المئات في حفل التأبين المهيب للرفيق لؤي سليم
تاريخ النشر: 31/08/15 | 13:49شهدت قرية اعبلين، مساء السبت الأخير، حفلا تأبينيا ضخما، عقد بأجواء مهيبة وبحضور جمهور حاشد من رفاق، أصدقاء وأقرباء الفقيد، لؤي زهير سليم، الذي رحل عن عالمنا وهو في عز العطاء والشباب كعضو في اللجنة المركزية في كل من الحزب الشيوعي الإسرائيلي والشبيبة الشيوعية.
إفتتاح الحفل كان بعرض مؤثر لأوركسترا توفيق طوبي، وبأداء نشيد الأممية، من قبل الرفيقة الفنانة لمى أبو غانم، وتولى عرافة الحفل عضو اللجنة المركزية للشبيبة الشيوعية، الرفيق يوسف زايد وعضوة اللجنة المحلية للشبيبة الشيوعية في اعبلين يارا الحاج.
وافتتح العريفان الحفل بالكلمات التالية: لقاؤنا اليوم مفروش بالترحاب، لقاؤنا اليوم ليس كالغرباء، بل كرفاق دربٍ، جمعهم نشيدُ الوفاء، والمحبة دائمة الخضرة، وهذا الحضور هو شكلٌ من اشكال التعبيرِ عن العرفان والوفاء لراحلنا الغالي لؤي زهير سليم.. تخوننا كلماتنا عاجزةً عن وصف الرفيق، الصديق، والاخ لؤي سليم” كما اهتم العريفان بإلقاء عدد من القصائد التي أحبها الفقيد.
الكلمة الأولى في حفل التأبين كانت للرفيق فهد راجي النجمي، الذي قدم التحية إلى الحفل باسم الحزب الشيوعي، الجبهة وحركة النساء الديمقراطيات في اعبلين، واستعرض النجمي التحديات التي مر بها الرفيق الراحل، خلال حياته والتي لم تثنه عن أداء دوره النضالي الهام لخدمة بلده وشعبه.
وجاء في كلمته: “وداعا أيها الفارس المترجل قبل أوانه، يا من كنت صلبا كالصخر ورقراقا كماء النهر وخير رفيق وأوفى صديق. سنفتقدك دائما وسنذكرك أبدا وسنكمل مسيرتك التي حلمت بها ووطن حلمت أن يتحرر وبشرية حلمت أن تحقق لها العدل الاجتماعي وحيادة سعيدة رغيدة. نم قرير العين أيها الموحِد الذي آمن بدين الانسانية الخالصة واحتضن الجميع وأحبهم فاحتضنوه وأحبوه.”
الرفيقة وعضو الكنيست، عايدة توما-سليمان والتي شاركت في هذا الحفل إلى جانب لفيف واسع من قياديي الحزب الشيوعي والجبهة، بمن فيهم أعضاء الكنيست الجبهويون، خاطبت الرفيق الراحل قائلة: “قلبك الذي سكنك في السبع سنوات الاخيرة لم يحتمل ما اثقلته به يا لؤي من حب كبير لعائلتك الصغيرة، الرفيقة والصديقة والحبيبة والزوجة حنان، ولثائر الصغير ولمولود جديد لا بد انك انتظرت قدومه لهذا العالم، واضفت كل ذلك الى حب كبير لشعبك وللإنسانية.
“رفيقي لؤي، عرفناك ذاك الشاب الطموح المبتسم دوما والملتهم للحياة بنهم كبير وكأنك كنت تعرف انك لن تطيل البقاء بيننا واردت أن تسابق الوقت لتعش الحياة بطولها وعرضها، بجمالها وبمآسيها. أن ينهض الانسان بعد أن لامس الموت وأن يطوع قلبا ليس له، ليحمل المشاعر الفياضة لكل ما هو جميل ومبدئي ليس امرا مفهوم ضمنيا، ان يبقى الانسان، كما فعل لؤي، بعد تجربة قاسية من هذا النوع، بل تجارب حياتية صادمة متفانيا في خدمة الناس وغير آبه بمصلحة شخصية او نزعة انانية عابرة أو مقيمة هو تعبير عن قدرة نفسية خاصة ومبدئية متأصلة في الذات لا تزعزعها النوب ولا يطال منها الزمن.”
الفنان والمخرج فراس خوري، قريب الفقيد وصديق طفولته، قدم كلمة مؤثرة تحت عنوان “بطارية لؤي” كما عرض أمام الحضور فيلما من إعداده يوثق محطات عدة في حياة الفقيد، وأكد خوري أنه اختار المحطات الفرحة التي عاشها سليم “لأنه هكذا يريد لنا أن نتذكره.”
ومما جاء في كلمة خوري: ” أذكر حين زرتك مرة في المستشفى قبل أن تقوم بعملية زراعة القلب. خرجنا لنتجول في ردهات المستشفى أنا وانت وقلبُك الإصطناعي الذي تسحبه خلفك، بعد لحظات أطلق ذاك الجهاز صفير انذار. قاطعاً محادثتنا، فابتسمت أنت وقلت ” خيا فراس لازم أرجع عالغرفة، اذا بتخلص البطارية بموت”.
“لؤي كان يعرف جيداً، بأن لكل إنسانٍ بطاريته الموقوته، فيوماً ما ستفرغ بطارياتنا كلنا، لذا، دأب على العيش ثم العيش ما دامت بطاريته مشحونة. القلب الذي أخذه لؤي، قد شحنه لسبع سنوات لا أكثر، لكني لا أعلم إن كان هناك من يستطيع أن يستغل هذه السبع سنوات كما استغلها لؤي. فهذا البطل الذي خرج من عملية زرع قلب، وتيتم من الأم بعد الأب، ما لبث أن تزوج، وأصبح أباً. هذا الذي كان قلبه لا يطاوعه أحياناً، كان يعود بعد كبوات القلب هذه، الى نزوات الفؤاد ونشاطِه السياسي والاجتماعي، كان يعود بتلهف. لم يكن لؤي يحيا حياته فحسب، كان كمن يلتهمها والإبتسامة لا تفارق شفتيه.”
السكرتير العام للشبيبة الشيوعية، الرفيق أمجد شبيطة، قال في كلمته: “لؤي السليم، هو الرفيق والصديق، هو العاصفة التي لا تنطفئ والابتسامة التي لا تنقطع.. عرفناه جيدا.. عرفناه وألفناه.. عرفناه وأحببناه.. أحببنا قهوته المتدفقة برقة في فناجيننا.. أحببنا صدقه المتدفق بعنفوان في اجتماعاتنا.. أحببناه شجاعا مقداما يشهد الوغى ويعف عند المغنم.. سيبقى أبو الثائر في ذاكرة رفاقه في اللجنة المركزية للشبيبة الشيوعية وسائر الرفاق، تجسيدا للقب “الحرس الفتي لحزبنا” فقد كان نعم الحارس الذي عينه لا تنام.. وخير الفارس، الذي لا ينكس الأعلام.. الشيوعي الحقيقي، الوطني الأممي المسكون -حتى الأرق- بهاجس العطاء المتعالي على الآلام.”
وأضاف مناجيا رفيقه: ” أنت لم تحك لنا أمورا كثيرة. عندما كنت تتغيب ما كنت لتبرر ذلك إلا باضطرارات العمل وتقول ضاحكا أنك ستصير مليونيرا فنتذكر البنك وعلاقتنا العدائية معه ونضحك. أنت كنت في قمة التواضع، ولم تحك لنا الحقيقة كلها، لم تعلمنا بأنك تبذل الكثير من وقتك الغالي بزيارة المرضى وتشجيعهم قبل وبعد العمليات.. عندما كنا نتحدث عن “قلبك الجديد” كنت تقول أنه مجرد عضلة لا إحساس لها، لكنك لم تحك لنا عن علاقتك بذوي الشاب المغدور الذين تبرعوا بقلبه لك، بأي وفاء تعاملت معهم، وكيف تعاملت مع هذه العضلة على أنها أمانة غالية وعليك صونها. هذه العضلة التي طوعتها أنت، فكانت لك كما تريد لها أن تكون من “حديد وحرير” داست ضربات القدر بكل صلابة وبرعمت حبا وعوسجا جعلك تتحسسها بيدك على أيسر صدرك وتغني منتصب القامة لعضلتك الجديدة: قلبي قمر أحمر.. قلبي بستان، وجعلك تعمر بيتك العائلي.. بكل الحب والحنان.
الرفيق عادل عامر، السكرتير العام للحزب الشيوعي، خاطب الفقيد: “لقد حملت هموم شعبك وبلدك في قلبك ووجدانك.. لقد آمنت بالناس كل الناس واحببتهم حبا جما، احببت بلدك واهلها وناسها. آمنت بالعدالة الاجتماعية والاشتراكية وباحترام كرامة الناس، وما احوجنا، نحن الذين نحمل القيم ذاتها، لمن يواصل حمل الراية في ظل استشراس قوى الظلام والاستعباد في شرقنا..
“كم نحن بحاجة لترسيخ قيم البقاء والمساواة بين الناس. بفقدانك نفقد أحد حراس ” ظل التين واليتون ” وأحد عشاق رمل بحرنا وزرقة سمائنا. وفي قيظ تموز لم يبق لي إلا أن أعدك أيها الشاب الازلي أن نواصل حمل الراية وأن نحافظ على شعبنا، شعبك الذي احببت، وأن نسعى بكل ما أوتينا من عزيمة لتحقيق ما يصبو اليه شعبنا من التحرر والاستقلال، وأن نواصل الكفاح لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة كيفما نريد وكيفما تريد.. اما انت يا رفيق، فاحرس ما تبقى لنا من تراب..”
إحدى أكثر لحظات الحفل وقعا في النفوس، كانت حين اعتلى السيد يفيم بوجاريك المنصة ليرثي لؤي، بعدما كان قد قرر هو وزوجته قبل أكثر من سبع سنوات التبرع للفقيد بقلب ابنهما الذي مات شابا يافعا.
بوجاريك الذي غالب دموعه مرارا، أفاد بأن العائلة تبرعت بأعضاء ابنها لستة أشخاص إلا أن الوحيد الذي ظل بتواصل معهم هو لؤي، ليشعروا بفرحة غامرة بأن قلب ابنهم ما زال حيا!
بوجاريك استعرض الجولة التي قام بها برفقة لؤي، قبل أشهر قليلة إلى فرنسا لعرض فيلم “أخوة في القلب” الذي يروي حكاية التبرع بالقلب للؤي وأشار بوجاريك إلى العديد من الخصال الإنسانية النبيلة التي تميز بها لؤي.
كما أكد بوجاريك على الرسالة الإنسانية التي ترويها قصة عائلته مع لؤي، وما تحمله من رسالة أممية بأن البشر أخوة وبأن ثمة حاجة إلى التعامل مع الانسان كإنسان.
الرفيق محمد بركة، رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، عاد وأكد بأن الرفيق الراحل، كان صاحب مواقف وطنية صلبة، ما يؤهله بصدق ليكون نموذجا “يتّخذَ شبابنا من سيرته ومسيرته قدوةً،” مشيرا إلى خجورة المؤامرات التي تستهدف الشباب افلسطيني في البلاد.
كما توقف عند ذكرى والدي الفقيد، طيبي الزكر زهير ونينا سليم، قائلا بأنهما كانا شيوعيين ووطنيين حقيقيين أورثا أبنائهما ثوابت فكرية وإنسانية صلبة، جعلت البيت يصمد في وجه ضربات القدر.
وأشاد بركة بتماسك شقيقيه ثاثر وروان، وتشبثهما بالأمل رغم كل ما كان، مستذكرا حفل زفاف لؤي قبل سنوات قليلة في نفس القاعة التي جرى فيها حفل التأبين، وأضاف: “لؤي وجد نفسه أمام محنة صحية ..قد تهدّ الجبال… لكنه قاوم المرض وانتصر عليه وسار الى الامام بقلب واثق، مُمْتلئ حياةً وحيويةً..لؤي بنى مع شريكة حياته البطلة والشجاعة، حنان، عائلةً مليئةً بالحب والفرح .. وان أنسى لا انسى البهجة العامرة التي لفّتَنا نحن جميع المحتفلين بعرسه الجميل.”
وأردف: “اذا قال لي أحدهم يوما إن هذا صعب وذاك مستحيل سأُحيله على سيرتك كي يمحو المستحيل من قاموسه!”
الكلمة الأخيرة في الحفل، كانت لشقيق الفقيد البكر، الرفيق ثائر سليم، الذي وقف مناجيا أخاه بشموخ رغم كل الألم: “لماذا هذا الرحيل المفاجئ يا خيا، لماذا لم تنتظرني لأودعك وأبعث معك سلامي للأهل. أرجوك بقبول أسفي خيا لأَني لم استطع أن أوصل إليك وجبة الطعام التي أحببت، قبل رحيلك وستبقى كلمات الانتظار التي أرسلت لنا في الدقائق الاخيرة من حياتك محفورة في ذاكرتي (أجو المظليين؟) كان سؤالك مداعبة عن سيارة الخدمة في شارع ٦، لمساعدتنا في إصلاح خلل في سيارتنا ونحن في طريقنا الى مشفى تل هشومير .
“آه وألف آه خيا.. لو كنت أعرف أن هذه الكلمات ستكون الاخيرة وأن هذا الخلل في السيارة سيؤخرني عن رؤيتك حيا لكنت قد أكملت المسيرة مشيا على الأقدام، لربما وصلت ورأيتك على قيد الحياة، تنبض أملا وتشع حياة كما عهدتك.
“بتتذكر خيا عندما كنا في طريق عودتنا اليومي من المدرسة صعودا الى البيت لتقول لي “الصعود في هذا الشارع صعب جدا، تعال لندفع بَعضُنَا البعض، أنا قليلا وانت قليلا وهكذا سنسهل علينا الوصول الى البيت دون تعب؟ وبهذه الطريقة أكملنا حياتنا، منك دفشة ومني دفشة وبنوصل بدون تعب، كنا سندا الواحد للآخر في هذه الدنيا بحلوها وبمرها.
“عملنا سويا من اجل إتمام رسالة بدأها الوالدان في حزبنا وجبهتنا لنصون الأمانة التي ورثناها وحفراها في شخصيتنا، متفانين غير متوانين في الدفاع عن كامل حقوقنا ولإحقاق الحق لشعبنا الفلسطيني في إقامة الدولة الفلسطينية وليهنأ بالعيش الكريم غير آبهين بالعواقب .
“كبرنا معا، ترعرعنا سويا، لعبنا معا، ضحكنا معا، بكينا معا، عبرنا الصعاب معا، ناضلنا معا، وكنا على ثقه أن الواحد منا سند للآخر، ولكن موتك كسر لنا ظهرنا وما عدنا نعرف شرق البلاد من مغربها، شتت لنا افكارنا وبدد لنا احلامنا المشتركة.
“أبيت إلا أن تسمي ابنك البكر “ثائر” لتحمل كنية والدنا العزيز، أبو ثائر، رغم أنك كنت تغضب “مداعبة” عندما كانوا ينادونك بـ “ثائر” أو “أخو ثائر” وكنت تقول لي “مش معقول خيا، وين ما اروح بيقولولي انت اخو ثائر” وكنت تقولها وأنت مبتسم ابتسامة فخر واعتزاز .
“مات المناضل المثال يا مية خسارة ع الرجال. مات رجل المهمات الصعبة كما اسميته دائما. مات الذي يواجه الأزمات ويحلها ببسالة وبرأس مرفوعة. مات المتمرد الثائر ابو الثائر. مات الذي احببت.
“خبر موتك خيا وقع كالصاعقة على الجميع، من مشرق البلاد الى مغربها. جنازتك كانت من أضخم الجنازات في تاريخ البلاد، جنازة شعبية برسميتها ورسمية بشعبيتها. جنازة قائد، فبالرغم من العمر القصير إلا أن العمل والعطاء كان ضخما بضخامة عطاء قائد سياسي لعشرات السنين.
“ابتسامتك خيا وأنت مسجى في نعشك أدمت القلوب وأبكت الحجر وتعلمت منها الكثير، كما تعلمت سالفا من قوتك وشموخك وجبروتك وتعاليك على الجراح .
“اعذرني خيا، لأني تأخرت في كتابة الكلمة والرثاء للكتيب، لأنني خفت أن لا أوفيك حقك فيها، وأعتقد أنني لم أخطئ لأن قاموس مفرداتي اضمحل وتفكيري تشتت وقلبت لي كل الموازين. نم قرير العين خيا، خيا كما احببت دائما ان تناديني. وداعا والى لقاء نحبك وانت عرفت كم.”
هذا وشكر ثائر سليم كل من حضر الحفل ووقف بجانب العائلة في مصابها الجلل، كما شكر بحرارة كل من ساهم بالتحضيرات لإنجاح الحفل، علما أنه تم إصدار كتيب على شرف الحفل تحت عنوان “منتصب القامة يرحل” وجرى توزيع تذكار على كل من حضر هو عبارة عن تجسيد لخارطة فلسطين على قطع من شجر الزيتون تحمل قصيدة “منتصب القامة” للشاعر سميح القاسم والتي أحبها الفقيد بشكل خاص.