بين قضية التسول وتسول القضية !
تاريخ النشر: 05/05/13 | 1:30قد لا تحتاج لعلوم مخبرية ليتضح لك سوء المساومات الغير شرعية بما يتعلق بمستقبل القضية الفلسطينية ، فيكفي ان تنظر الى المفترقات المرورية لترى ظاهرة التسول لفتيات وأطفال كانوا من اوائل ضحايا هذه الاتفاقات المتسمة بالخيانة الوطنية دون نقاش، مما يشير ان الارتماء بأحضان امريكا والتراكض وراء الحلول "المحلولة" امريكيا "والمنحلة " فلسطينيا وعربيا، انما جاء ذلك ليزيد القضية تسولا في ظل مساومات اكثر جدية من السابق ، ولتتسبب لشعبنا الفلسطيني بالمزيد من المعاناة والشقاء والتمزيق والتسول، لان ظاهرة التسول داخل اسرائيل بمثابة أرث اوسلو وخرائط سبل الخيانة وبيع فلسطين بالتقسيط.
وفي نظرة اجتماعية منفردة على ظاهرة التسول، فنراها تحمل خطورة وانعكاسات على الصعيد الانساني والقومي، لان الظاهرة مبرمجة وليست كما يراها الناس بنظرات عطفهم الساذجة ، فهناك استغلال لفتيات وأطفال ومنهم رضع، استغلال لا ينحصر بمد الايدي للرحماء ، بل نتحدث عن استغلال بغيض يحمل كل الاشكال من عنف جسدي ولفظي ولحظي وجنسي ! لان ما لا يعرفه الناس ان هنالك مقاولون "للشحاذة" بشكل مافيا رخيصة وضيعة لو لا تحتاج لنفخة ساخنة من انفاس الشرفاء لتتبعثر كالسراب ، لان هؤلاء "فتوات" على مجرد اطفال وفتيات مسحوقات بمسحوق المساومات الرخيصة لسلطة فلسطينية رخيصة، لان الذي يساوم على القضية لن يتردد بالمساومة على اي شئ ثابت او متحرك!
ان ظاهرة التسول لا تحمل تفسيرا منطقيا اوطنيا او دينيا خاصة انها تتم داخل مجتمع عربي لم يبخل يوما بالوقوف لجانب آلام شعبنا الفلسطيني، ان كان الدعم معنويا او ماديا، فأهل الخير يتصدقون بشكل مستقل وسري من خلال علاقات قرابة الدم او الصداقة او العطف على حالات خاصة، ولدينا ايضا كفلة الايتام ولجان الاغاثة والتي تعمل مشكورة طيلة ايام السنة دون قطع او انقطاع ، بمعنى اننا ذاك الجزء الفلسطيني الذي يتفاوضون على تسليمه والتفريط به ، كان لنا وظيفة أكبر تجاه اهلنا في الضفة والقطاع فاقت اعمال ووقفة السلطة المتنفذة هناك، بل تلك السلطة التي ما زالت تتربح على ظهر شعبها وقضيتها لتورثهما الفقر والتسول، ناهيك عن المطاردات والمخاطر التي تحملتها الحركة الاسلامية على وجه الخصوص في مسيرتها العطائية لأهلنا هناك.
في حقيقة الموضوع فهو ليس بحديث، وقد شهدنا حالات من الاحتيال ومقاولي البشر عندما كنا نعمل بالحراسة الليلية بإطار بلدية ام الفحم ، ولكن لم تكن لنا سلطة قانونية لذا فاكتفينا بطردهم، وقد توجهت منذ سنين شخصيا لرجال متنفذين في مجتمعنا للحيلولة دون انتشار هذه الظاهرة كما نراها اليوم ان لم نستطع القضاء عليها نهائيا، وقد اقترحت وما زلت بالتعاون المؤسسي مع قياداتنا ومؤسساتنا بإضافة تدخل الشرطة والتفاوض مع الجانب الفلسطيني لإيجاد حلول، خاصة اننا نتحدث عن موت انساني لضحايا الظاهرة وموت حضاري ينهش كالسرطان البطيء في نفوسنا، ولكن لا حياة لمن تنادي، وقد حاولت اختبار الشرطة قبل كتابة هذا المقال بأسبوعين، اذ مررت على مفترق مجيدو فكانت فتاة تستغل رضيعة بالتسول، وكانت خدود الرضيعة كالجمر من شدة الحرارة ومن قلة الماء والطعام، ومن المؤكد ان هنالك مقاول يراقب جانبا " كالقواد" فنهرتها بان ترحم الطفلة، ثم اتصلت الى الشرطة وشكوت لهم خطورة حياة الطفلة، فبعثوا برسالة على الرقم المتصل بعد ساعات بأنهم قد عالجوا الموضوع ، والمفاجأة انني مررت بعد اسبوع لأرى نفس الفتاة ونفس الطفلة ! فيبدو لي ان السبل متوفرة الراحة بإحداث ظاهرة الشقاء هذه، ويبدو لي ان القضية لن تتمتع بكرامة كاملة اذا لم نقف بجدية اما تسول شعب القضية …. على القضية !