ومضات على طريق الحج 2
تاريخ النشر: 03/09/15 | 5:35مازالنا نشعر بنسمات ونفحات تلك الأيام المباركة، أيام الوقوف بين يدي الله، أيام المغفرة، أيام قليلة ويبدأ حجاج بيت الله الحرام أداء مناسك الحج، داعين المولى عز وجل أن يقبلهم ويرحمهم.
ونحن على طريق هذا الحدث الجلل، دعونا نتأمل ونعي كيف وصلنا اليوم إلى كيفية اتمام هذه المناسك، وكيف هيأ لنا الله جلا وعلا مكة لتكون مكانا عظيما شاهدا على الحجاج الذين يقطعون المسافات والأميال، ويأتون من مشارق الأرض ومغاربها لأداء هذه الفريضة والامتثال إلى أمر الله سبحانه وتعالى.
فقد تحدثنا في المقال السابق من هذه السلسة (ومضات على طريق الحج) عن أن (الكعبة تعتبر هي أول مكان خصص لعبادة الناس)
واليوم نتحدث عن دعوة الله سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لتهيأة هذا المكان العظيم ليكون مقر ومركز العالم أجمع فيما بعد يأتي إليه كل الناس بمختلف ثقافاتهم وأجناسهم وبلادهم..
-سورة البقرة (آية:125): “وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ”.
وقد جاء في تفسير ابن كثير أن معنى “وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى”: أن الله تعالى يذكر شرف البيت وما جعله موصوفا به شرعا وقدرا من كونه مثابة للناس، أي: جعله محلا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه، ولا تقضي منه وطرا، ولو ترددت إليه كل عام.
وقال الحسن البصري: قوله تعالى {وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ}: أمرهما اللّه أن يطهرهاه من الأذى والنجس، ولا يصيبه من ذلك شيء.
وقال مجاهد وعطاء وقتادة: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ} أي لا إله إلا اللّه، من الشرك، وأما قوله تعالى: {لِلطَّائِفِينَ} فالطواف بالبيت معروف، وعن سعيد بن جبير أنه قال: {لِلطَّائِفِينَ} يعني من أتاه من غربة {وَالْعَاكِفِينَ} المقيمين فيه.
وهكذا “روي عن قتادة والربيع بن أنَس أنَّهما فسَّرا العاكفين بأهله المقيمين فيه وعن ابن عباس قال: إذا كان جالساً فهو من العاكفين، وعن ثابت قال: قلنا لعبد اللّه بن عبيد بن عمير ما أراني إلا مكلم الأمير أن أمنع الذين ينامون في المسجد الحرام فإنهم يجنبون ويحدثون، قال: لا تفعل فإن ابن عمر سئل عنهم فقال: هم العاكفون”… رواه ابن أبي حاتم عن حماد بن سلمة عن ثابت”” قلت: وقد ثبت في الصحيح أن ابن عمر كان ينام في مسجد الرسول صلى اللّه عليه وسلم وهو عزب.
وأما قوله تعالى: {وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} فقال عطاء عن ابن عباس إذا كان مصلياً فهو من الركع السجود.
قال ابن جرير رحمه اللّه فمعنى الآية: وأمرنا إبراهيم وإسماعيل بتطهير بيتي للطائفين، والتطهيرُ الذي أمرهما به في البيت هو تطهيره من الأصنام وعبادة الأوثان فيه ومن الشرك، فإن قيل: فهل كان قبل بناء إبراهيم عند البيت شيء من ذلك الذي أمر بتطهيره منه؟ فالجواب من وجهين: أحدهما: أنه أمرهما بتطهيره مما كان يعبد عنده زمان قوم نوح من الأصنام والأوثان، ليكون ذلك سنة لمن بعدهما إذ كان اللّه تعالى قد جعل إبراهيم إماماً يقتدى به.
قلت: وهذا الجواب مفرّعٌ على أنه كان يعبد عنده أصنام قبل إبراهيم عليه السلام، ويحتاج إثبات هذا إلى دليل عن المعصوم محمد صلى اللّه عليه وسلم.
الثاني: أنه أمرهما أن يخلصا في بنائه للّه وحده لا شريك له فيبنياه مطهراً من الشرك والريب، كما قال جلّ ثناؤه: “أفمن أسس بنيانه على تقوى من اللّه ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار” ؟ قال فكذلك قوله: “وعهدنا إلى إبرهيم وإسماعيل أن طهِّرا بيتي” أي ابنياه على طهر من الشرك بي والريب،
وملخص هذا الجواب أن اللّه تعالى أمر إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام أن يبنيا الكعبة على اسمه وحده لا شريك له، للطائفين به والعاكفين عنده والمصلين إليه من الركع السجود.