هل بدأ الربيع الأوروبي بالربيع الإيطالي ..!
تاريخ النشر: 19/04/13 | 23:42تبدو إيطاليا اليوم منقسمة على نفسها بصورة لم يسبق لها مثيل في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، فقد اشتهرت ايطاليا بأنها تمتلك واحدة من أكثر الطبقات السياسية الأوروبية حيوية و تحركا ، كما أنها كانت دائما قادرة على الخروج من الأزمات عبر تحالفات بين أحزاب يسار الوسط أو يمين الوسط مع رابطة الشمال التي يرأسها السياسي المغامر بوسي والتي كانت تطالب لفترة طويلة بالانفصال في الشمال وإنشاء دولة بادانيا ثم تنازل إلى حدود الحكم الذاتي غير أن ذلك بالطبع لم يكن ممكنا في أجواء الإتحاد الأوروبي الذي لن يسمح بمثل ذلك الانفصال.
اليوم المشهد السياسي تغير كثيرا ، فقد تشكل أحزاب جديدة في العقدين الأخيرين و بعد انهيار الإتحاد السوفيتي أحزاب جديدة كالتيار السياسي الذي أنشأه رجل الأعمال الملياردير سيلفيو بيرلوسكوني و الذي غير اسم حزبه مرتين في خلال تلك الفترة غير أنه تمكن من حكم ايطاليا مجبرا أحزابا تاريخية على الانحسار كالحزب الديمقراطي المسيحي بقياداته التاريخية و الحزب الشيوعي بقياداته التاريخية أيضا ، غير أن ذاك الحزبين بالإضافة إلى أحزاب أخرى كثيرة جدا كانت قد تمت تصفيتها و تغيير أسمائها و برامجها و قياداتها على أثر عملية مابات يعرف بالأيدي النظيفة أو " Le mani Pulite " والتي قادها القاضي دي بيترو والذي أودع سياسيين كثيرين السجن و طارد كراكسي و هو سكرتير الحزب الاشتراكي و أشهر رئيس وزراء لإيطاليا في تلك الحقبة و الذي فر من ايطاليا و مات في تونس بعد ذلك .
القاضي دي بييترو هذا بعد أن اشتهر بسبب القضية التي حقق فيها و التي أودع بموجبها كثير من السياسيين الإيطاليين السجن أسس حزب سياسيا بدوره و دخل معترك العمل السياسي و كان في البرلمان إلا أن سمعته لم تعد نظيفة بعد أن نشر الإعلام أخبارا عن فساد مالي قام به هو وحزبه و في الانتخابات الأخيرة لم يحصل على الحد الأدنى من الأصوات الذي يؤهله على الحصول على أي شيء في مجلسي النواب والشيوخ مما دفعه لحل الحزب و هو يفكر في إنشاء حزب أخر .
الانتخابات الأخيرة في ايطاليا و التي مضى عليها أكثر من شهرين أفرزت حزبا قويا جديدا هو M5S أو حركة الخمس نجوم والتي يتزعمها الممثل الكوميدي الساخر " Beppe Grillo " و هو واحد من أشهر الممثليين في ايطاليا ، و قد تمكن أمام أعين السياسيين الإيطاليين الذين كانوا يهزؤون به من تحقيق انتصار كبير في الإنتخبات التشريعية الأخيرة و حصل على 162 مقعدا في مجلسي النواب والشيوخ مما جعله قوة سياسية ذات تأثير كبير جدا في المشهد السياسي المحلي .
و إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الخلافات الحادة التي تفرق بين يسار الوسط و اليمين الإيطالي و القوة الجديدة الصاعدة لحركة Beppe Grillo فإن أحدا ما لا يستطيع فهم كيف يمكن أن تدار السياسة الإيطالية ، محاولات انتخاب رئيس جديد للجمهورية أسفرت عن انهيار قيادات حزب يسار الوسط الأكبر مما دفع رئيس الجمهورية المنتهية ولايته إلى ترشيح نفسه لاحتواء الأزمة رغم أنه يبلغ من العمر 78 عاما و قد حصل على عدد كبير من الأصوات و بالتالي صار الرئيس الإيطالي الأول في تاريخ الجمهورية الذي يفوز بولايتين .
إلى هنا و المشهد يمكن فهمه إلى حد ما ، غير أن تنادي أحزاب و حركات سياسية إلى القيام بتظاهرات واعتصام و احتجاجات على ما جرى و يجري بل و تأكيد حرة M%S على أن ماحصل ليس إلا انقلاب عسكري وان الإيطاليين لن يقبلوا به يجعل من احتماليات وقوع ايطاليا في أزمة سياسية قد تقوض السلم الأهلي و قد تدفع إلى الفوضى و ربما إلى ربيع ايطالي تقام فيه الإعتصامات والتظاهرات والمطالبة بإسقاط النظام .
صحيح أن الديمقراطية راسخة في ايطاليا و بقوة غير أن المشهد السياسي يوحي بأن هناك أيدي خفية تلعب من وراء ستار و أن هناك نوايا لقوى خارجية بتقويض النظام في ايطاليا و ربما إشعال فتيل ربيع أوروبي كالربيع العربي الذي ابتدأ بتونس قبل سنتين و نيف و ما يزال مشتعلا بعد أن أطاح بأربعة رؤساء و الباقي على الطريق ، ربما تنزلق ايطاليا إلى هاوية العنف السياسي و من ثم التردي الأمني رغم أنها تمتلك جيشا مهنيا بعيدا عن السياسة و أجهزة أمنية قوية ، غير أن تصريحات السفير الأمريكي في روما والتي أزعجت السياسيين الإيطاليين كثيرا و اعتبروها تدخلا في الشأن السياسي الإيطالي تشير إلى أن قوى خارجية ربما تسعى إلى توظيف بعض التيارات السياسية الإيطالية لزعزعة النظام السياسي الإيطالي أو ربما تدميره تماما .
هل هي بداية ربيع أوروبي ؟
هذا ما ستطلعنا عليه الأيام القادمة