى، ويتملكك الحنين إلى المجدل التي تصلك رائحتها الزكية هنا في غزة وأنت تعيش الذكرى تنظر فلا ترى، وتبحث فلا تجد، وتسأل فلا جواب، وتنادي فلا من يجيب، وتصرخ فلا من يسمع.
أعلم نفسي، وأنا في هذه الحال، حالة الالتحام والاندماج مع الذكرى، فأعيش بلدي في حلمي وأتمثل مدينتي في وجداني، فأنطلق إلى أعلى برج في مدينة غزة، وأطل من علٍ على أنوار المجدل التي تغرق في الحزن، وهي تبث لواعجها إلى مدينة غزة، قائلة أتسمعونني أينكم!.
أشعر وأنا أتواصل مع مدينتي، نعم إنها مدينتي إنها مجدلي، أتسمعونني!! أشعر بحالة من الانتعاش، وبقشعريرة وجدانية تسري في ضلوعي وأنا أحاورها وتحاورني، في هذا الليل، الذي لا ليل فيه، أراقب، وأراقب، وأراقب، فيزداد في داخلي الحلم ويكبر، وتنمو في داخلي أحاسيس وتشرئب أكثر فأكثر، وأعيش هاجس العودة، فاشعر أنني قريب قريب، من مدينتي وحبيبتي وعزيزتي "المجدل… مجدلي أنا.
والهوى مجدل! "أتأمل، وأتفكر، وأتدبر، وأتذكر، وأناغي الوطن وأغني له، ايه يا مدينتي! أي مدينة أنت، وأي وطن يضمك، فهل هناك أجمل من هذا الوطن! وهل هناك أحلى من هذا الوطن! وهل هناك أطهر من هذا الوطن!
وهل هناك أقدس من هذا الوطن! وهل هناك أعظم من هذا الوطن! الذي تستفز في داخلي خليط من المشاعر التي تسمو وتسمو فتأخذني إلى أن أجد نفسي، وسط البيارة، بيارتي، وبيتي في مجدلي، فإذا بأريج البرتقال، وأزاهيره، تفوح في كل مكان تفوح في الزمان والمكان، فأجدني أنشد:
كل إنسان له دار وأحلام ومزهر
وأنا الحامل تاريخ بلادي أتعثر
وعلى كل طريق لم أزل أشعث أغبر
يا فلسطين، ولا أحلى ولا أغلى وأطهر
كلما حاربت من أجلك، أحببتك أكثر
كيف لي، تقول نفسي التواقة للعودة، والمعبأة بكل مشاعر الحنين، والمملؤة بكل أشواق الروح التي تأخذني إلى هناك، إلى فلسطين الأرض، والسماء والهواء والماء! كيف لي – وهل في مقدوري – أن أنسى داري وأحلامي، ومزهري! ومرتع صباي!
ايه فلسطين
يا أيها الوطن الساكن فينا أبداً
ننام على صوتك يا وطني
ونصحو على أناشيدك
ونعيشك في وجداننا، وتعيش فينا، نحن الذين مازلنا نتواصل معك بالحلم وبالحقيقة، أنت يا وطني، لست قطعة أرض، أو مساحة أو ساحة بلا معنى! أنت هويتنا، وهواؤنا، أنت ثقافتنا وانتماؤنا، أنت لغتنا وغايتنا، فالوطن هو التاريخ والجغرافيا، والهوية والانتماء والثرى والانغماس ولحظة الإبداع، ولحظة الفرح، ودموع الفراق، واللقاء ولحظة السعادة والحزن ومتعة التأمل، إنه ملاعب الصبا، إنه جلسة تحت ظل شجرة وارفة في لحظة حوار مع الطبيعة أو كتاب!
إنه الذكرى والتذكار، إنه الذكريات المحفورة وشواهد الأمجاد والمعارك والانتصارات والفتوحات المحفورة في كل مكان، إنه الآثار والمقامات إنه عظام الآباء والأجداد، إنه مأوى الأنبياء والرسل والصحابة وأهل التقوى، إنه بيت صانعي التاريخ، ومسجلي الانتصارات، إنه موكب الأبطال.
وطني، فيك إبداعي، ومنك إبداعي، وأنت إبداعي، وملهمي للإبداع، أحاول أن أهدهد دمعة أو جموع الدموع التي تترقرق من عيوني، وأنا مازلت أطل على المجدل من هذا البرج الغزي، فالمجدل في التاريخ وفي الجغرافيا توأم غزة، ولابد من عودتها إلى توأمها غزة التي تطل وتستعد للحظة التاريخية، التي لا بد قادمة كما هو حال التاريخ، وكما كان التاريخ.
أطل من علٍ في الذكرى الستين فأتمثل جموع أهل بلدي – نعم بلدي، بل جموع أهل فلسطين، وقد شردتهم العصابات الصهيونية بقوة النار والحديد، فأرى المشهد ماثلاً أمامي، مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، يهيمون على وجوهم في ضياع، تلاحقهم طائرات ودبابات ومدافع وسفاكو الدم من بني صهيون.
أتمثل الآن المشهد، والناس يمشون على أقدامهم يحملون أطفالهم وما تيسر من أمتعتهم لا يلوون على شيء ولا يعرفون إلى أين هم ذاهبون، المهم أن يهربوا من الموت الزؤام الذي يلاحقهم، من الإرهاب الصهيوني، الذي استخدم المجازر والمذابح والتطهير العرقي بل والإبادة للتخلص من شعب فلسطين، كي يسلبوننا وطننا ويغتصبونه ويحتلونه ويزعمون أنه لهم!.
أتمثل الآن مجزرة دير ياسين فيتردد صدى صوت الإرهابي المجرم "بيغن" صاحب مجزرة دير ياسين، وهو يقول: لو لا مجزرة دير ياسين لما قامت دولة إسرائيل!.
أتمثل وأستعيد الذكرى، وأعيش النكبة لحظة بلحظة،
حين كان شعبي يستجير فلا مجير
ويستصرخ فلا من سامع
ويطلب السلاح فلا من مجيب
ورغم قلة الإمكانات، باعت نساء فلسطين ذهبهن وحليهن من أجل شراء بندقية أو مسدس أو وسيلة من وسائل القتال، مع ندرتها في ذلك الوقت، كي يدافع المدافعون عن الأرض، والعرض والوطن والشرف العربي من الماء إلى الماء.
آه، ما أشبه اليوم بالبارحة، فمازالت مؤامرة التجويع والحرمان والحصار والتواطؤ والخذلان والخيانة مستمرة منذ النكبة، وإذا ما تفرست وجوه الحكام العرب في هذه الأيام، فلعلك ترى تماماً وجوه الحكام في تلك الأيام، كأن الزمن تجمد! وكأن الخيانة مازالت تجري في نفس العروق، ومازال الشاعر يصرخ منذ عام 1948.
أمتي هل لك بين الأمم منبر بالسيف أم بالقلم
أتلقاك وطرفي مطرق خجلاً من أمسك المنصوم
ألإسرائيل تعلو راية في حمى الأقصى وظل الحرم
رب وامعتصماه انطلقت ملء أفواه اليتامى الثكل
لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم!
حتى هذه اللحظة منذ عام 1948، وقعت صرخات واستغاثات أطفال وأيتام فلسطين على آذان صماء لنفس سلسلة وسلالة الحكام المتواصلين من عام النكبة!. آه فلسطين! يا أرض الإسراء والمعراج، والأنبياء والديانات! أنت يا ست الدنيا، ويا زهرة الأوطان، ويا جوهرة الزمان، هل لك في هذه الأمة من معتصم؟!
مازالت أضواء المجدل ترسل بتحياتها إلى غزة وأنا مازلت أرنو، وأتطلع، وأهفو، وأحب، وأعشق، واتيه، وأتيم، وأتشوق وانفعل وأسرح بخيالي واسبح، وأطير ثم أحط في مدينتي التي تلاقيني بالترحاب وأتوحد مع المدينة والحالة، وأتمثل أمامي شريط الذكريات والنكبات منذ عام الرحيل في ذلك العام الأسود 1948 حتى لحظة الحصار هذه.
ومازال الحصار هو الحصار! أتصدقون أن من يحاصرني هم إخوتي في العروبة من الحكام العرب! من يمنع دخول الأموال إلى أيتام وفقراء فلسطين، من يتواطؤ مع إمبراطورية الشر، المسماة الويلات المتحدة الأمريكية!
من يسمح لبني صهيون يرتعوا ويلعبوا في بلداننا العربية ويسيحوا كيفما يشاءون في أي زمان ومكان وبأي طريقة كانت في بلدانهم المفتوحة على مدار الساعة لمن اغتصب بيتي ووطني وطردني بل وارتكب جريمة العصر ضد شعب فلسطين.
من رفع العلم الصهيوني في قلب العواصم العربية باطناً وظاهراً وعلى أية سارية وبأي منطق، بل ما يرمز إليه هذا العلم الصهيوني ذو الخطين الأزرقين والنجمة السداسية، والذي يعني أن إسرائيل تمتد من الفرات إلى النيل، وعليها الآن أن تترجم ذلك واقعاً فتتمدد بالتوسع والعلاقات والزبائن إلى كل مكان في هذه المنطقة؟!.
مازلت أطل من فوق ذلك البرج – وأكاد أرى بالعين المجردة بيتي وبيارتي، في مدينتي حبيبتي، في حارتي التي كتبتها على نياط فؤادي وشغاف فؤادي، إنه وطني الذي لا وطن قبله ولا بعده، ولن أقبل بغيره مهما طال السفر، ومهما كانت التضحيات ومهما عظمت الملمات.
آه يا وطني،
آه فلسطين،
وطني لو شغلت بالخلد عنه،
نازعتني إليه في الخلد نفسي.
أشعر وكأن المؤامرة مازالت مستمرة دخلت من القرن العشرين إلى الحادي والعشرين، أنظر من حولي إلى السماء وأناجي وأدعو وأتوسل، وأطلب النجدة من صانع هذا الكون…
يتسلل من داخلي هاتف يقعقع بصوت مجلجل…، والعرب، أين العرب …؟! أين الملايين من أمة العرب …؟!
"وين الملايين" تنفجر في المكان! يرد داخلي على داخلي، أكاد أومن من شك ومن عجب هذه الملايين ليست أمة العرب!.
أعرب أنتم؟!
إني في شك من بغداد إلى جدة!
أسأل أسئلة مستحيلة!
ماذا لو خرج علينا فجأة خالد أو المعتصم أو صلاح الدين أو عبد الناصر، ماذا سيقول فينا!.
إسرائيل تتمدد، تبني المستعمرات، وتقيم الجدران ذات الأبراج والأسلاك الكهربائية، وتسلح كل صهيوني بصاروخ بل بقنبلة نووية، وتدعمها الولايات المتحدة بالمال والسلاح والرجال والسياسة والدسائس والمؤامرات والفيتوات، والهيمنة على الأنظمة العربية!.
والأنظمة العربية – أعني الحكام العرب، يطيعون بوش الذي يأمرهم بمحاصرة الفلسطينيين بينما يعصون الله الذي يأمرهم بتحرير الأقصى ومساعدة الشعب الفلسطيني، هم عبيد لإله الشر بوش وبوش نفسه عبد لآلهة الشر الصهيوني!. هل يستحي الحكام العرب، أو حكام عرب بدون أداة التعريف، حتى نستثني منهم من له نية حسنة، رغم ضعفه وهوانه وقلة حيلته، أين ملايين النفط العربية من تحرير القدس، وتحريرها أمر إلهي مفروض على الحاكم والمحكوم. ألا يتحرك النفط العربي لتحرير القدس كما تحرك نفط العرب وحكام العرب لتحرير الكويت المقدسة – "مقدسة في أي كتاب"!!.
نفط بن سام
أم نفط مصهين
خجل أنا يا سادتي
من عالم النفط المدجن!
منذ عام 1948 حتى اليوم قدمت أمريكا إلى إسرائيل ما مجموعة 250 مليار دولار أمريكي، من أجل أن تبقى إسرائيل خنجراً مسموماً في جسم الأمة العربية وقاعدة للاستعمار الغربي والتحالف الصهيو- أمريكي، فماذا قدمت الأنظمة العربية لشعب فلسطين، من أجل نزع هذا الخنجر المسموم من جسد الأمة العربية!.
خطر على بالي أن أذكر أن الأنظمة العربية خاصة السعودية والخليج قد اشترت أسلحة بحوالي 300 مليار دولار من عام 1995 حتى الآن!! لماذا وضد من، نحن في فلسطين لم نر طائراً، ناهيك عن طائرة من تلك البلدان للدفاع عن الأقصى، أين لجنة القدس، أين المؤتمر الإسلامي، ماذا لو تبرعت دول النفط بربع دولار عن كل برميل لشعب فلسطين – خاصة بعد أن اقترب سعر برميل النفط أكثر من 120 دولار، وتضاعفت أضعافاً مضاعفة ميزانيات تلك البلاد – هل كان شعب فلسطين سيحتاج إلى دعم من ما يسمى الدول المانحة – من سخرية القدر – هي الدول الأوروبية والتي تعد في خانة الدول العدوة، نظراً لدورها في ضياع فلسطين، هذه الدول التي هي أيضاً الدول المانعة!!. أما الدول العربية فهي الدول النائحة! ونحن بين المانحين والنائحين محاصرون!.
هل أصحاب الفخامة والسيادة وطول العمر – لاحظ طول العمر – يا طويل العمر، ينتظرون قراراً من العم الأكبر بوش الذي أمرهم بالإسهام نفطياً ومادياً وعسكرياً واقتصادياً في محاصرة ومن ثم مقاتلة العراق، كي تبقى إسرائيل سيدة الموقف وهم في فلكها سائرون!.
مازالت أطل من علٍ على أنوار مدينة المجدل تدور الأسئلة حائرة حول مواقف الأنظمة العربية التي تقف وأمريكا والغرب وإسرائيل في جانب، والشعب الفلسطيني وحكومة في جانب!.
يا رب
إلى من تتركنا، إلى أنظمة عربية تتجهمنا أم عدو صهيو-أمريكي ملكته أمرنا، هل تتوقف سنوات النكبة، ويبدأ العدو التنازلي لسنوات التحرير وتعود فلسطيننا إلى حضن الأمة العربية، أم الأمة ليست أهلاً لذلك؟.
ألإسرائيل تعلو راية في حمى الأقصى وظل الحرم!
هل سينام الشاعر عمر أو ريشة قرير العين حين يعلم أن راية إسرائيل اقتربت من كل المقدسات العربية والإسلامية، وأنها ترتقع في عواصمنا الكبرى والصغرى؟.
بي جوى وشوق إليك يا فلسطين! مازالت المشاعر متأججة منذ النكبة التي نعيشها في أيامنا هذه وليالينا هذه، ونحن أشد ما نكون إصراراً وعزماً على هزيمة الهزيمة ودحر اليأس والقنوط وإبعاد شبح الإحباط، كلما نظرت إلى صورة خارطة فلسطين المعلقة على الجدار أمامي والساكنة في قلبي، تهيج في داخلي الذكرى ويأخذني الحماس ويشدني الحنين وتدفعني الثورة في داخلي إلى الانطلاق إلى مزيد من العزم والإصرار على العودة، العودة إلى فلسطين، فهي عودة الروح! بل عودة الحياة بكل معانيها ومغازيها وأفراحها وألقها وتجلياتها!
يا أيها العالم!
يا أيتها الدنيا!
أعلن في الذكرى الثانيه و الستين على اغتصاب وطني فلسطين، أن لا سلام ولا أمان في هذه الدنيا، طالما بقيت لاجئاً مشرداً
أنا لن أعيش مشرداً
أنا لن أظل مقيداً
أنا لي غد
وغدا سأصرخ
عائداً متجدداً
إنني مازلت أحمل أنشودة العودة، التي أرددها ليل مساء في كل أحلامي وحالاتي وأحوالي:
عائدون عائدون
إننا لعائدون
فالحدود لن تكون
والقلاع والحصون
فاصرخوا يا لاجئون
إننا لعائدون!
صباح الخير يا وطني فلسطين!
انظر إلى السماء، تزحف إلينا من سماء المجدل غيمة محملة بالمطر، تتساقط مطراً ورذاذاً جميلاً جميلاً، كأنها رسالة خير تبدد كل الجفاف الوجداني، بعدها يطل علينا القمر بهياً بهياً، يحمل كل الأمل، والرجاء فينطلق صوت ملائكي من السماء والأرض:
سنرجع يوماً إلى حينا
ونغرق في دافقات المنى
سنرجع خبرني العندليب
غداة التقينا على منحى
وهذا هو حلمنا الذي لا ينقطع
والذي سيصبح حقيقة
وعندها يعم السلام الدنيا!!
فليكن اسم هذا اليوم (( يوم الصمود والبقاء )) فلنتذكر بهاذا اليوم اننا ابناء واحفاد أشخاص تمسكوا بأرضهم ولم يهربوا كما هرب اكثر اهل البلاد وبقوا وصمدوا رغم الصعاب ورغم التحدي والتضيق عليهم في تلك الايام