سيارات مفخخة في قلب دمشق
تاريخ النشر: 01/05/13 | 2:22ما يميز النظام السوري عن الانظمة العربية الاخرى التي شهدت ثورات شعبية تطالب بالتغيير الديمقراطي، ان هذه الانظمة، وخاصة في تونس ومصر، أخذت على حين غرّة، وفوجئت بحجم التحرك الشعبي، وانحازت القوات المسلحة فيها الى هذا التحرك، بينما حاول النظام السوري جاهدا التعلم من تجربة الثورات السابقة، واستيعاب بعض دروسها، والاستعداد بشكل جيد للحيلولة دون تكرارها، وان يكون مستعدا لها بطريقته الخاصة، لو تكررت، بما في ذلك شحذ سيف حلوله الامنية ومن الطبيعي ان يختلف الكثيرون حول طبيعة هذا الاستعداد وجدواه ومشروعيته.
المؤسسة العسكرية السورية، ولأسباب عديدة ليس هذا هو المجال لذكرها، وقفت في معظمها خلف النظام، ومن اختار المعارضة وآمن بمطالبها المشروعة في الاصلاح والتغيير، انشقّ وانضمّ الى الجيش السوري الحرّ، بسلاحه او بدونه، ولكن هذه الانشقاقات ظلت محدودة حتى الآن، بل وتوقفت في الأشهر الاخيرة.
ولعل الجائزة الكبرى التي فاز فيها النظام هي انقسام المعارضة السياسية والمسلحة ضده، وكذلك الدول الاجنبية والعربية الداعمة لها، علاوة على ارتباك الادارة الامريكية وخوفها من الاسلحة الكيماوية السورية واحتمالات وصولها الى الجماعات الاسلامية المتشددة العابرة للحدود.
اجتماع دول اصدقاء سورية الذي انعقد قبل اسبوعين في اسطنبول بحضور جون كيري وزير الخارجية الامريكي، شهد خلافات حادة بين الوزراء المشاركين فيه، فهناك من طالب بتوسيع الائتلاف الوطني السوري بحيث يكون ممثلا حقيقيا للمعارضة بكل اطيافها، وتقليص هيمنة حركة الاخوان المسلمين، بحيث لا تكون القوة الاكبر فيه، وتصبّ جميع المساعدات المالية من خلال قنواتها. بينما طالب تيار آخر بإرسال اي اسلحة من خلال الهيئة العسكرية التي يترأسها اللواء سليم ادريس الذراع العسكرية للائتلاف السوري المعارض.
مصدر دبلوماسي عربي شارك في هذا الاجتماع اكد ان تيارين متضادين برزا في اجتماع اسطنبول، الاول يضم المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة، والثاني يضم تركيا وقطر في المقابل، وتطور الخلاف بين المعسكرين الى درجة انسحاب المملكة العربية السعودية من القيادة العسكرية والسياسية التي تشرف على ادارة الملف السوري، ومقرها في اسطنبول، وهي في طريقها للانسحاب من القيادة الاخرى الموازية الموجودة في الاردن، والسبب المعلن هو عدم الالتزام بقرار ضبط ارسال الاسلحة وحصرها في فصيل واحد، اي الجيش الحرّ.
استقالة الشيخ معاذ الخطيب جاءت ثمرة لهذا الخلاف بين اصدقاء المعارضة السورية وداعميها، الى جانب اسباب اخرى شخصية وسياسية، وهي الاستقالة التي احدثت شرخا كبيرا في جدار هذه المعارضة يمكن ان يتسع في الايام المقبلة.
' ' '
لكن التطورات السيئة التي يمكن ان تفسد فرحة النظام السوري بالانقسامات المذكورة آنفا، تتمثل في وصول السيارات المفخخة الى قلب العاصمة دمشق، وحي المزة الذي يعتبر المربع الامني الاكثر استقرارا، فيوم امس الاول انفجرت سيارة في موكب السيد وائل الحلقي رئيس وزراء سورية في كفر سوسة، ونجا من الانفجار بأعجوبة، بينما انفجرت مفخخة ثانية يوم امس في حي المرجة امام مقر وزارة الداخلية السابق، وهي منطقة مكتظة بالمتسوقين، مما ادى الى مقتل 13 شخصا خمسة منهم من رجال الامن.
المشهد العراقي بدأ يتجسد بكل حذافيره في سورية بشقيه العسكري والسياسي، العسكري من حيث اللجوء الى السيارات المفخخة لإثارة اكبر قدر ممكن من الخوف والرعب، وبما يؤدي الى هزّ هيبة الدولة، والسياسي من حيث استخدام ورقة السلاح الكيماوي لتجريم النظام وتوفير الاسباب الشرعية للتدخل العسكري، إما لإسقاط النظام في سورية على غرار ما حدث في العراق وليبيا، او لـ'تأمين'،هذا السلاح وعدم سقوطه في ايدي تنظيمات اسلامية متشددة يمكن ان تستخدمه ضد اسرائيل.
الجيش السوري الذي ما زال متماسكا في معظمه يستطيع ان يتصدى لوحدات الجيش السوري الحر واستعادة بعض المواقع التي نجح الاخير في الاستيلاء عليها، ولكنه ليس مدربا، وبالتالي غير قادر على مواجهة السيارات المفخخة، ومن بينها تلك التي يقودها انتحاريون او استشهاديون ،سمّهم كما شئت، فالقوة العسكرية الاعظم في التاريخ (امريكا) عجزت عن ذلك اثناء احتلالها للعراق الذي دام عشر سنوات تقريبا.
الرئيس الامريكي باراك اوباما وضع خطوطا حمراء امام النظام السوري وحذره من تجاوزها، عنوانها استخدام اسلحة كيماوية، ثم بدأ يخفف من حدة احمرارها يوما بعد يوم لتجنب التدخل العسكري، ولكن النظام السوري وحلفاءه الايرانيين والروس لهم خطوط حمراء ايضا، وهناك من يتحدث في لبنان عن تعهدات روسية بدعم لا محدود، واستعداد حزب الله لفتح جبهة الجنوب ضد اسرائيل لخلط الأوراق.
' ' '
اطراء الشيخ يوسف القرضاوي لامريكا ومواقفها، ودعوته لها لضرب سورية في خطبة الجمعة، التي القاها في مسجد عمر بن الخطاب في الدوحة قبل خمسة ايام كان 'مفاجأة العام' دون شك، ولكن من الصعب علينا ان نتوقع استجابة البيت الابيض لدعوته هذه من اجل انقاذ الشعب السوري، لانه اي البيت الابيض، يستمع الى دعوات تل ابيب فقط، وان تدخل فمن اجل حماية شعبها من اي اسلحة كيماوية او تقليدية، سواء من قبل النظام او الجماعات الجهادية، فهذا هو الخط الاحمر الحقيقي لدى الرئيس اوباما، وهذا ما قصـــده بالفعل، اما الخطوط الاخرى فهي رمادية!
هناك ثلاث قوى رئيسية تتقاتل على الارض السورية، الاولى المؤسسة العسكرية التابعة للنظام وميليشياتها الشعبية، والثانية الجيش السوري الحرّ المدعوم من بعض القوى العربية والدولية، والجماعات الجهادية العابرة للحدود، والسيارات المفخخة أداتها الاكثر فاعلية وتأثيرا.
لا نعتقد انه سيكون هناك منتصر في المدى المنظور، تماما مثلما كان عليه الحال في العراق وافغانستان وليبيا، ولا نرى اي اثر لتعب النظام بحيث يرضخ لشروط الحلول السياسية بعد عامين من بدء الأزمة.
النسخة العراقية بكل تفاصيلها تنتقل الآن الى سورية، وعلى المنطقة ان تتعايش مع هذا الواقع المأساوي لسنوات مقبلة، الا اذا قررت احدى القوى الاقليمية، او الدولية، شنّ حرب استباقية ضد اسرائيل مثلما تتحدث بعض مصادر حزب الله، او ضد سورية وايران، مثلما تهدد اسرائيل، لكن ما هو مؤكد ان استمرار الوضع الراهن لسنوات، مثلما هو حال العراق، غير ممكن، لان سورية جارة لاسرائيل على عكس العراق.