صور وذكريات من النكبه – انا …. وامي ….. والوطن
تاريخ النشر: 12/05/13 | 0:00يا امي : قلت كان هناك وطن …. كنا نجبل ترابه ونعمل منها بيوت …. كان هناك وطن ونعد تلامه …. وكان هناك وطن ونملي مياته …!!!
في حضنك تلفعت وسمعت حكايته …. وعلى ايدك رسم الوطن ذكرياته ……
مش حرام ياما تناموا بجانب " الحله " رجال ونسوان اغراب ..!!؟ سألت مرات فتوجبين دائما :
اغراب ..!!؟ كل الفلاحين كنا اخوه ….. كنا انام بحد بعض مثل تلامه ….. تلم بحد تلم ..!!! سمعت مره تلم اعتدى على تلم ..!!؟مش حرام ياما انتن النسوان كنتن تغنين الاغراب سامعين ..!!؟
نغني ..!!؟ كنا نغني للحصادين …. للغمارات ….. " لبير منيجل " لخلة معاويه …. خلة هويسه …..
الحصادين …. بير منيجل …. خلة هويسه ….. اغراب ..!!! فاسكت لاسمع المزيد …. والمزيد …..
حدثيني – يا امي – عن ابي مسعود , الذي رفع غمر القش دون ان ينتبه , ان ابي حامد كان نائما فيه ورفعه وحمله على الجمل ….. ومشى الجمل وابو حامد نائم بين القش مسافه طويله ….. ولما صحي من نومه ,ظن ان يوم القيامه قد حل , فأخذ يصيح : يا ربي ان كنت ماخذني على النار فخذ معي ابا مسعود !!!!
ظل يصيح حتى سمعه ابو مسعود , فأوقف الجمل واناخه , وخرج ابو حامد من بين القش , فوجد ابا مسعود امامه فصاح : والله عملتها يا ابو مسعود …!!!؟
يا امي وقلت انه كان وطن …. وكانت هناك نبعه تحكي قصته بهمس …. كأن قصتها ابديه …. حكت عن سلامه الطايع الذي ورد مع حصانه وقرر ان يأخذ " نومه " تحت شجرة التين …. فنام وطالت نومته وظل سلطان النوم قابضا على خناقه , حتى اليوم التالي …. ولما وجدوه بعد بحث طويل , نادوه ليستيقظ من نومه العميق , فرد من غفوته :
-
تعبان يا مره ..!! تعبان ..!!!
وكان الحياء الجميل , يغزوا وجهك " المخربش " من عبث الزمان …. ويتحول الى قمر ملائكي …. عندما تحكين هذه الحكايه …..
يا بني الوطن غالي …. غالي الوطن
هكذا كنت تقولين …..
" وأزعلتك " مره , عندما رجعت من المدرسه لاهثا , صرخت في وجهك منتصرا ….. كأني وجدت كنز ا ثمينا ….
-
الشيخ خلف " بقومش في الليل …!!
-
فقلت والذهول يعصف بوجهك:
-
مين " قلك " ..!!؟
-
الاستاذ ..!! اكملت انتصاري …..
فسكت ولم تجيبي او تعلقي , فأدركت هول ما سببت لك من صدمه ..!!!
كنت " تأخذيني " معك الى المقبره , نسلم على القبور , ونقرأ لهم الفاتحه , ومن ثم نصعد الى اعلى المقبره الى ضريح ومقام الشبخ خلف , وتضعين هناك الفطير والكعك والحلويات …. وتقولين قبل ان تسمعي تساؤلاتي المستغربه :
-
في الليل " يقوم " الشيخ خلف , هو واولاده " وبيوكلو " …!!!
-
وعندما كبرت , عرفت انك كنت تعرفين ان الشيخ خلف " لا يقوم " في الليل … وكنت تعرفين ان هذا الطعام كان " يذهب" لفقراء القريه ..!! الذين يأتون لأخذه بعد نزولك من المقبره …..
الوطن غالي ….. الوطن غالي ….. يا بني …..
الوطن صبرتنا يا بني …. صبرتنا التي كانت مشاع لاهل البلد ………
وحدثتني عن ام السعيد , التي لقطت صندوق صبر من صبرتنا , وحملته على رأسها , ورجعت مستعجله …… لتفطر ابا السعيد صبر , قبل ام " يسرح " على دراسة الغله , فالتقت في الطريق بسلامي الجر , " فألهاها" بالحديث , فوضعت الصندوق بجانب الصخره , وجلست عليها , فقرمز " سلامي بجانب الصندوق , واخرج موسه , وبدأ يقشر اكواز الصبر " ويبلعها" وهو يبلع, وام السعيد " تخرف " هو يبلع وام السعيد تخرف , وما ان " استفاقت " , حتى اتى سلامي على صندوق الصبر كله ..!!!! فصاحت من" قحف"رأسها :
-
وين الصبرات ….. وين الصبرات يا سلامي ..!!؟
-
والله الزلمي " ليطلقني "…!!!
يا امي ….. الوطن غالي ….. غالي الوطن …… هكذا كنت دائما تقولين …..
وحكيت لي قصة ابي شداد الذي لم يعرف في حينا الا بعمي " الجر " …!!
وتقول الحكايات ان عمي الجر ما لبس " بأجره " منذ ان ولد , على يد الدايه خضره البدوي , حتى دفنوه حافيا في مقبرة القريه …!!!
وتقول الروايات : ان افعى طولها ذراع رجل , لسعته وهو في طريقه عائد من الروحه الى البلد , ولم يحس بسمومها , فعلقت في رجله الخميله والقاسيه , مثل الصخر , وجرها من الروحه حتى وصوله الى البلد دون ان ينتبه … فلما نبهه جعفر الفارس الى الحادث الجلل , الذي اصاب رجله , حنى قامته الطويله , " وخلعها " من رجله , واستمر ماشيا في طريقه ….. وهو يقول موجها حديثه الى جعفر الفارس : " مجرد حيه لليش هلقد مكبرها ..!!!؟" .
يا امي ارضعتني حليبا مطعما بالسريس والزعتر …….. " وربيتني " على حكاياته ….. حكايات الوطن ….. وقلت ان الوطن سنابل ….. سنبله تقبل جارتها السنبله عندما يهب الريح من " العبهريه " والخطامي ….. وصبارين اللجون …!!!
وحدثتني – يا امي – عن الخاتم الذهبي الوحيد , الذي كان يزين اصبعك …. حيث تقول الروايه : حمل ابي جمليه بالعكوب من الروحه , وتوجه الى طول- كرم ليبيعها في سوقها …. وعندما قبض ثمنها لمعت في ذهنه فكره : لماذا لا يشتري لزوجته خاتما ذهبيا يفرح به قلبها ..!!! دخل دكان الصائغ , عندما قاس الخاتم على اصبعه الخنصر , واراد ان يدفع ثمنه " اكل " الخاتم كل ثمن العكوبات , حتى انه لم يبق معه شيئا من المال ليسد به العصافير التي بدأت تأكل معدته ….. ورجع الى البيت وجيوبه واكياس جماله فارغه من كل ما اوصته زوجته من حاجات الاولاد والبيت …!!!
فصار يضرب في هذا الخاتم المثل " صار فينا مثل خاتم عكوبه " وعكوبه هي منطقه في الروحه , اشتهرت بكثرة العكوب ….. ويضرب المثل لمن يضيع ماله في امر ليس من الضروريات …!!!
-
امي فتحت عيني على حكايات الوطن في حضنك,
-
امي قرأت ابجدية الوطن في عينيك ,
-
امي حملت هموم الوطن عاى كاهلي بعد رحيلك ,
-
امي رحلت وتركتني اذوق عذاب الوطن من بعدك
-
امي اني اراك في جباله , في وديانه , في سهوله , امي اني رأيته يتقطع في قطرات دموعك,
-
امي كانت حياتنا تسير على ثلاث :
-
انا وانت والوطن …… تركتنا مشوهين نتوه في غياهب اليتم , ورحلت الي ..!! وتركتني " اتقلى " مع الوطن ..!!.
الرحمة لنا ولامهاتنا وللوطن ولكل الايتام