المرأة بين تحديات الواقع والضوابط الشرعية
تاريخ النشر: 24/08/15 | 9:09أنصف الإسلام المرأة بعد أن قضت أزمنة في الظلم والجهل، وجعل لها الدور الأصيل في بناء المجتمع على جميع الأصعدة كما أباح لها العمل خارج بيتها ضمن الضوابط الشرعية، وما كانت تلك الضوابط إلا صونا لذاتها ودفاعا عن حقوقها، وليست مانعا البتة لتقدم المرأة في مجتمعها، بل جاءت لتحقق مقاصد الشريعة في بناء مجتمع مسلم سليم من المفاسد والانحرافات.
من هذه الضوابط الشرعية التي بيّنها الشرع الحنيف لعمل المرأة خارج البيت على اختلاف أنواعه:
1. أن يكون العمل مشروعا. فلا يصح لها العمل في بيع الخمر مثلا، ولو كان الكسب من هذا العمل مصدر رزق لها.
2. أن لا تخالط الرجال بعملها، فمن تيسر لها عمل ليس فيه مثل هذا المحظور فليس لها أن تعمل عملا محظورا.
3. أن لا تخرج للعمل إلا بإذن زوجها أو من له حق الولاية عليها شرعا.
4. أن لا تختلي بالرجال أثناء عملها.
5. أن يكون العمل موافقا لطبيعتها الأنثوية ورفعة شأنها، فقد كرمها الإسلام وما أراد لها إلا ما يلائم تكوينها الفطري من العمل. فلا يناسبها العمل في البناء مثلا، أو العمل في تنظيف الطرقات وغيرها من الأعمال التي لا تليق بمقامها.
وذلك لما يترتب على كل ذلك من مفسدة محققة يجب درؤها عملا بالقاعدة الفقهية: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
تواجه المرأة صعوبات جمة في مواكبة الحاضر في ظل معترك الحياة مقارنة مع متطلبات الشريعة الإسلامية، ما يوقعها في حرج في كيفية التعامل مع الأعراف والعادات إذا تعارضت مع الثابت بدليل قطعي من أحكام الشرع الحنيف؛ فما العمل تجاه هذه الصعوبات وكيف تتعامل مع هذا التعارض؟!
لا شك أن ما ثبت بالدليل القطعي يقدم على ما ثبت بالعرف والعادة، وهو الدليل التبعي. يقول النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح الذي رواه الإمامين البخاري ومسلم: “ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم”.
– لذلك خروجا من دائرة الإثم وتحديا للأعراف الفاسدة التي لا اعتبار لها شرعا، على المرأة أن لا تشارك في المناسبات الاجتماعية التي يلابسها الحرام، كظاهرة الأعراس والأفراح والليالي المِلاح التي يختلط فيها الحابل بالنابل ويشتد فيها الوطيس بسبب اختلاط الرجال بالنساء، واستعمال آلات الموسيقى المحرمة شرعا.
فليس من الضرورة مسايرة المجتمع بأعرافه الفاسدة المستوردة والتخلي عن الضوابط الشرعية لإرضاء العباد على حساب رضا رب العباد. فلا حجة للمرأة في أن تجعل الواقع ومتطلباته يفرض نفسه عليها؛ بل عليها تحكيم شرع الله في أمور الحياة كلها حتى تنجو في الدنيا والآخرة. يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (النساء: 65).
إن الصحابيات الكريمات شاركن في عهد النبوة في العمل في موكب الدعوة، وفي كثير من المناسبات الاجتماعية ضمن الضوابط الشرعية وتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم دون أدنى حرج، ولنا فيهن المثل الأعلى من رعيل التابعين وتابعيهم إلى يومنا هذا.. من ذلك مشاركتهن في احتفالات الأعراس، روي أنه لما عرس أبو أسيد الساعدي دعا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فما صنع لهم طعاما ولا قربه إليهم إلا زوجته أم أسيد. كما وشاركت المرأة سابقا في احتفالات العيد وجميع أنواع النشاط الاجتماعي الذي كان يؤديه الرجال، وزادت عليهم بالتمريض، وهذا كله ضمن الضوابط الشرعية من عدم مخالطة الرجال والتجمل واستعمال الروائح المعطرة حال الخروج.
– كما تواجه المرأة المسلمة تحديا آخر في مسألة اللباس الشرعي الذي لابسته كثير من وسائل الزينة المخالفة للشرع الحنيف، وأصبح أدنى مما يعرّف “بالشرعنة”، وليس شرعيا، تكاد تقف مذهولة أمام ذلك اللباس فلا تجده يوافق الضوابط الشرعية بأكملها إلا نادرا.. فمع صعوبة الاختيار واجبها الشرعي أن تنتقي الأنسب لدينها وتجتنب عولمة اللباس.
– قد يقع بعض التصادم بين المرأة وزوجها أو مع أحد محارمها، إذا كان الزوج متهاونا في أصول الدين ومَن على شاكلته، فليس من الضرورة أن تخلع المرأة لباس الحشمة وتتخلى عن آدابها الإسلامية وعقيدتها وتتحلى بالسفور لتنال رضا وإعجاب زوجها وغيره. ورد في الحديث الصحيح: “لا طاعة لبشر في معصية الله إنما الطاعة بالمعروف”.
ولا جَرَمَ أن مواجهة وقائع الحياة ليس بالأمر الهين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “يأتي زمان على الناس الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر”. فالثبات على الحق من أعظم الجهاد في ظل تحديات مظاهر الحياة ومفاتنها.
تلك المرأة التقية النقية الصحابية الفاضلة أسماء بنت أبي بكر مثال للحث على الصبر وتحدي مغريات الحياة. فقد روي أن ابنها عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أرسل إليها أن الناس قد انفضوا عني وقد دعاني هؤلاء إلى الأمان (إشارة إلى الحجاج السفاح وأعوانه)، فقالت قولة الواثقة بدينها القابضة بسنة النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم: “يا بني إن كنت خرجت لإحياء كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فمت على الحق، وإن خرجت في طلب الدنيا فلا خير فيك حيا ولا ميتا”. “يا أماه أخاف إن قتلني أهل الشام أن يصلبوني ويمثلوا بي”، قال عبد الله، قالت: إن الشاة لا يضرها السلخ بعد الذبح، امض على بصيرتك واستعن بالله”. فقبل رأسها وقال: “والذي قمت به داعيا إلى يومي هذا ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها، وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله أن تستحلَّ حرماته….”.
وتلك المجاهدة التي تركت الدنيا بأهوائها، بلدها وأهلها وهاجرت حفاظا على دينها واحتملت الغربة ومشاقها في سبيل الله عز وجل، إنها الشهيدة البطلة بنان الطنطاوي رحمها الله وأجزل ثوابها.