أبو جهاد…في الذكرى ال 25 لإغتياله
تاريخ النشر: 16/04/13 | 2:05في السادس عشر من إبريل/ نيسان من كل عام نتذكر البطل الذي رحل في هذا التاريخ بعد أن فجر الانتفاضة الأولى وصنعها بطلقات زناده.. إنه التاريخ الذي الذي رحل فيه القائد الكبير خليل الوزير 'أبو جهاد'
هو الرجل الذي اغتالته إسرائيل تعبيرا عن خوفها من خطورة البطل لما يحمله من أفكار ولما قام به من عمليات جريئة ضدهم فقد آخر كلمة خطتها يده هي (لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة( قبل أن تخترق بسبعين رصاصة جسده ليتوج أميرا لشهداء فلسطين.
حياته في سطور
ولد خليل إبراهيم محمود الوزير (أبو جهاد) عام 1935 في مدينة الرملة، وغادرها إلى غزة إثر حرب 1948 مع أفراد عائلته، ودرس في جامعة الإسكندرية، ثم انتقل إلى السعودية فأقام فيها أقل من عام، وبعدها توجه إلى الكويت وظل بها حتى عام 1963، وهناك تعرف على ياسر عرفات وشارك معه في تأسيس حركة فتح.
في عام 1963 غادر الكويت إلى الجزائر حيث سمحت السلطات الجزائرية بافتتاح أول مكتب لحركة فتح وتولى مسؤولية ذلك المكتب، كما حصل خلال هذه المدة على إذن من السلطات بالسماح لكوادر الحركة بالاشتراك في دورات عسكرية وإقامة معسكر تدريب للفلسطينيين الموجودين في الجزائر.
غادر أبو جهاد الجزائر عام 1965 إلى دمشق حيث أقام مقر القيادة العسكرية وكلف بالعلاقات مع الخلايا الفدائية داخل فلسطين، كما شارك في حرب 1967 وقام بتوجيه عمليات عسكرية ضد الجيش الإسرائيلي في منطقة الجليل الأعلى، وتولى المسؤولية عن القطاع الغربي في حركة فتح، وهو القطاع الذي كان يدير العمليات في الأراضي المحتلة.
وخلال توليه قيادة هذا القطاع في الفترة من 1976 – 1982 عكف على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة كما كان له دور بارز في قيادة معركة الصمود في بيروت عام 1982 والتي استمرت 88 يوماً خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان.
تسلم أبو جهاد خلال حياته مواقع قيادية عدة، كان عضو المجلس الوطني الفلسطيني خلال معظم دوراته، وعضو المجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية، وعضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ونائب القائد العام لقوات الثورة، كما يعتبر مهندس الانتفاضة وواحداً من أشد القادة المتحمسين لها.
وبعد حصار بيروت عام 1982 وخروج كادر وقوات الثورة من المدينة عاد أبو جهاد، مع رفيق دربه ياسر عرفات إلى مدينة طرابلس ليقود معركة الدفاع عن معاقل الثورة في مواجهة المنشقّين المدعومين من الجيش السوري، وبعد الخروج من طرابلس توجه أبو جهاد إلى تونس حيث مقر المنظمة ومقر إقامة أسرته، ومن هناك أصبح دائم التجوال بين العواصم العربية للوقوف عن كثب على أحوال القوات الفلسطينية المنتشرة في تلك البلدان، وكان من عادته عدم المكوث في تونس بين أهله سوى بضعة أيام، لكنه مكث 15 يوما في الزيارة الأخيرة له في ربيع 1988.
وفي16 نيسان/ أبريل1988 تسلل أفراد من الموساد الإسرائيلي عبر البحر إلى العاصمة التونسية، وتمكنوا من الوصول إلى بيته بالتواطؤ مع عملاء تونسيين وقاموا باغتيال أبو جهاد بطريقة وحشية على مرأى من أفراد عائلته.
شاهد عيان على اغتياله
تروي زوجته انتصار الوزير ليلة اغتياله فتقول: " لم تكن الساعة إلحادية عشرة ليلاً وقتا عاديا ليعود أبو جهاد إلى بيته ، ولو أن البيت لا يعني له العائلة فحسب إنما استمرار العمل الذي يبدأ لحظة نهوضه من نومه القليل
لكنه عاد في تلك الليلة تمام الحادية عشرة لتكون الانتفاضة في موضع حديثه مع ي وحنان فأخذ يحدثني على آخر تقرير وصل إلى غزة، والذي يتضمن خبر اصطدام سفينتين قبالة شواطئ غزة حيث كانت إحداها محملة بعلب السمن، مما أدى إلى انتشار السمن على الساحل، انتشر السكان فور سماع الخبر لجمع ما يقدرون عليه وأضاف أبو جهاد نقلاً عن الأهل في غزة أنهم أعتبرها هبة من الله سبحانه وتعالى للانتفاضة.
وتقدمت منه لأناوله التقرير وسألته، ألم ترسل أنت السفينة إلى غزة؟ أخبرني هل خبأت شيئاً؟
توجه أبو جهاد إلى ابنته حنان طالباً منها ترجمة خبر باللغة الإنجليزية يتحدث عن استعداد الممثل العالمي أنطوني كوين لتمثيل فيلم عن القضية الفلسطينية يلعب فيه دور الأخ أبو عمار. ذهب الجميع للنوم فيما ذهب أبو جهاد إلى مكتبه لمواصلة العمل بعد أن طلب آخر شريط عن الانتفاضة لمشاهدته. فقبيل الاغتيال بدقائق أجرى اتصالا هاتفياً مع ممثل منظمة التحرير في تشيكوسلوفاكيا … أنه سيسافر إلى براغ في ذلك الصباح.
سمعت أم جهاد "أبو جهاد" يتحرك بسرعة تاركاً مكتبه فإذا به يحمل مسدسه متجهاً إلى باب الغرفة ، لحقت به ووقفت إلى جانبه لكنه طلب منها الابتعاد.
تستطرد أم جهاد : " وقفت في الزاوية الأخرى لثوان شاهدت أمامي شخصاً على بعد متر واحد كان في حوالي الثانية والعشرين من عمره أشقر، يضع على وجهه قناعاً شبيه بقناع غرفة العمليات ولم يتكلم أبداً ، أطلق عليه أبو جهاد رصاصه من مسدسه فرد عليه بمخزن كامل من رشاشه، سقط أبو جهاد على الأرض، ذهب وجاء رجل آخر ظننت أنه سيقتلني أنا، ولكنه عاد أفرغ رشاشه بجسد "أبو جهاد" جاء الثالث وفعل نفس الشيء، كنت أضع يدي فوق رأسي وأنطق بالشهادتين، وأنا أتوقع قتلي. كنت أدير وجهي وعندما جاء رابع ليفعل نفس الشيء، صرخت بأعلى صوتي " بس" لكنه أفرغ رشاشه في جسده.
وأضافت الأخت أم جهاد : " ثم توجهوا جميعاً نحو غرفة النوم حيث أبني نضال البالغ من العمر سنتان ونصف، فكرت به وشعرت بخوف شديد عليه. وبحركة عفوية حاولت أن أتحرك نحوه لكن أحد المهاجمين وقف أمامي يهددني برشاشه كي لا أتحرك دخل الآخرون إلى غرفة النوم أطلقوا زخات من الرصاص ، فتيقنت أن نضال قد قتل ولكنه كان يصرخ وكان صراخه يطمئنني. انسحبوا من غرفة النوم ، كانت حنان قد خرجت من غرفة نومها لترى ما يحدث فوجئت بالأشخاص المجهولين أمامها فوجئت بأحدهم يقوم لها باللغة العربية "روحي عند أمك". غادر القتلة المنزل تاركين خلفهم حوالي سبعين رصاصه في جسد "أبو جهاد" سبعون هدف في جسد، رصاص في قلب حركات التحرر العالمية رصاص في قلب الرأي العام العالمي الذي كان أبو جهاد حريصاً على كسبه.
سجل نضالي أرهب العدو
خطط أبو جهاد للعديد من عمليات حركة فتح النوعية وأشهرها عملية سافوي وعملية كمال عدوان التي قادتها الشهيدة دلال المغربي. وشارك في معارك حرب 1967 والكرامة وأيلول الأسود و كان له دور بارز خلال حرب لبنان وفي تثبيت قواعد الثورة هناك، وبين عامي 76-1982 تولى المسئولية عن القطاع الغربي في حركة فتح الذي كان يدير العمليات في الأراضي المحتلة
عكف الشهيد على تطوير القدرات القتالية لقوات الثورة فأدار العمليات ضد العدو الصهيوني انطلاقا من الأراضي اللبنانية عام 1982.
تمكن أبو جهاد من كسر احتكار إسرائيل للقوة العسكرية من حيث المبدأ, مع وضوح الفرق الهائل في توازن القوى. ولقد حاول أبو جهاد توجيه ضربات عسكرية في حدود وسائله المحدودة عبر المنافذ البرية والبحرية التي يمكن اختراقها إلي داخل إسرائيل, وكان بعض هذه العمليات ينجح وبعضها ينتهي باستشهاد منفذيها أو وقوعهم في الأسر.
من الصف القيادي الأول, شغل أبو جهاد العديد من المناصب ومنها : عضو المجلس الوطني الفلسطيني., عضو المجلس العسكري الأعلى للثورة الفلسطينية, عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية, عضو اللجنة المركزية لحركة فتح, نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية.
ردود الأفعال بعد استشهاده
عاش القائد أبو جهاد في كل قلب وفي كل بيت, ومن كل بيت عربي خرجت تظاهرة ما إن انتشر الخبر المفجع في أرض الانتفاضة حتى شهدت شوارعها ذلك اليوم اعنف التظاهرات منذ قامت الانتفاضة.
ابتدأت التظاهرات بمسيرات صامتة حداداً وخشوعاً فبادر الجيش الإسرائيلي إلى تفريقها بقنابل الغاز المسيل للدموع وبالنار والرصاص المطاطي, وانطلقت غزة مدينة أبو جهاد بعد الرملة، تتحدى منع التجول المفروض عليها وشارك حتى الأطفال في التظاهرات وانتهى يوم الغضب الأول في وداع الأرض المحتلة لابنها البار باستشهاد سبعة عشر مواطناً بينهم ثلاث نساء، كما أصيب العشرات بجراح بالغة أما المعتقلون فكانوا بالمئات.
لم تتوقف الجنازات الرمزية في أسبوع أبو جهاد ولم تنزل الأعلام الفلسطينية والأعلام السوداء عن المنازل والأبنية والمساجد والكنائس وقد طالبت الهيئة الإسلامية العليا بدفن جثمان القائد الشهيد في رحاب المسجد الأقصى، هذا وفرضت سلطات الاحتلال منع التجول على جميع مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة وأعلنت أن مناطق عديدة باتت مناطق عسكرية مغلقة بوجه الصحافة وأقامت معتقلاً جديداً بالقرب من القدس أطلق عليه اسم أنصار الصغير وذكرت بأنها ستفتح سجناً آخر لاستيعاب المعتقلين.
وعلى الرغم من الإجراءات القمعية و الحصار العسكري والاقتصادي الخانق على المخيمات انطلقت التظاهرات في ذكرى الأسبوع في 22 نيسان / إبريل إثر صلاة الغائب في كل مكان تتحدى قرار منع التجول.
إنكار إسرائيلي
في البداية أنكرت إسرائيل أن يكون لها أي علاقة باغتياله ولكن بعد 9 سنوات في عام 1997 كشفت الصحف عن تفاصيل العملية الدقيقة و التي استخدمت فيها الطائرات و الزوارق و قبل ذلك عملاء “إسرائيل”.
صحيفة (معاريف) العبرية في عددها الصادر بتاريخ 4 تموز كانت، أول جهة إسرائيلية تشير صراحة و بالتفصيل لتورط “إسرائيل” في العملية التي أودت بحياة نائب القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية.
قالت معاريف، دون أن يكذبها أحد في تل أبيب، إن من نفّذ العملية وحدات كوماندوز خاصة تابعة لهيئة الأركان “الإسرائيلية”، و هي الأقوى في الجيش “الإسرائيلي”. في منزل أبو جهاد ليلة 15 – 16 نيسان 1988، و تم تنظيم العملية كعملية عسكرية واسعة النطاق.
و تم نقل المشاركين في الاغتيال على متن أربع سفن، من بينها اثنتان نقلت عليهما مروحيتين، لاستخدامهما في حالة الاضطرار لعملية إخلاء طارئة إذا حدث أي خلل أو طارئ غير متوقع.
و كشفت الصحيفة أنه تم إعادة (بناء) فيلا أبو جهاد التي كان يقطن بها في تونس العاصمة بتفاصيلها الدقيقة في “إسرائيل” اعتماداً على عملاء لجهاز الموساد، الذي ساعد رجاله في تدريب الوحدات العسكرية على العملية داخل الفيلا الشبيهة في “إسرائيل”.
و قالت الصحيفة إن إيهود باراك (مساعد رئيس الأركان) وقت تنفيذ العملية، و زعيم حزب العمل عند نشر هذا التقرير في معاريف، هو الذي أعد للعملية و أشرف على عملية الاغتيال من البحر قبالة شواطئ تونس. و هو صاحب سجلّ حافل في عمليات الاغتيال.
و لكنه لم يكن وحده، فمعاريف نشرت صور و أسماء القيادات التي خطّطت و نفّذت تلك العملية و أبرزهم: إسحاق شامير رئيس حكومة الاحتلال وقت ذاك الذي صادق على عملية الاغتيال و بعد تنفيذ العملية بنجاح أرسل برقية تهنئة لمنفّذيها، و كذلك إسحاق رابين و زير الدفاع في حكومة (الوحدة الوطنية) الإسرائيلي الذي أيّد تنفيذ العملية في جلسة المجلس الوزاري المصغر، و آمنون ليبكين شاحاك رئيس الاستخبارات العسكرية الذي وفّر معلومات لازمة لتنفيذ العملية بنجاح، و ناحوم أدموني رئيس جهاز الموساد الذي قدّم أيضاً معلومات دقيقة لإنجاح العملية، و إيل رجونيس ضابط الاستخبارات في دورية هيئة الأركان والذي بدا، كما تقول الصحيفة بجمع معلومات في نهاية عام 1987 بعد تسريحه من الجيش، و دان شومرون رئيس الأركان الاسرائيلي الذي صادق على عملية الاغتيال.
وتكشف الصحيفة، أن “إسرائيل” استعانت بطائرة بوينغ 707 كانت تحلّق قرب الشواطئ التونسية لجمع معلومات و بثها و التنصت على الهواتف التي يستخدمها القادة الفلسطينيون.
و أشارت الصحيفة إلى أنه أثناء الاستعداد لتنفيذ عملية الاغتيال، تمكّنت دوريات بحرية (إسرائيلية) بمساعدة شبكة الموساد في تونس، من التسلل إلى الشواطئ التونسية لتحديد المكان الأكثر أمناً لانطلاق وحدة الكوماندوز التي أوكل إليها مهمة تنفيذ الاغتيال.
و من أهم ما نشرته الصحيفة (تفاصيل) اتخاذ القرار باغتيال أبو جهاد، و ربما يساعد ذلك في فهم (التفكير) الاسرائيلي في مثل هذا النوع من الاغتيالات و الذي طال، هذه المرة، أعلى رتبة عسكرية و سياسية فلسطينية ضمن سلسلة الاغتيالات التي نفّذتها “إسرائيل” .
قالت (معاريف) إنه في 8/3/1988، و بعد انتهاء عملية اختطاف الباص الذي كان يقلّ موظفي مركز الأبحاث النووية في ديمونا، عقد مجلس الوزراء الصهيوني المصغر، و على رأس جدول الأعمال اقتراح قدّمه جهاز الموساد باغتيال أحد أفراد منظمة التحرير الفلسطينية و لكنه هذه المرة كان: أبو جهاد.
قتلوا أميرا أحيا شعبا
بعد كل تلك السنوات من تنفيذ العملية فقد اعترفت الأوساط الإسرائيلية أن العملية فشلت في هدفها الأساسي و هو إخماد الانتفاضة، بل إن الانتفاضة تصاعدت أكثر فأكثر
فالرصاصات التي أطلقها رجال الكوماندوز الإسرائيلي أنهت حياة أبو جهاد على الأرض ولكنها أحيته في قلوب ملايين الفلسطينيين وأشعلت الانتفاضة فصنع من الثورة هدفا واقلق الاحتلال وقض مضاجعه فبات ملهما منذ الرصاصة الاولى مرورا بمعركة الكرامة وانتهاء بالانتفاضة الأولى عام 1987.
من وكالة الوطن – غزة