الرباط المشهود والنفير المحمود
تاريخ النشر: 16/09/15 | 20:01ثلاثة أيام من الحصار عاشها المسجد الأقصى المبارك ومحيطه الخارجي، أفرط خلالها الاحتلال الإسرائيلي في استعمال القوة والقمع بحق المصلين والمرابطين فيه، الذين تصدوا بصدورهم العارية لاقتحامات المستوطنين الجماعية للمسجد الأقصى، تزامنا مع بدء موسم الأعياد اليهودية، التي كان عيد رأس السنة العبرية في مقدمتها.
يوم الأحد
في صبيحة يوم الأحد الثالث من سبتمبر/ أيلول؛ كان المسجد المبارك على موعد مع هجوم إسرائيلي مباغت من جهة باب المغاربة، شاركت فيه المئات من القوات الإسرائيلية ومن مختلف الوحدات العسكرية (الشرطة، القوات الخاصة، القناصة، المخابرات، المستعربين)، الذين انتشروا في ساحاته وأخذوا يُمطرون كل من تواجد فيها بوابل من قنابل الغاز والصوت والرصاص المطاطي، فضلا عن الضرب بالهراوات دون التفرقة بين صغير وكبير وكهل وامرأة، ما أوقع عشرات الإصابات المختلفة في صفوفهم.
سابقة خطيرة
قوات الاحتلال لم تكتفِ باجتياح باحات المسجد الأقصى فحسب؛ ففي سابقة خطيرة، قامت وحدة المستعربين تساندها وحدة القناصة، باقتحام حرم الجامع القبلي، ومحاصرة المصلين والمعتكفين بداخله، وحصرهم في مكان واحد، كما اعتلت وحدة القناصة سطح المسجد القبلي وأحاطت بالقبة الرصاصية، وقامت بتهديد الشبان المحاصرين في المسجد بإطلاق الرصاص المطاطي باتجاههم في حال تركوا أماكنهم، وتسببت بحريق داخل المسجد القبلي من الجهة الجنوبية. اقتحام قوات الاحتلال لم يكن عابرا بالنسبة للمصلين والمعتكفين في المسجد الأقصى، الذين تصدوا له بالتكبير والهتاف للمسجد السليب، وما طالته أيديهم.
تدمير التراث
اقتحام المسجد الأقصى ومحاصرة مداخله، والوصول الى عمق حرم الجامع القبلي، خلّف أضرارا بالغة في معالمه التاريخية، طالت أبوابه العملاقة التي يزيد عمرها على مئات السنين، وأتلفت نوافذه العريقة المزخرفة بشكل فني يحاكي العمارة الإسلامية، وهو ما جعل عمّال الصيانة يحذرون من تعمّد استهداف المعالم التراثية للمسجد والتي تحتاج لفترات صيانة طويلة لإعادتها الى شكلها الطبيعي.
163 مستوطنا
وفي اليوم نفسه، وعلى الرغم من ضراوة الأحداث الميدانية، الا أن قوات الاحتلال لم تغلق باب المغاربة وتوقف اقتحامات المستوطنين، حيث سمحت آنذاك باقتحام مجموعات كبيرة منهم وصل عددها الى 163 عنصرا -في الفترتين الصباحية وبعد الظهر-تحت حراسة أمنية مشددة، وقام المستوطنون ببثها لأول مرة عبر الهواء مباشرة، فيما أظهرت المشاهد التي تم بثّها مدى الأريحية التي حظي بها المستوطنون، والعبارات التي تلفّظوا بها ودعوا خلالها لبناء الهيكل المزعوم على أنقاض المسجد الأقصى المبارك.
أوري أريئيل
وهيئت قوات الاحتلال لاقتحامات المستوطنين مسارات آمنة، بعد أن تم تفريغ باحات المسجد الأقصى من المصلين وطردهم بالقوة خارج الأبواب. وفي دليل واضح على تبني الحكومة الإسرائيلية نهج الاقتحامات في المسجد الأقصى، برز من بين المقتحمين أوري أريئيل وزير الزراعة في حكومة نتنياهو، وهو ما اعتبره الشيخ كمال خطيب – نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني-ممثلا عن المؤسسة الإسرائيلية لانتهاكات المسجد الأقصى، داعيا الى تصحيح الفهم الذي يدور في أذهان الجميع والذي يزعم بأن اقتحامات الأقصى ناتجة عن جماعات متطرفة هامشية.
محيط المسجد الأقصى
وفي الثالث عشر من أيلول أيضا، أحكمت قوات الاحتلال قبضتها على مداخل المسجد الأقصى وأزقة البلدة القديمة، ونصبت الحواجز العسكرية، وعززت عناصرها المزودة بكافة وسائل القمع، ومنعت من هم دون 45 عاما من النساء والرجال دخول المسجد الأقصى، بمن فيهم حراس وسدنة المسجد، وحاصرت المعتصمين عند باب السلسلة، غير أنها لم تفلح في منعهم من التكبير والهتاف لأجل المسجد الأقصى وضد صناديد الاحتلال والمؤسسة الإسرائيلية.
اصابات
ولم يلبث الممنوعون من دخول المسجد الأقصى أن هتفوا لأجله، حتى باغتتهم قوات الاحتلال بهجوم عنيف، بشتى وسائل القمع والقوة، الأمر الذي أوقع عددا من الإصابات التي تراوحت بين حالات اختناق وأخرى نتيجة عيارات المطاط، كما منعت قوات الاحتلال طواقم الإسعاف من تقديم العلاج للجرحى والمصابين، وبقي الوضع على حاله حتى ما قبل صلاة الظهر من يوم الأحد.
الشيخ وقرار الابعاد
وعند باب الاسباط منعت قوات الاحتلال الشبان الذين قدموا من الداخل الفلسطيني من دخول الأقصى، وكان من بينهم قيادات في الحركة الإسلامية، وقف على رأسهم الشيخ كمال خطيب نائب رئيس الحركة، الذي تسلّم أمرا فوريا بالإبعاد عن المسجد الأقصى حتى أواخر شهر نوفمبر/ تشرين ثان القادم.
جذوة الثبات
وعلى الرغم من أجواء الحرب التي فرضتها قوات الاحتلال، الا أن جذوة الثبات لدى عشاق الأقصى لم تخمد، الذين واصلوا تحديهم وصمودهم في وجه ترسانته العسكرية، وتحمّلوا حرارة الشمس العالية حتى دخلوا المسجد الأقصى بالتكبير، وقاموا بمسيرة في أرجائه انتهت بوقفة أمام باب المغاربة، تخللتها كلمات وخطابات لرفع الهمم والعزائم وأكدت حق المسلمين الخالص في المسجد، وشددت على أنه ليس لليهود حق فيه.
الاثنين المشهود..
لم يختلف المشهد في فجر يوم الاثنين عن نظيره في يوم الأحد، حيث ما لبث المصلون والمعتكفون في المسجد الأقصى أن أنهوا صلاتهم، وبدأوا بقراءة القرآن والأذكار، حتى فوجئوا بهجوم من قوات كبيرة من الاحتلال تقتحم المسجد الأقصى، وتحاصر مدخل المسجد القبلي، وتبدأ بإطلاق قنابل الغاز والصوت والعيارات المطاطية صوب كل من وقف في وجهها، وطاردت المصلين، وحصرتهم في صحن قبة الصخرة، وأحاطتهم بطوق عسكري حتى انتهاء الفوج الأول من اقتحامات المستوطنين، كما اقتحمت عناصر من وحدة المستعربين حرم الجامع القبلي، واعتقلت ثلاثة من المصلين واقتادهم الى خارج باب المغاربة، وقامت بسحل بعضهم، فيما اعتقلت 6 آخرين من خارج المسجد.
تعزيزات أمنية
وفي يوم الاثنين (14/9) واصلت قوات الاحتلال تعزيزاتها الأمنية على أبواب المسجد الأقصى الخارجية، وأبقت على الحواجز العسكرية، ومنعت من هم دون 45 عاما من دخوله، الأمر الذي دفع النساء والرجال الى الاحتشاد خارج الأبواب للتكبير والهتاف للمسجد، واعتدت قوات الاحتلال على النساء والرجال والأطفال، واستهدفت المصورين والصحافيين، واعتقلت واعتدت بالضرب المبرح على مصور “كيوبرس” مصطفى الخاروف، وأفرجت عنه في وقت لاحق، وسلمته أمرا بالإبعاد عن البلدة القديمة 15 يوما.
سحل واعتقال
واعتقلت قوات الاحتلال آنذاك 9 أشخاص من داخل المسجد الأقصى ومحيطه الخارجي، وأفرجت عن بعضهم ومددت اعتقال البعض الآخر والحصيلة على النحو التالي: مالك غانم من قرية زيمر في المثلث، اعتقل يوم الاثنين تم الافراج عنه يوم الأربعاء(16/9)، ورمزي جعبي وناصر نوفل ومازن حلاوة من القدس، تم اعتقالهم يوم الاثنين وتم تمديد اعتقالهم حتى يوم الأحد القادم، وإبراهيم عبيدية وأحمد العباسي من القدس، اعتقلوا يوم الاثنين وتم تمديد اعتقالهم حتى يوم غد الخميس، كما وتم اعتقال مدلين عيسى من كفر قاسم في يوم الاثنين وأفرج عنها في اليوم نفسه، واليوم ( الأربعاء) تم عرضها على المحكمة ، حيث طلبت الشرطة ابعادها عن البلدة القديمة 180 يوما ، غير أن المحكمة أعطتها أمرا بالإبعاد عن البلدة القديمة 45 يوما .
52 مستوطنا
وقد اقتحم المسجد حينها 52 مستوطنا من جهة باب المغاربة، نحو مسار الهروب، وتحت حراسة مشددة من قوات الاحتلال والوحدات الخاصة.
أحداث الثلاثاء
يوم الثلاثاء لم يكن الحال في المسجد الأقصى أفضل من يومي الأحد والاثنين، حيث بدت ملامح الهدوء تخيّم على أجواء المسجد الأقصى، غير أن قوات الاحتلال لم ترق لها حالة الهدوء هذه، حتى اقتحمت بشكل مفاجئ وهمجي باحات المسجد الأقصى المبارك، والجامع القبلي، وبدأت بإطلاق قنابل الصوت والغاز المدمّع، واعتقلت شابين من داخل المسجد هم احمد الرازم وإسماعيل طويل وكلاهما من القدس، وقد تم تمديد اعتقالهما حتى يومي الخميس (الطويل) والجمعة (الرازم).
وقد سمحت قوات الاحتلال باقتحام 53 مستوطنا باحات المسجد الأقصى في الفترتين الصباحية وبعد الظهر، تحت حراسة مشددة ومن خلال ما بات يعرف ” مسار الهروب” نتيجة التواجد الإسلامي البشري.
وخارج حدود المسجد الأقصى المبارك واصلت عناصر الاحتلال اعتداءاتها وقمعها المصلين من الرجال والنساء، ما أوقع في صفوفهم إصابات أحداها كانت في منطقة الرأس.
مواقف هزيلة
ومن جهته دعا الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الاسلامية العليا في القدس، الزعماء والحكومات العربية، الى اتخاذ مواقف حازمة وقوية بشأن جرائم الاحتلال في المسجد الأقصى المبارك.
وطالب صبري -في لقاء مع الجزيرة-، بحراك سياسي دبلوماسي تجاري واقتصادي، يردع الاحتلال عن بطشه وعنجهيته تجاه المسجد الأقصى والمرابطين فيه، لافتا الى أنه “لو كانت المواقف العربية التي صدرت إزاء جرائم الاحتلال بحق الاقصى، قوية وجادة، لكانت كفيلة بردعه عما يفعله، لكنها كانت خجولة وهزيلة وضعيفة”.