الشباب المصري يهرب من فوضى الثورة إلى ثورة الموسيقى
تاريخ النشر: 12/05/13 | 14:23منذ اندلاع ثورة يناير والاضطرابات التي تلتها، مني الشباب المصري بخيبات أمل كثيرة إزاء التحوّل الذي بدأ يطرأ على حياة المصريين، والتغييرات التي تعصف بالساحة المصرية.
للهروب من هذا الواقع، لم يجد المصريون مخرجًا سوى عبر شنّ ثورة من نوع آخر، سلاحها الموسيقى التي اكتسبت شعبيتها من الفوضى والواقع المرير المعاش.
قبل الثورة، كان بعض الشباب يتركون وظائفهم البسيطة، ويقصدون حفلات الزفاف للغناء بأسلوب "الراب" العربي، لكن محاولاتهم كانت تبوء بالفشل، ويكون مصيرهم الرمي بالحجارة، رفضاً لهذا "الفم" غير المرغوب حينها.
انعكاس للسياسة أما اليوم، فتحوّل هؤلاء الشباب إلى نجوم في سماء الفن الأسرع انتشارًا في مصر، الدولة الأكثر سكاناً في العالم العربي وأكبر سوق موسيقية، فظهرت فرق غنائية مثل "أوكا" و"أورتيغا"، الأمر الذي يعتبر مؤشرًا إلى التغيير الذي تعيشه الساحة المصرية حتى في ألوان الموسيقى.
في غضون السنوات القليلة الماضية، ظهر عدد من الموسيقيين الشباب من نوع جديد، مدفوعين من المشاكل الاجتماعية التي تعانيها بلادهم.
ظهرت هذه الموسيقى قبل الثورة بقليل، لكنها لم تلق رواجاً، فمعظم الموسيقيين لم ينضموا إلى الثورة. لكن الاضطرابات التي عصفت بالبلاد بعد الثورة دفعت بعدد كبير من الشباب إلى البحث عن الأصوات التي تعالج قضاياهم وهمومهم، فنصف سكان مصر، البالغ عددهم 85 مليونًا، تحت سن 25 عاماً، وقد وجدوا ما كانوا يبحثون عنه في صخب الموسيقى الجديدة المعروفة باسم "المهرجانات".
علاء الدين عبد الرحمن (23 عاماً) هو أحد الموسيقيين الجدد، ويعرف باسم "علاء 50 سنت". يقول إن الموسيقى التي يعبّر عنها تدفع الناس إلى الرقص، لكنها أيضاً تتناول الموضوعات التي تقلقهم، وبهذه الطريقة الجميع يستمع ويجد ما ما يثير اهتمامه.
لاقى هذا النوع من الفن انتشاراً هائلاً، وانتقل من أزقة الأحياء الفقيرة إلى السيارات وحفلات الزفاف، وحتى الإعلانات التلفزيونية التي تعكس تحولات عميقة يعيشها المجتمع المصري منذ اندلاع الثورة، حيث يبحث الشعب المصري عن مساحة لمناقشة قضاياه الاجتماعية، وهو على استعداد لتجاوز الخطوط التقليدية للعثور عليها.
التحرش والطائفية الموسيقى تحوّلت إلى وسيلة هادفة تتناول كل الموضوعات، بدءاً من التحرش الجنسي، الذي تعانيه شريحة واسعة في المجتمع، لكن الخجل والخوف يحول دون الحديث عنه، إضافة إلى العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في البلاد، وصولاً إلى الأزمة الاقتصادية.
عبد الرحمن وشريكه سادات عبد العزيز (26 عاماً) نشآ في حي مدينة السلام في القاهرة، وهو شارع متهالك تكثر فيه الآفات الاجتماعية، التي شكلت وحياً لهؤلاء الشباب في موسيقاهم. يقول الشابان إن للفن الذي يقدموه أهدافًا عدة، منها الحديث عن الحياة والمشاكل في حيهم وإمتاع الناس وجعلهم يرقصون.
في البداية، كانت أغاني الفريق تتحدث عن الحشيش والجنس، والصداقة، والخداع، إنما ليس السياسة. لكن ذلك تغير عندما اندلعت الانتفاضة المناهضة للرئيس المخلوع حسني مبارك في يناير/كانون الثاني 2011، عندما قدم الشابان أغنية بعنوان "الشعب والحكومة".
تقول كلمات الأغنية: "الشعب والحكومة، والمدافع الرشاشة مصر انتصرت وحتى الحرامية غاصوا فيها، الناجين والقتلى أنا حاتكلم عن الكنيسة والمسجد وجماعة الإخوان".
لاقت هذه الأغنية رواجاً في أوساط الشباب، وسرعان ما تلقى عبد العزيز وعبد الرحمن دعوات إلى الغناء في الحفلات والفنادق.
ارتفاع الآفات الاجتماعية ساهم أيضاً في تنوع الموضوعات، التي تدخل في أغنيات الشباب، فعندما أصبح التحرش الجنسي والاعتداء الجنسي قضية في احتجاجات الشوارع، برزت أغنية بعنوان "تلطش عليها أيوا… تتحرش بيها لأ".
على الرغم من أن هذه الأغاني ليست مفهومة أو منتشرة كثيراً خارج أوساط الشباب، إلا أن القضايا التي تعالجها مألوفة لدى الجميع.
يقول أيمن أبو بلال (41 عاماً) جزار سمع أغنية عبد العزيز: "لا أستطيع أن أفهم ثلاثة أرباع الكلمات.
لكن فجأة تسمع كلمة أو جملة، وتشعر بأن الأغنية كلها تدور حولك وتلعب على عواطفك". بدورها، قالت مينا جرجس، الخبيرة في الموسيقى العرقية المصرية، إن الثورة ترتكت مساحة للموسيقيين للتواصل مع جمهورهم.
وأضافت: "أنا لا أستمع إلى أغاني البوب في الوقت الذي يموت فيه الناس، لكني أستمع إلى الأغاني التي تتحدث عن المشاكل الاجتماعية".
لكن بعض النقاد يشعرون بالغضب من تصاعد موجة موسيقى "المهرجانات"، من ضمنهم حلمي بكر، وهو عضو بارز في نقابة الموسيقيين، الذي قال: "يا رب تاخد روحي. تعرفون أن المجتمع ينهار عندما تصبح هذه الأغاني هي الأكثر مبيعاً"