وفاة أم مازن التي رضعت من نساء القرية وتخطت الـ (100) عام!!
تاريخ النشر: 01/05/13 | 12:11توفيت ام مازن أمس الأربعاء 1/5/2013، وقد تجاوزت المائة من عمرها حسب تقدير أهل القرية، وأثناء زيارتي لوالدتي في أول شباط عام 2009، ذكرت والدتي في حديثها أسم "أم مازن"، وهي من قرية دير الأسد. أعرف أنني منذ وعيت على هذه الدنيا وهي عجوز، فسألتها أن كانت ما تزال في نشاطها كما عهدتها؟ فأجابتني أمي، بأنها قاربت على الـ (100) عام وما زالت واقفة على قدميها ونشيطة، وبكامل قواها العقلية والجسدية، تعاني من بعض أشكال الضعف الجسدي الذي يعاني منه أي إنسان آخر في جيل الخمسين أو جيل الستين.. ما يميز أم مازن هو طلاقة لسانها، وصفاء ذهنها وذاكرتها الجيدة على المدى القريب والبعيد.. على الفور، طلبت من أمي أن أزورها وأشاهدها بأم عيني.. وعندما شاهدتها وتأكدت من كلام أمي، أجريت معها هذا الحديث الخاطف:
حدثنني أم مازن وقالت: أنا صالحة محمد الناجي صنع الله، ولدت في قرية دير الأسد ونحن من أقارب الشيخ محمد الأسدي، أمي خلفتني في ساعات الصبح وماتت بعد ولادتي مباشرة.. وسميت صالحة على اسم أمي، كل نساء البلد أرضعني، لم يكن هناك حليب اصطناعي كما هو اليوم، كل النساء في دير الأسد هن أمي، ولذلك أحب بلدي كثيرا وأحب أهلها ويحبوني، وفيما بعد، أخذ الأتراك والدي ومات في تركيا، لم يتسنى لي معرفة والدي أو والدتي. بيتنا كان في "السباط"- الحي القديم في قرية دير الأسد- ترعرعت في بيت خالتي "عيشة طه" لم يكن لي أخ ولا أخت.. تزوجت مرتين، أنجبت ولد وتوفي ابن شهرين وولد آخر توفى في جيل خمسة أشهر.. زوجي الأول كان ابن عمي وهو اكبر مني سنا ودللني كثيرا، وأنجبت منه ثلاث بنات، ومن زوجي الثاني أنجبت ابني "مازن".
تعلق "أم مازن": بعض أهالي قريتنا أراهم في أوقات متباعدة ويعتقدون أن كبر سني جعلني "مهسترة"، فيحيونني ويسألونني إذا كنت اعرفهم؟ وأنا طبعا اعرفهم جيدا، فمنهم الأطباء، والمهندسين والمحاميين وغيرهم، الحمد لله ذاكرتي جيدة، وحتى الآن، لا أحب الأكل إلا ما اطبخه بيدي.. أحيانا، يساعدني حفيدي "احمد" بما احتاج وأيضا بناتي وأبناءهن بقربي. كل دار صنع الله ربيتهم وأحببتهم.. الشاعر "احمد صنع الله" كان يناديني يا اغلي ابنة عم في العالم، ويوصّي أبني علي.
**وصيتي
وتضيف أم مازن: وصيتي أن ادفن بجانب ابنتي وبجانب صديقاتي وأحبائي من الدير، وافتحوا لنا طواق بيننا وبين أصدقائي ليلم شملنا من جديد، الصداقة التي ربطتني بأهل الدير هي صداقة حميمة وطيبة مليئة بالحب والتآخي، اليوم اختفت هذه الصداقات الأخوية، ما في منها.
**ذاكرة عام 48
أنا عاطفية وأتأثر كثيرا، عندما دخل اليهود إلى قرية دير الأسد في الـ 48، استحلوا مركز البلد حيث بيتنا القديم- الله لا يعيد هذه الذكريات- طوقونا، هربت مع بناتي وفي الطريق انتبهت بأنني نسيت مريم ابنتي، فعدت مسرعة إلى مركز البلد ووجدت اليهود جمعوا أهل البد ضمن دوائر وابنتي مريم في إحدى الدوائر، في الطوق، أزحت البوليس من طريقي، انتشلتها وهربت، اخذوا يطلقون النار من وراءنا فحميتها بظهري، هربنا واختبأنا في قرية "كسرى"، وبقينا هناك (15) يوما، ننام على البيادر، وكنا نتسول الكراديش (خبز الشعير القاسي) من عند الدروز- 15 يوم لم آكل شيئا- رفضت الأكل من عزة نفسي، ومن غضبي على بيوتنا وغلالنا التي تركناها وراءنا لننام على البيادر في كسرى. أخذت معي كبشة طحين وسميدة عدس وزيت، أقمنا على بيدر "حمد أبو عوض"، وقالوا لنا أهل كسرى: يا أهل دير الأسد، يا جيراننا عودوا إلى بيوتكم، التجأنا إلى بيدر "المحوز" فوق قرية دير الأسد.. وفي تلك السنة، كنت قد فلحت ارضي وحصدت (17) كيل قمح، قمح مثل الذهب الأصفر يضوي ويشع، كنت افلح الأرض بسواعدي، وعندي أشجار الزيتون التي تفرح القلب وتبهج العين، كنا نزرع الفول وكانت الأرض تغل ومباركة، كنا ننادي للناس: اللي بدو يوكل فول اخضر، ينزل يقطف يوكل من دار صنع الله، ونزلت أهل البلد، أكلوا وشبعوا، وفي الأسبوع الذي تلاه، طلبنا مساعدة أهل البلد في "حليشة" الفول، واجتمع أهل البلد معنا، حلشنا الأرض وغلت وأعطت (25) كيل فول، الناس كانت طيبة وعلى البركة.
***
لم أرد أن أطيل عليها الحديث، طلبت منها أن تذيقني من أكلها الشهي، بعد أن تذوقت حلاوة حديثها، ونقلته لكم بكل أمانة، وأنا أدعو لها بالعمر المديد، لتظل شاهدة عل تاريخ هذا الشعب صاحب هذه الأرض أبا عن جد.
وها هي اليوم تفارقنا وتأخذ معها حلاوة حكاياتها وذاكرتها، ولم يعد لنا إلا الترحم عليها.
الله يرحمك ويدخلك في جنات النعيم حسب النشر حكايات الجدة ام مازن كانو كتير حلوين وانا آحدا الناس الي بحب الروايات القديمة وإن شاء الله طولت العمر لأولادك وأحفادك