نكهة النكبة …
تاريخ النشر: 19/04/13 | 7:50
حتى لو حاولت قوى مختلفة إقليمية وعالمية إضافة نكهاتها وألوانها على القضية الفلسطينية بمراحلها المختلفة، فتبقى نكهة النكبة منفردة بطعم الألم التاريخي، ولأن نكبتنا قد سبقتها نكبات وتبعتها نكبات، فباتت كالبوصلة النقية تغربل بذكراها كل ما لصق بالقضية الفلسطينية من مكائد ومؤامرات، وقد نستوعب أن يرفع العلم الفلسطيني فوق أي نكبة عربية كمنبه وطني، وكون النكبة السورية امتداد طبيعي للنكبة الفلسطينية، ولكن لا يصح أن يرفع علم النظام العربي السوري فوق نكبتنا إلا من خلال استدراج قدري تاريخي ليرفع كشاهد ضمن الأعلام العربية أسوة بالعلم البريطاني والإسرائيلي، تلك الأعلام التي غرزت في سنة 48 في قلب فلسطين لتدمي القضية بالنكبة.
إن مسألة تكرار رفع العلم المختلف عليه سوريا في مناسباتنا الوطنية من قبل زعران يدعون الأدب القومي ليحمل إشارات خطيرة وأسئلة محيرة، فهل النكبة الفلسطينية وليدة الثورة السورية مثلاً؟ وأين غاب هذا العلم ما يزيد عن ستين عام إذا ما سلمنا بفوائده على القضية، وهل جاء رفعه في هذه الظروف المتشابكة ليشكل عاملاً موحداً سورياً أم مقسماً ومشرذما فلسطينيا، وهل جاء ليغطي جرائم نظام السوبر نازي بقطعة قماش مثلما كانت تتستر به عصابة النظام في إذلال الشعب السوري والتآمر القومي على بلاد محيطة في السابق، أم هل جاء ليعلمنا بقعود القاعدة على الحدود دون أن يلحظوا حالة التصفيق لا التكبير المتزامنة على مسرح يجمع بين تصفيق نظام البعث وإسرائيل والغرب وبعض فتات البعث ولهفتهم وحماستهم لقلب المشهد!
قبل أسبوعين وجدت ما أنتقد به الشيخين رائد صلاح وكمال خطيب، وقد أثار المقال جدلاً وحملة انتقادات وبعض المدح الذميم، لكن وبعد تكرار رفع علم النظام السوري في مناسباتنا الوطنية شعرت بالفخر العظيم لهذا الشرف بالنقد لأني على يقين بأنه باستطاعة الشيخ رائد جمع خمسين ألف مشارك ليرفعوا علم الشعب السوري الحر، لكن الشيخ يعزف عن هذا المنحدر بعكس عزف بعض دعاة القومية المتراقص، لأن أي علم كان سينتقص من قيمته إذا ما رفع دون ضريبة داخل حدود قوانين دولة إسرائيل، ولأن رفع أي علم يعني انتقاصاً لمسيرة الأرض والعودة، ولكني أدعو من هذا المنبر كل القوى الإسلامية والقومية الفاعلة لأن يسلموا بهذا العلم إذا ما جاء بصناعة حقيقية بعثية ليأتي متناغماً مع الحاصل وليأتي بشكل كفن يلف به أجساد القتلى الفلسطينيين داخل مخيمات الشتات ضحايا الإجرام البعثي، فلعلنا حينها قد نقبل به ضمن مساومات حق عودة الأموات! ولعلنا نعطي حينها تفسيراً حقيقياً يربط حزب البعث السوري بمصطلح بعث الآلام.
إن المطلع على واقعنا كأقلية فلسطينية يشهد بالتراجع الوطني وبانسلاخ كم هائل من الشباب عن انتمائهم الوطني، وإن أي عاقل لا بد وأن يسعى لإنقاذ الواقع ضمن سلسلة التصاق والتقاء هؤلاء الشباب بتاريخ النكبة الحاضرة الغائبة! ولا أعتقد أن تلك المجموعة البعثية العبثية في الداخل ذات الأعلام الغريبة والخطاب الغريب قد تقرب المسافات بل بالعكس، وعليه فإن تصرفهم هذا يأتي متطابقاً مع تصرفات نظامهم الذي لا يضيره هدم كل الثوابت الوطنية والإنسانية مقابل علم تبرأ منه الشعب، وعليه فلا يمكن أن يستمر الصمت على عملية التخريب الوطني والتاريخي الذي ينتهجها هؤلاء تحت خدمة العلم لثوابتنا والتقليل من قدسية النكبة كذكرى محركة للأجيال، وعليه فإن ادعى هؤلاء بأن هنالك من يدخل سوريا لإنزال العلم السوري ضمن "مؤامرة" فادعوهم للنضال لا للجهاد بأن يدخلوا الأرض السورية لرفعه هناك، فلعلهم يصطدمون بحقيقتهم أو بحقيقة علمهم هناك، لكن بوادر التشكيك بدأت تظهر للعيان إذ أنك تستطيع أن تؤمن بأي علم تراه ولكن عملية رفعه إن كان علما للنظام أو للشعب الحر أو أي علم آخر قد يغرق واقع قضيتنا بالتبهيت والانقسام، وهنا أكاد أجزم أن من بين الفريقين من يتلقى أموالاً خارجية متعددة الاتجاهات، ولكنها مشتركة بتوفير الأمان بعد الأموال إسرائيلياً! لأن حملة التنديد والاستنكار الشعبي بأحداث التعدي على يوم الأرض وعملية الإصرار على تكرار الحدث على مسيرة العودة ولو بشكل ضئيل إنما تحمل إشارة أمنية خطيرة بما تشكل به خطراً حقيقياً على مجمل ما تبقى لنا من نكبتنا، وكأنها دعوة لاستفزاز الطرف الآخر لحمل إعلام متصارعة تهيئ للحظة الصراع الحقيقي الجسدي ليستفيد من تلك الحالة ذات الهالة الإعلامية إسرائيل وقبل إسرائيل نظام الأسد، أما القضية الفلسطينية فستبقى في ظل هذه المخططات يتيمة كما كانت على موائد اللئام في الداخل والخارج، لأننا لو فصلنا المشاحنات على القضية السورية وتفرغنا برؤيتنا المشتركة لقضايا مجتمعاتنا السياسية والاقتصادية والوطنية فسنشعر بضيق الحلول للواقع، لكن الظاهر أن هناك من يريد أن يشغلنا ويكرسنا كمادة يستفيد منها نظام دموي رابض على قضيتنا بادعاء القضية! فهل دعوة العلم الحقيقية لتقسيم مناسباتنا في ذكرى الأرض والنكبة وليتم الحلم الأسدي بأن الانقسام السوري يعني الانقسام العربي بإبعاد تقسيم ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني كحالة انقسام فكري يجمع ذكرى شتات لا زال قائماً في مختلف بقاع المعمورة وليتم بعدها سرقة الذاكرة من أجيالنا وليتم مشروع إسرائيل في ما تبقى لنا من قطع أرض!
وأخيراً فلا بد من الإشارة لجملة تعلمتها من أبي رحمه الله أن التطرف بأي موضوع أو قضية بحد ذاته قد يقود إلى الخيانة بكل مسمياتها الوطنية والفكرية، وهذه الفكرة قد تكون بوصلة لعامة الناس للفصل والحكم بأي ظاهرة تكثر فيها المبالغة وتقل فيها العقلانية، فأيها خطاب مذهبي مشحون أو سلوك قومجي مشبوه، اعلموا أن من تحته جهل أو أمولاً سرية رخيصة جاءت للنيل من وحدتكم ومن ثوابتكم ولتزيد تخبطكم وإحباطكم، وجاءت قبل ذلك كله لتغيير نكهة النكبة.