ألصَّحْوَةُ الثقافِيَّة في وادي عارة

تاريخ النشر: 16/04/13 | 3:55

منذُ أكثر من نصف سنة أزور موقع " بقجة " الإلكتروني، موقع كفر قرع ووادي عارة. وقد مَكَّنني الموقع مَشْكورًا الإطِّلاع على الحراك الثقافي في منطقة وادي عارة الجميل وخارجه. وبعد قليل من التفكير قررتُ أن أصبح واحدا من زائري الموقع الدائمين وأحد كتابه إن أمكن. وكانت صلتي ببعض ناس، أبناء وادي عارة محدودة.

الأن أصبحت هذه الصلة أوسع كثيرا وأكسبتني قدرا وافرا من الطُمأنينة الحياتية. وكنتُ منذ السبعينات أدرك ، عن معرفة مباشرة وتجربة، أن كفرقرع، بشكل خاص في حينه، تمتازُ كثيرا بكثرة كوادرها الأكاديمية والمُثقَّفة. وهْوَ ما لاحظته لاحقا في بلدات أم الفحم ومصمص ومعاوية وعارة وعارة وقرى أخرى.

وقد استبشرتُ خيرًا في السنوات الأخيرة، حين لاحظتُ كثرة الفنانين التشكيليين والفنانات في كل بلدات وادي عارة ولاحظت كثرة من يحاولون كتابة الشعر والكتابة الأدبية عامة. إطَّلَعْتُ من خلال موقع بقجة في الأساس على مواهب كتابية واعدة في وادي عارة والقرى القريبة منه. وكُنْتُ دائمًا على قناعة أنَّ أرض هذا الوادي الثقافية غنية بالبذور التي بدأت تطلع من شقوق هذه الأرضِ الجميلة.

أحسب أنني واحد من مثقفي شعبنا البسيطين والمتواضعين بكل معنى الكلمة. وقد اكتسبت قليلا من الخبرة الحياتية في سنوات الدراسة الجامعيَّة والعمل الصحافي ، أوَّلا في جرائد ومجلاّت الحزب الشيوعي وجريدة " فصل المقال " النصراوية التي يصدرها " التَّجَمُّع ". أذكر هذا لأقول بعض ما تعلمته من مفكر شيوعي ألماني قرأت بعض أعماله . كتب مرة أنه لا يؤمن بوجود عباقرة في الحياة. فإن وُجِدوا كانوا قِلَّة في مسار تاريخ إنسانيتنا. هذا القول بات في السنوات الأخيرة منطلقي وأساس تعاملي مع الناس. فأنا اعتدت الحكم، قدر ما تسمح به ذائقتي الأدبية، على ما أقرأُ محاولا تشجيع مجرد الكتابة، واثقًا أن زمنا سيأتي يشهد طفرات رائعة .

سأذكر ثلاثة أمثلة لأوضح رأيي وتفكيري:

أتأمل الوضع في روسيا القيصرية. كانت الأمية في هذا البلد تكاد تصل إلى أكثر من 95 بالمئة. لكن في تلك السنوات ظهر بعض أقوى كتابنا العالميين والموسيقيين والمسرحيين وآخرين، أذكر منهم: تولستوي، غوغول، دوستويفسكي، وتشايكوفسكي.

أعود إلى ما هو أقدم قليلاً.

لنأخذ مثل بريطانيا: في القرون الخامس عشر والسادس عشر والسابع عشر، أي ما قبل الثورتين: الأقتصادية والعلمية

ظهر كتاب ومفكرون قلائل، هم من خيرة ما عرفت إنسانيتنا وكانت بريطانيا تعيش ظروفًا لا تختلف عن وضع جمهورنا العربي الفلسطيني اليوم، أذكر منهم: المسرحي الشاعر شكسبير والمفكر بيكون.

وأذكر فرنسا، المتل الثالث، كانت قبل الثورة في القرن الثامن عشر وما قبل ذلك لا تختلف كثيرا عن بريطانيا وروسيا . لكن تلك السنوات التي سبقت الثورة عرفت مقكرين كباراً وكتابًا، أذكر منهم : فولتير، الأب والإبن ديماس وزولا .

لنكن متواضعين ولكن لنكن طَموحين للتعلم من تجارب الأخرين في عالمنا الواسع والصغير . يجمل بنا أن ننمي مخزوننا الثقافي ، ليس فقط الغرق في موروثنا الثقافي ، بل الإنساني . ولنُعَلِّمِ النفس الباحثة، كيف نطرح أسئلة حياة على أنفسنا ، خاصة فيما يتعلق بالكتابة والتفكير ومعرفة أعمق لهذا الوجود الذي نعيشه .

فالأدب في رأيي، على اختلاف تجلياته ، هو وليد بيئة ووليد أحاسيس، عقل، تجربة حياتية ووليد طموح ذاتي. وهذه ليست صفة بيئة محددة، إنما صفة فرد في الأساس.

قرأت مقالتين للدكتور محمود أبو فنة، عن متعة القراءة والآخر للدكتور حسام مصالحة، عن الصحوة الثقافية. قرأتهما في موقع بقجة أكثر من مرة . أعجبت لمجرد المضمون الذي يتناولانه.

أعتقد أن في وادي عارة عددا من الأكاديميين والأساتذة المثقفين ، يمكن أن يسهموا كثيرا في تشجيع القراءة وتنمية شعور المتعة الذهنية لدى القارىء وتشجيع الحراك الثقافي والحوار المثمر، بعيداً عن الشكليات وعن المديح الزائد والذي لا فائدة ترجى منه وعن المكابرة الفارغة، وذلك للنهوض الحقيقي بهذ الحراك .

حين أستعرض الصحوة الثقافية، التي يتحدث عنها الدكتور مصالحة، يغمرني فرح خاص في هذا " الزمن البهيم " حقا، فالصحوة الثقافية هي ما تحتاجه مجتمعاتنا في المثلث عامة وفي الجليل وغير ذلك من مجتمعات هذا الوطن المحاصر، أرجو أن نشجع ونحترم كل من يبذل جهدا للكتابة والتفكير، فهذا شرط الصحوة الحقيقية الآتية في غد قريب .

‫3 تعليقات

  1. أحيّي من القلب الصديق الأديب إبراهيم مالك على ما طرحه من أفكار، وعلى ثقته بأبناء شعبنا – في كفر قرع والمثلث وغير المثلث – وقدرتهم على الإبداع والعطاء. نحن نعتزّ بكلّ مبدعينا الأحرار المتنوّرين، ونثمّن غاليًا جهود الصديق إبراهيم مالك في هذا الحراك الثقافيّ المبارك.

  2. عزيزي أبا مالك

    شكرا لك على مقالتك وردود فعلك الايجابية على “الصحوة الفكرية” التي تشهدها منطقتنا في السنين الاخيرة. شكرا لأن موقفك وأفكارك بهذا الخصوص جاءت موضحة وآمل ان تكون أيضا ملهمة لكتابنا، شعرائنا ومفكرينا.

    لقد أعطيت ثلاثة امثلة على شعراء اوروبيين ظهروا في محيطات ثقافية “غير ملائمة”، ليشتهروا ليس فقط في “محيطهم” وانما عالميا، ذلك لأن ما كتبوه “تحدث” للانسانية جمعاء وليس لامة دون أخرى. استغربت جدا انك لم تأت على ذكر بريخت، كمثال مضاد، أحدث “ثورة” في عالم الشعر الالماني، وهو لا زال شابا، في بداية الطريق، دون ان يتسلح بأي شهادة جامعية أو أي لقب آخر، متسلحا، بأحاسيسه، عقله، وطموحه الذاتي.

    أعجبني أيضا ما أوردته بخصوص “العباقرة” وندرتهم، وأننا لسنا بصدد البحث عن عبقري ولا يجب ان نشترط “العبقرية” بكل من تراوده نفسه للكتابة. نعم نحن مع الطموح، ونشجع كل ادبائنا على الابداع والتميز، ولكن ليس من اجل ان يبرهنوا لنا على عبقريتهم. انما، وهذا هو الهدف، كما ذكرت، ليوفروا لنا انتاجا جميلا، تستسيغه نفوسنا، يلائم ذوقنا، نتمتع بقراءته أو بسماعه، يحرك مشاعرنا ويشحذ هممنا ويقوي لدينا الشعور بانتمائنا الانساني.

    أدعم أيضا موقفك المشجع “لمجرد الكتابة” لأنه موقف سليم ولأنه شرط أساسي للطفرة التي نتمناها كمّا وكيفا، كيفا وكمّا. وأنا مثلك لا اعارض “كثرة” الشعراء والادباء، بل بالعكس، اشجعها، فالغابة بنظري أجمل من أي شجرة منفردة فيها. وان توجس بعضنا دنو المستوى، فهو أيضا لا يخيفني، لأن الاضداد، حين تجتمع، يبرز كل منها، صفات الآخر.

    على أمل أن تستمر الصحوة، وتستمر القراءة وتزداد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة