عرب الصين

تاريخ النشر: 27/04/13 | 8:20

لو دققنا ملياً بواقع اقتصادنا وتجارتنا وما تحويه من صناعة ومواد لاختلفت تسميتنا من "عرب إسرائيل إلى عرب الصين"، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وقد لا تنغص هذه الصناعات حياتنا الاقتصادية وتستنزفها بقدر حالات الخداع والفساد الذي يحول هذه البضاعات المختلفة من خامة صينية تافهة إلى خامة ألمانية أو أمريكية غالية الأثمان، خاصة وأن النظام الاقتصادي الإسرائيلي قائم على حماية وتحصين رأس المال بأشكال سياسية وقانونية وثغرات يستطيعون من خلالها العبث بالاقتصاد إلى حد الجشع والافتراس، أما الفساد العام فلا ينحصر على هذه المقدمة، إذ بات الفساد يخيم بظلاله على كل مؤسسات الدولة بجميعها وليس بأغلبيتها فقط، ولو أن هنالك منطق يستند إليه الحق لكتبنا مجلدات تفصيلية عن تجاوزات خطيرة في شركات كبيرة ومؤسسات ثقافية وطبية وقانونية ايضاً.

لكن هذا الفساد لا بد أن يحمل انعكاسات اجتماعية ليولد فساداً أصغر متنوع، لكنه بلون واحد يشير إلى سوداوية مستقبل المجتمع والدولة معاً، لأن الفساد العام سيحمل نتائج في النهاية تتعلق بحتمية من يتبنى الفساد الاقتصادي كمفهوم أدى لانهيارات أمم تاريخية عظيمة، لذا فوجب على أي إدارة دولة حكيمة أن تشفي اقتصادها باقتلاع الفساد، بأن تلاحق الخلل اللا متناهي والمستشري برأس المال الهدام والذي يظن البعض أنه ركيزة اقتصاد ونمو، لكن الواقع السياسي الذي يعيش في هذا المناخ الملوث اقتصادياً وأخلاقياً لا بد وأن يفرز كساد وفساد سياسي برموز ضعيفة لا تتعدى نظرتها لأبعد من جدول الضرب، فها هو لبيد يطل علينا من بوابة بيته الكهربائية ومن باب حقده الأيديولوجي على المتدينين اليهود وكرهه الوطني للمواطنين العرب، لنراه يتخبط بحلول أشبه بالوحل وبحسابات أبسط من أن تدرس في الصفوف الإعدادية، لأن الرجل يظن أنه ينطلق من بوتقة اقتصادية لا غير فيجمع ويطرح دون أن يلحظ نسيانه لخلط العديد من الأمور في معادلته ليربط أرقامه بالسياسة وأمن وسلامة المجتمعات، لنراه يتعرض للأرقام البسيطة حيث الأرقام الكبيرة صعبة على تحصيله كونه حديث العهد والتجربة، وكون الأسلم لنظام رأسمالي همجي أن يتعاضد مع الفساد الفوقي ذو السلطة والنفوذ، ولا ضير أو ضرار بالانقضاض على البسطاء والتضييق والتنغيص عليهم، ليجعل من سطوته العليا شبحاً يطارد حياة وأحلام الفقراء المنقضية، ويكفي أن نقول أن التسبب في نسبة ضئيلة من مستوى الفقر قادرة على رفع منسوب الجريمة وخرق القانون بأضعاف مضاعفة، فمن سيدفع ضرائب هذا السلوك المخلوق باختلاق وهن الحل، أليست الدولة والمجتمع؟ أم أنه سينتظر أن يخصص ميزانيات أعلى لأجهزة الأمن للدفاع عن آثار قراره الضعيف بالتعرض لمخصصات ضمان الدخل وتأمين الأولاد والإعاقة والشيخوخة ليضع العسل في وكر الأفعى، ليدفع جماهير فلسطينية في الداخل إلى دخول تلك الأوكار لأننا كأقلية عربية ينقصنا الكثير من الحقوق المجتمعية البسيطة في دولة القرن الواحد والعشرين كمناطق صناعية مضمونة قانونياً ومحصنة من الانتهاكات في الداخل العربي الرأسمالي أيضاً لتتوفر لدينا مئات فرص العمل المحترم، وليس كالحاصل اليوم بأن حياة العامل العربي تشبه حياة العبد الذي يصحو لخدمة سيده من ساعات الفجر الأولى حتى مغيب الشمس، والفارق أن العبد يحظى بكسرة خبز لكن العامل العربي يحظى بمزيد من الديون والقهر، وقد لا أجد مثالاً أكبر من أن العامل العربي تتلائم ظروفه باستخدام حاجاته من الصين رغم أن الرأس مال الإسرائيلي قد زاده تخبطاً عندما زور أوراقاً حكومية ليجعلها بفعل السحر السياسي والقانوني حاجات وخامات أوروبية من حيث الأسعار فقط!

أما الأدهى أن هنالك من الأصوات داخلنا والتي تعيش فوق آلام المجتمع ممن تتغنى بالنهضات الاقتصادية في الوسط العربي، ولو دققنا في الأمر لرأيناها في حقيقتها نهضة رأسمالية لا تختلف عن الموجود في هذه الدولة، بل إنها مرتبطة بالمصالح والأهداف، لنراها نهضة تنهب الحقوق العمالية وتستغل عمل المرأة بأبشع الصور، وهناك من بيننا من يتثقل بأعداد العاطلين عن العمل وكأنه يدفع من جيوب أمه وأبيه، رغم أننا لو أضفنا دخلاً آخر للعاطل فلن يصل أبداً إلى خط الفقر الأحمر.

أما الأغرب في الموضوع، فهو أننا نعيش في مناخ تجاري وصناعي صيني، في حين أن القانون ورجال السياسة الراعين لهذا المناخ إسرائيليين، فلمَ لا نحظى بكل المناخ لنستورد الدستور الصيني وساسة ووزراء صينيين لعل المعادلة تترتب بأصول صينية إن لم يضبط هذا الخلل والفساد بضوابط عربية أو إسرائيلية، لأن الإصلاح الاقتصادي الحقيقي يتطلب التصادم مع بؤر الفساد المحصنة، والتي سرقت الهواء والماء والغذاء والدواء، تلك البؤر من الأبيار الجافة إلا من الحقد على الفقراء لا ترتوي مهما أنزلت من غيث السماء، بل نراهم يرفعون سعر المياه كلما زاد منسوب الأمطار، ويرفعون أسعار البنزين والكهرباء والغاز، في وقتٍ يتفاخرون به بانجازات تنقيب خيرات الأراضي والبحار.

وأخيراً، فلا يجب أن نهمل جوانب الاهمال والتقصير بجماهير الفقراء، والتي استعصت عن الصراخ في أوقات يتمدد الألم ليصيب جسد كامل المجتمعات العربية، لنرى عربنا يثورون ثورة عكسية سلبية، يقلدون فيها حياة الأغنياء من تبذير وإهدار في مناسبات وغير مناسبات، ويجب أن يبني المجتمع معادلة اقتصادية وسياسية ونضالية تتفوق على معادلات يئير لبيد، فإذا كان مستواه في بناء المعادلات لا يضاهي مدرس مرحلة إعدادية، فلا يجب أن تكونوا أنتم تلاميذه الإعداديين، بل عليكم بناء معادلة لأنكم لستم بنظر لبيد حتى عرب إسرائيل، وكذلك لستم عرب الصين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة