تعزية ضاعت هباء

تاريخ النشر: 16/04/13 | 14:56

سيل التعازي والتنديد الذي فتحته الدول العربية والاسلامية قاطبة بعد تفجيري بوسطن الارهابيين، ينم عن قدر كبير من الجهل وقدر اكبر من الخبث والنفاق، لم تعد اميركا تتوقعه، ولم يعد شعبها يترقبه.. كما هو يعبر عن شعور ضمني بالذنب فات اوانه،ولا يمكن ان يثير غير السخرية، حتى من جانب التنظيم العربي والاسلامي الذي وجهت اليه فورا اصابع الاتهام الاولى، من دون اي سند او دليل.

طلب مرضاة اميركا صار هدرا للسمعة وعيبا في السياسة. العواصم التي سارعت الى التنديد والتعزية كانت تود ان تنكر سلفا مسؤوليتها عن التفجيرين الصغيرين، اللذين لا يمكن مقارنتهما باي من الاعمال الخالدة لتنظيم القاعدة، وذلك استنادا الى الاعلام الاميركي والمسؤولين الاميركيين الذين استفاضوا في الشرح والتمييز بين بدائية العبوتين المستخدمتين، لكي يستبعدوا شبهة الارهاب الدولي، ويسيروا بالتحقيق نحو الارهاب الاميركي المحلي الذي لا يقل ضراوة ودموية.

كانت هذه العواصم تنشد التعبير عن رفعة قيمها الانسانية ومعاييرها الاخلاقية، وهو ما لا يمكن ان ينطلي على احد، لا في اميركا ولا خارجها، حيث يسقط مدنيون ابرياء باعداد تفوق باضعاف عدد الذين سقطوا في بوسطن. والمثال السوري والعراقي حاضر جاهز، وسجل الموتى الذي يضاف اليه العشرات من الاسماء كل يوم، هو اختبار دائم لتلك القيم والمعايير.

التفجيران بشعان ومستنكران طبعا، لانهما استهدفا مدنيين، او بالتحديد رياضيين وصلوا الى خط النهاية من سباق الماراتون التقليدي في المدينة الاميركية العريقة. لكنها لم تكن الجريمة الابشع في اميركا في الاعوام او حتى الشهور الماضية، ولا كانت حصيلتها البشرية اقرب الى حصيلة المذابح التي ارتكبت في المدارس الاميركية مؤخرا. وجه الغرابة فيها انها لم تنفذ عند خط البداية حيث كان يتجمع عشرات الالاف من المشاركين في ماراتون بوسطن. وهو تفصيل لا يمكن ان يغيب عن بال اي ارهابي او حتى مجرم محترف، سواء كان اميركيا او عربيا او مسلما.

صحيح ان بعض الاصوات الاميركية الفاشية القت الملامة على العرب والمسلمين بشكل اعتباطي، لكن الخطاب العام سواء الذي ضبطه الرئيس باراك اوباما والتزمه الاعلام والشارع، هو التسليم بالعمل الارهابي والاقرار بانه ليس لدى احد في اميركا ذرة اشتباه بهوية الفاعل.. في اشارة تستبعد تنظيم القاعدة الذي يعرف الجميع ان مثل هذين التفجيرين لا يشبهانه ولا يليقان بسجله الدموي الحافل، ولا باسلوبه الذي يعتمد في الغالب على عدد من الانتحاريين المكلفين بتمزيق اجساد العشرات واحيانا المئات من الضحايا.

بدا بعض الاميركيين الذين رجحوا احتمال تورط كوريا الشمالية في التفجيرين وكأنهم يمزحون، لكنهم كانوا يفتحون نقاشا حول الاحتمالات، وحول المخاطر التي تشكلها تلك الازمة المتصاعدة في الشرق الاسيوي، في ما يشبه الدعوة الى عدم التورط في نزاع مع نظام مجنون في بيونغ يانغ، يملك الاسلحة النووية ويلوح باستخدامها.

الخطأ العربي والاسلامي في قراءة ذلك الحدث الاميركي، اوقع الجميع في حرج، على الاقل امام حركة طالبان الافغانية التي سارعت الى نفي مسؤوليتها، وضمنا مسؤولية ضيفها تنظيم القاعدة، لكنه حفز المخيلة على انتاج سيناريوهات وهمية، تربط التفجيرين بالمفاوضات الوشيكة بين واشنطن وبين طالبان حول الانسحاب الاميركي من افغانستان المقرر العام المقبل. لكنه ربط يفتقر الى المنطق، ويتناقض مع جدول اعمال تلك الحركة الاسلامية التي يفترض انها تريد تشجيع اميركا على الخروج من العالمين العريي والاسلامي، بدلا من استدعائها او استفزازها من اجل البقاء.

تنظيم القاعدة بريء حتى يثبت العكس. براءته مستمدة من تحوله بعد الربيع العربي من شبكة ارهابية عالمية سرية الى منظمة امنية محلية تنتشر في مختلف البدان العربية والاسلامية،وتتطلع الى الاستيلاء على السلطات والانظمة التي تركها الاميركيون مكشوفة، واختاروا الركض في ماراتون بوسطن..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة