حسن الظن بالناس سكينة
تاريخ النشر: 25/08/15 | 16:40ذلك الخلق الرائع قد ندب الإسلام أهله إلى التخلق به فيما بينهم فبه تقوى الروابط بين المسلمين وتشتد أواصر تآلفهم وتقوى عرى الأخوة بينهم وتعم السعادة قلوبهم. والعبد عندما يحسن الظن بإخوته وبالمسلمين من حوله فإنه يريحُ قلبه أولًا ويسكن روحه ويطمئن فكره حيث يبعد عن نفسه خواطر القلق والشكوك والريبة فيمن حوله وينقي قلبه من مشاعر الغل والحسد والغش وكلها تستتبع خصالًا أخرى بغيضة إلى الله ذميمة. لذلك نهانا الله تعالى عن الظن السيءِ بالآخرين فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرًا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم}.[ الحجرات: 12]
فالذي يتعود أن يسيء ظنه بالناس فهو دائم الشك بهم لأقل حركة تصدر منهم عنده تأويل ولأبسط كلمة قد يقولونها عنده تحريف عن معناها إلى معنى فيه تهمة أو فيه رمي بالسوء مما يؤدي إلى نشوء البغضاء والشحناء بين الناس.
ثم إن الظن السيء بالناس يجعل صاحبه يتحسس ويتجسس متتبعًا عورات الناس ليؤكد ظنونه وشكوكه ثم ذلك يستتبع المغيبة وذكر الآخرين بالسوء. لذلك نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظن السيء أيضًا فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله & قال: “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم. المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره. التقوى ههنا التقوى ههنا ويشير إلى صدره بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله، إن الله لا ينظر إلى أجسادكم ولا إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم”. متفق عليه والرواية لمسلم.
نعم هذه القلوب هي محل نظر الله فلتكن سليمة لا يخالطها غش ولا ظن سيء نحو المسلمين لأن الظن كما أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أكذب الحديث لذلك قال الإمام الشافعي رحمه الله:”لأن تحسن الظن وتخطئ خير من أن تسيء الظن وتصيب”.
ولما كان الشيطان الذي يجري في الدم من الإنسان مجرى العروق فإنه لا خير من حسن الظن بالمسلمين نقطع به الطريق على هذا الفتان الوسواس المفرق للأحباب بوسوسته. لذلك علينا دائمًا أن نسأل الله قلوبًا سليمة لا يدخلها الظن السيء إزاء المسلمين وندعوه أن يرزقنا رؤية الحق في الأمور كلها حتى لا ننجر إلى هذا الخلق الذميم وهو سوء الظن.
ولنستعين على التخلق بحسن الظن بالآخرين، هناك بعض الأسباب إذا أخذنا بها وتدربنا على السير عليها وصلنا إلى الهدف بإذن الله تعالى.
1.وأول هذه الأسباب: أن يضع المرء نفسه مكان أخيه الذي قد أساء الظن به لفعل أو لقول صدر منه وينظر ماذا كان فاعلًا هو لو كان في مكانه؟ عند ذلك يجد مخرجًا من سوء الظن بهذا الأخ.
2. السبب الثاني : هو أن لا نؤول الكلام الذي نسمعه أو الفعل الذي نراه تأويلًا يدخلنا في سوء الظن بصاحبه. قال ابن تيمية: (ورحم الله عبدًا وقف على سهو أو خطأ من أخيه فأصلحه عاذرًا لا عاذلًا ومنيًلا لا نائلًا فليس المرء بعيدًا عن الخطأ إلا من وقى الله سبحانه وعصم، فلا إله إلا الله ولا معبود بحق سواه نسأل الله عز وجل أن يؤلف بين قلوب المسلمين). ونقرأ لعمر رضي الله عنه قوله:(لا تظن بكلمة خرجت من المؤمن شرًا وأنت تجد لها في الخير محملًا).
وها هو الشافعي رحمه الله تعالى يدخل عليه تلميذه الربيع بن سليمان في مرض موته فقال له: قوى الله ضعفك يا إمام. فقال الشافعي أنظر ماذا تقول ! لو قوى الله ضعفي لقتلني. فقال الربيع: والله ما أردت إلا الخير فقال الشافعي:أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير!
3. والسبب الثالث: أن نلتمس الأعذار لكل فعل أو قول يصدر من إخواننا قد يسبب ضيقًا أو ألمًا. فقد يخلف أخوك مرة موعدًا قد حدده معك أو قد يتغيب عن حلقة أو درس في يوم من الأيام، أو قد يمر عنك مسرعاً فيسلم دون أن يتوقف وقد تصدر منه حركة عفوية غير مقصودة فلا يتبادر إلى ذهنك وقلبك ظن سيء نحوه بل حاول أن تجد له الأعذار. وقال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا فإن لم تجد فقل لعل له عذرًا لا أعرفه ،جاء في الأثر :” أعرف الناس بالله أعذرهم للناس وإن لم يجد لهم عذراً ” .
4. الأمر الرابع: أن نتجنب الحكم على السرائر والنيات. فما تخفي الصدور لا يعلمه إلا الله وليس لنا أن نشق القلوب لنعلم ما فيها.
5. والأمر الخامس:أن نتذكر المضار التي يسببها سوء الظن للنفس أولًا وللعلاقات مع الناس ثانيًا. فهو يجلب الهم والحزن والقلق والترقب ثم فقدان المودة والمحبة ممن يخالطهم حتى من أقرب الناس إليه. كما أن سيء الظن بالآخرين عادة ما يكون حسن الظن بنفسه حتى يصل إلى تزكية نفسه وهو أمر منهي عنه فالله عز وجل يقول:( فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى). فعلينا مجاهدة أنفسنا في إحسان الظن بالآخرين فالأمر يحتاج لذلك لنسد بابًا من أبواب القطيعة مع الناس ومنفذًا من منافذ البغضاء والتدابر والهجران.
والمسلم لا ينبغي أن يضع نفسه في موضع الشبهة أو موضع التهمة بتصرفاته وحركاته وأفعاله وأقواله. لكي لا يعرض نفسه لسوء الظن به ورسول الله صلى الله عليه وسلم أطهر خلق الله والذي لا يمكن لأحد أن يسيء الظن به إلا أنه يأبى أن يضع نفسه في موضع الريبة. فمما يروى في الصحيحين أن صفية رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تزوره وهو معتكف وأن رجلين من الأنصار رأياهما وهما يتكلمان فأسرعا فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : “على رسلكما إنها صفية بنت حيي”. فقالا: سبحان الله يا رسول الله. فقال:”إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم وخشيت أن يقذف في قلبيكما شيئًا أو قال: شرًا”.
ولا شك أنه يستحسن أحيانًا الظن السيء ببعض الناس وهذا لما يكون من باب اليقظة والحذر من أناس عرف عنهم الغدر مثلًا أو من أناس يعرفون بالمعاصي والشرور أو يعملون على إثارة الفتن والخصومات لذلك يقول ابن هبيرة الوزير الحنبلي: لا يحل والله أن يحسن الظن بمن يرفض ولا بمن يخالف الشرع في حال. ويقول عمر رضي الله عنه: (لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه). ويقول أبو حازم: (العقل التجارب والحزم سوء الظن). فسوء الظن في هذه الأحوال وأشباهها من الحزم وعدم الغفلة عما يحاك من مكائد ومؤامرات تضرُّ بالمسلمين سواءًا أفرادًا أو مجتمعات لأنه السبيل إلى النجاة من شر مقصود وخطر يراد.
بقلم: آمنه محمد.