أمة بين خطابين

تاريخ النشر: 09/08/15 | 16:42

في الوقت الذي ننشغل فيه بهوس اليمين الديني المتطرف وبسياسات القتل والحرق والإفساد التي يمارسها على الأرض، وما ترتكبه السلطات الاحتلالية في المسجد الأقصى المبارك، وفي الوقت الذي تمارس إيران -تحت سمع وبصر العرب والمسلمين- سياسات التطهير العرقي الطائفي في سوريا والعراق؛ في هذا الوقت بالذات يطل علينا “نتنياهو” هذا الأسبوع بخطاب وجهه إلى اللوبي الصهيوني وقيادات ديموقراطية للحيلولة دون توقيع اتفاقية السلاح النووي مع إيران، زاعما أن موافقة الكونغرس على هذه الاتفاقية تعني أن المنطقة على شفا حرب.

وعلى النقيض تماما تحدث أول من أمس “أوباما” في خطاب مباشر إلى الأمة الأمريكية قاصدا نوابه الديموقراطيين في الكونغرس للموافقة على اتفاقية “فيينا” النووية، زاعما أن عدم توقيع الاتفاقية سيدفع إلى حرب في المنطقة، مستذكرا ما حلَّ بالجيش الأمريكي في المنطقة، ومنبها إلى أنَّ المتضرر الأكبر سيكون “إسرائيل”.

تحدث المناكفات بين مجموعتين تسعيان إلى قيادة العالم؛ الأولى تتعاطى مع هذا العالم من منطق “معنا أو ضدنا”، وهذه المدرسة اليمينية الجمهورية، تؤمن بضرورة الاستمرار في احتلال منطقتنا بأساليب مختلفة؛ تجمع بين الولاءات الشخصية والسياسية والعشائرية وأساليب القوة والبطش والتنكيل تحت مسمى محاربة الإرهاب (الإرهاب الإسلامي)، وتؤمن بما يسمى الفوضى الخلاقة التي تفضي إلى نظام عالمي جديد يجمع بين المسيانية “البروتستانية” وبين نظريات المخلص، القادمة من تجليات الفكر الكليفاني. إلى جانب ذلك هناك المدرسة العقلانية-الوضعية التي تتعاطى مع الواقع وفقا للمصالح الفورية والبعيدة المدى، وتؤسس لنظرياتها في المنطقة من معطى الأمن القومي الأمريكي الداخلي كأساس للأمن القومي الأمريكي الكوني، وتشكل محاربة الإرهاب -وتحديدا ما يسمونه “الإرهاب الإسلامي”- الأساس الفكري والعقلي والسلوكي\السياسي لهذه السياسات.

نحن اليوم بين عالمين متناحرين في الولايات المتحدة، ويبدو أن “نتنياهو”، بصفته تلميذ المدرسة المسيانية والفوضى الخلاقة، يطمح في حسم الأمر لصالح من يقولون بالحرب على إيران في المنطقة، بحيث تقود هذه الإمبراطورية حربها على إيران، على غرار ما حدث مع العراق.

هذه الحرب التي يهدد “نتنياهو” بشنها على إيران هي شنشنات سمعناها على مدار سنوات خلت، جعلها تفرغ من مضمونها، وهو ما يدعوه اليوم إلى شن حملته الإعلامية على اللوبي الصهيوني المنقسم على نفسه إزاء السياسات الخارجية لـ”أوباما”، ويسعى لإقناع ثلاثة عشرة نائبا ديموقراطيا للتصويت على رفض اتفاقية “فيينا” لحسم فيتو الرئيس، والتي وفقا لسيناريو “أوباما” ستدفع أطرافا أمريكية إلى إعلان الحرب على إيران، لأنها ستستمر في سياساتها النووية، وهو ما تريده تل أبيب وبعض المتنفذين عالميا؛ وعلى رأسهم مجموعة مؤتمر بيلدربيرغ”.

إن أمتنا بين خطابين، كلاهما يبحث عن مصالحه في منطقة باتت تئنّ من طول الشقاق والخلاف والاصطراع المذهبي والطائفي والعرقي.

بين خطابين يبحثان عن موقع جديد تحت شمس منطقتنا العربية والإسلامية؛ كل وفق أدواته وعقليته السياسية والأيديولوجية.

بين خطابين يؤسسان لمرحلة جديدة في منطقتنا تتجلى مكوناتها الأولى في إرهاصات الأحداث الجارية في منطقتنا، بدءًا من أفغانستان ومرورا بتركيا والعراق وسوريا واليمن وانتهاء في فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المبارك.. هكذا تتداخل الأحداث لنحقق فقه المزايلة في فترة أضحت منطقتنا على شفا تغيير إستراتيجي جيو\سياسي جديد.

مركز الدراسات المعاصرة

0391581822015_fa

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة