ما أقبح القحبة حين تحاضر عن العفة
تاريخ النشر: 10/08/15 | 8:34هو مثلٌ عربي صحيح، مشهورٌ ومعروف، يستخدمه العامة والخاصة، ولا يعاب على المثقفين إيراده، ولا على القراء سماعه، فهو يستخدم في استنكار من يدعي الطهر ويدافع عنه، ويهاجم الفساد والانحراف، وينكر الفسوق والفجور، وهو في الرذيلة مستغرق، وفي الدعارة يعمل، وفي النجاسة يعيش ويرتع.
لا نستغرب المثل ولا نعترض عليه، ولا ننكر أنه مثلٌ عربيٌ أصيل رغم أنه يُسفُ في معناه، وينحط في لفظه، إلا أننا نصادف في الحياة الكثير من الحوادث التي تصدقه، والتي تتطابق معه، والتي لا يصلح فيها سواه للتعبير البليغ والوصف الدقيق للحالة.
لكن الغريب المستنكر، والشاذ المستقبح، أن يأتي العدو الصهيوني بهذا المثل، ويستشهد به الإسرائيليون في معرض استنكارهم لغضب الفلسطينيين من أجل قدسهم، وثورتهم نصرةً للأقصى الشريف، ورباطهم في ساحاته، واعتكافهم في حرمه، مستنكرين شكواهم وأنهم يتعرضون على أيدي جنود جيش الاحتلال وعناصر شرطته للضرب والإهانة، ويرفضون ادعاءاتهم بأن المستوطنين وغيرهم من اليهود يدخلون ساحات المسجد الأقصى تحت حماية الجيش ورعايته.
فقد أوردوه اليوم في صفحةٍ رسمية باللغة العربية تديرها الخارجية الإسرائيلية، بنفس النص والكلمات، لكن دفاعاً عن أنفسهم، ودفعاً للتهمة عنهم، وكأنهم هم الأبرياء من الجريمة، والمطهرون من الرجس، والفلسطينيين هم المجرمون المدانون، المعتدون المغتصبون، الذين ظلموا المستوطنين وافتروا عليهم، والذين يهينون جنود الجيش وعتدون عليهم.
الإسرائيليون الكاذبون المدعون المفترون، يدعون أن المصلين في المسجد الأقصى يعتدون على اليهود، وأن الفلسطينيين المتواجدين في باحاته هم الذين يرشقون المؤمنين اليهود بالأحذية والحجارة، وأن المرابطات المسلمات يؤذين مشاعر اليهود بالسب والإهانة، ويتعرضن للجنود بالإهانة والإساءة، ويرددن شعاراتٍ معادية لليهود، ومسيئة إلى معتقداتهم، وأن المسلمين يمنعون اليهود من أداء شعائرهم، والصلاة في أماكنهم المقدسة، والقيام بالطقوس الدينية التزاماً بتعاليم الرب ونصوص التوراة.
كأن اليهود لم يروا حاخاماتهم وهم يفترون على المسلمين ويجردونهم من حقوقهم وتراثهم، أو وهم يحرضون أتباعهم للاعتداء على الفلسطينيين والتعدي على محلاتهم، ولم يسمعوا طلاب مدارسهم الدينية وهم يسبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يروا جموعهم المحتشدة التي تدخل الحرم القدسي من كل أبوابه، وهم يشتمون العرب، ويكيلون إليهم التهم، ويعدونهم بالأسوأ، ويهددونهم بالأخطر، وكل ذلك على مرأى ومسمعٍ من وسائل الإعلام العربية والإسرائيلية والدولية، التي تسجل وتدون، وترصد وتوثق، وهي التي تعرف من المعتدي ومن المعتدى عليه، ومن الذي يحميه جيش الاحتلال ومن الذي يتعرض لبطشه وتنكيله، ومن الذي يعتقل ومن الذين يعتقلون ويدفعون بقسوةٍ إلى سيارات الشرطة والجيش.
ترى … هل يخجل الإسرائيليون من أنفسهم، وهل يستحون من غيرهم، عندما يوردون هذه الصور الكاذبة، ويستعرضون هذه الشواهد المعكوسة، ثم يأتون بهذا المثل الأثيم، أم تراهم يستخفون بعقولنا، ويضحكون على العالم ويهزأون منه، أم أن العالم كله متآمرٌ معهم، ويتفق وإياهم، ويدعمهم ويساندهم، ويؤيدهم ويدافع عنهم.
أما المثل الذي أوردوه فلا أظنه إلا أنه ينطبق عليهم دون غيرهم، ويناسبهم هم لا غيرهم، وكأنه ما وضع إلا من أجلهم، ليكون معبراً عنهم ومصدقاً لحالتهم.
د. مصطفى يوسف اللداوي