أحوال الصالحين في الصيف

تاريخ النشر: 17/08/15 | 14:33

لقد مرت بنا قبل أيام موجة من الحر الشديد، اشتكى فيها الناس ولم يطيقوا الجلوس في بيوتهم أو العمل دون استعمال المراوح والمكيفات، حتى إن شركة الكهرباء أصدرت تقريرًا أظهرت من خلاله أن استعمال المواطنين للكهرباء بلغ الذروة.
ولكن صاحب القرآن يختلف عن غيره من الناس؛ فإن له في كل موقف عبرة ودرسا، يتذكر من خلاله لقاء الله سبحانه وتعالى، وإنها رسالة مؤسسة “حراء” إلى مربيها ومندوبيها وطلابها أن نتذكر في مثل هذا الحر الشديد الاستعاذة بالله من حر جهنم، وأن يكون لسان حالنا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: “اللهم أجرنا من النار”، والذي كان يكرره يوميًا سبع مرات عقب صلاة الفجر وصلاة المغرب. فإن الليل والنهار وكذا الصيف والشتاء، والبرد والحر كل ذلك من آيات الله تعالى التي ينبغي التفكر فيها وأخذ العظة والعبرة منها، كما قال الله تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَار) (النور:44)، وقال جلّ شأنه: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان:62).
قال بعض السلف: من عجز بالليل كان له في أول النهار مستعتب (أي فرصة للاعتذار والاستغفار)، ومن عجز عن النهار كان له في الليل مستعتب.
وحين يقبل الصيف بحره وقيظه يتذكر العبد المؤمن أمورًا مهمة منها: أن أشد ما يجد من الحر إنما هو مما أذن الله فيه لجهنم، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: “اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب أكل بعضي بعضًا، فأذن لها بنَفَسَين؛ نَفَس في الشتاء ونَفَس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم” (متفق عليه)، فعند اشتداد الحر يتذكر المسلم النار وحرها فيستعيذ بالله منها، وإذا رأى من نفسه فرارًا من حر الدنيا بسفر إلى الأماكن الباردة أو المعتدلة، أو بالتبرد بالماء والتكييف وغيرها من الوسائل، فليسأل نفسه: إذا كان هناك مهرب من حر الدنيا فأين المهرب من حر الآخرة وهو أشد؟! وإذا كنا لا نحتمل نار الدنيا، فما الشأن في نار الآخرة؟!
وقد كانت قلوب السلف الصالح رحمهم الله حية فكل ما يرونه ويشاهدونه في الدنيا يذكرهم بالآخرة.. ومن ذلك أن بعض السلف كان إذا شرب الماء البارد في الصيف بكى وتذكر أمنية أهل النار حينما يشتهون الماء، فيحال بينهم وبينه، ويقولون لأهل الجنة: (أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّه) (الأعراف:50).
كما كان الواحد منهم إذا دخل الحمام في الصيف وشعر بحر المكان تذكر النار، وتذكر يوم تطبق النار على من فيها وتوصد عليهم، ويقال لهم: خلود فلا موت، فيدفعه هذا الشعور إلى مزيد من العمل والتعبد لعله ينجو. ومن ذلك أيضًا، أن بعض الصالحين صُبَّ على رأسه ماء حار، فبكى وقال: ذكرت قوله تعالى: (يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ) (الحج: 29). فلا إله إلا الله ما أشد تذكرهم.. وما أعظم اعتبارهم!!
وكان بعضهم إذا رجع من الجمعة في حرّ الظهيرة، يذكر انصراف الناس من موقف الحساب إلى الجنة أو النار، فإن الساعة تقوم يوم الجمعة.
ومن ذلك أيضًا حرصهم على الصيام في الصيف لعظيم ثوابه، ولهذا كان معاذ بن جبل وغيره من السلف -رضي الله عنهم- يتأسف عند موته على ظمأ الهواجر.. وقد كان بعض الصالحين يحرص على صيام أشد أيام الصيف حرًا، فيقال له في ذلك، فيقول: إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد.
إن الناظر في أحوال الناس اليوم يجد تفاوتًا كبيرًا وبونًا واسعًا بين ما هم عليه وبين ما كان عليه السلف، ففي حين كان حال السلف ما أشرنا إليه سابقا نجد بعض الناس حين يفر من حر الدنيا بالسفر إلى بلاد باردة؛ يظن أنه بسفره للخارج قد خرج عن مراقبة الله.. فتراه يقتحم النار بأفعاله، نظر محرّم.. سماع محرّم.. مراقص، مشروبات محرّمة.. فواحش ـ والعياذ بالله… فإلى أولئك الفارين من الحر، والواقعين في أسباب غضب الرب جل جلاله يقال لهم: إلى أين تفرون؟ ومن أي شيء تهربون؟ وأين أنتم من قول تعالى: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) (التوبة:81).
وهلا تذكرنا يوما كان مقداره خمسين ألف سنة يشتد على الناس فيه الكرب والهول، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين حال الناس في هذا اليوم فقال: “تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق، حتى تكون منهم كمقدار ميل؛ فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجامًا”.

مؤسسة “حراء” لتحفيظ وتعليم القرآن

Untitled-1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة