أقواس من سيرتي الذاتية
تاريخ النشر: 22/05/13 | 4:50صدر كتاب “أقواس من سيرتي الذاتية” في طبعته الثانية، المزيدة والمنقحة للشاعر فاروق مواسي*، وذلك بعد بلوغه السبعين من عمره، وقد توج الشاعر الكتاب بقول:
فقد وفّيــتها سبعين حولاً .. ونادتني ورائي: هل أمام؟!
أشار مواسي في مقدمة الكتاب إلى سؤال يهم كل باحث يدرس السيرة وأنواعها:
لماذا أكتب سيرتي الذاتية؟
أجاب صاحب السيرة بأن التعبير عن الذات التي عانت وتعاني هو جزء من الأدب- أدب الاعتراف، ففيه كشف وتجلّ، وذلك بالاستذكار والاستقصاء، وهو يؤكد أن ليس من هو أعرف من الكاتب بذاته، فإذا نقلها بأمانة وصراحة قدر إمكانه فإنه يسفح عمره على الورق الأبيض ليقول بالتالي: إنها حكاية جد.
إنه يقدم النصوص لاستدعاء المشاركة الوجدانية، وربما تكون هي للإمتاع والمؤانسة، ولعلها مراجعة أخيرة لكتابة الفصول قبل أن تدبر الحياة. ولن يغفل للحظة أن الماضي في السيرة هو لعبة الزمن تأتي إلى مجموعة الفرد لتقول لهم:هنا أنتم.
جعل مواسي سيرته في أقواس ملونة تشكل معًا قوس حياته، قبيل المطر أو بُعيده، فثمة قوس عن طفولته، وآخر عن رسالته معلمًا، فآخر عن اللغوي فيه، عن الشعر منذ شرع يستكشفه، فالنقد بدءًا من ملاحظاته، فالقصة، فالترجمة، فالصفحات مع شخصيات أدبية وسياسية، فرحلته الدينية، فنماذج من حكايات جرت معه، وكلها تعكس رحلة الحياة التي فيها عبرة لمن اعتبر، وفيها أدب الكشف الجمالي، أو ليس الأدب كله كشف وتعرّ للذات أو إيحاء في مساربها؟
بدأ مواسي سيرته الذاتية بصور عن ومن طفولته، وتنقلنا مصورته إلى رؤيته لليهود أول مرة، حيث كان هو وأبوه بتاريخ 21/5/1949م يقفان في باقة الغربية أمام حانوت الوالد ويترقبان، ويتوجسان خيفة، ويتساءلان عن الفترة التي سيمكث فيها الغرباء.
قبل ذلك روى لنا عن تجمع العائلة حول مائدة الإفطار، وكان أن سمع صوت قصف في بلدته، وكان مدويًا – رغم أن جرّاءه لم يهدم سوى طابون- ولكن ذلك القصف المريع سبب الهجيج-. غير أن الأهالي بقوا على مقربة من بلدتهم، يستطلعون ويترقبون، وما لبثوا أن عادوا كل إلى منزله بالحنين والشوق.
لكن الطائرة ما لبثت أن عادت، ولكن هيهات، فلم يغادر أحد منزله هذه المرة، بل تجرأ الأطفال عند سماع دوي الطائرة فكانوا يلاحقونها بالغناء:
"طيارة حرامية .. تحت السيف مرمية"
تنقلنا الطفولة لدى مواسي إلى مشهد مؤثر، حيث تجمع أهالي عين غزال بالمئات في منزل أبي فاروق، وذلك لأن الجدة- أم أبيه هي أصلاً من هذه القرية المنكوبة، فأقبل كثير من أهل عين غزال إلى أصهارهم في باقة يستنجدون ويستعينون. وقد ظلت هذه الصورة منطبعة في ذهن فاروق حتى انطلقت شعرًا تعبيريًا في قصيدة من قصائدهL
ما زلت اذكرهم في الدار في حلق
هذي تنادي وهذا واجم دوني
عين الغزال وكانت عين مهجتهم
فقلت من بعد قولا غير ممنون
"قد كنت ابكي لأحباب الهوى زمنا
فهل لي الآن من باك فيبكيني"؟!
ثم رافقنا الكاتب في مشاهد الفقر والبؤس التي ألمت بالقرى الفلسطينية أيامئذ، فيصف ذهابه إلى المدرسة ببنطلون مرقع وهو حافي القدمين، وكيف كان الأهل يأكلون خبز الشعير (الكردوش) وخبز الذرة، والطلاب يتناولون حبوب زيت السمك في المدرسة درءًا لفقر الدم.
يحدثنا عن تجربة حدثت معه، فقد تم اعتقاله بسبب دخوله المستوطنة القريبة بدون تصريح، وهو يبحث عن الخبز يستبدله بالبيض.
كما رافقناه في تعرفه إلى الشبيبة العربية الطلائعية (مبام)، وكيف أنه أسس ورفاقه جماعة إصلاحية، دعوها "دعاة التقدم"، كما حدثنا عن علاقات أولية بالحزب الشيوعي.
وبالطبع فهذه جميعها تعكس الوضع الاجتماعي والسياسي مع بدايات التغيير الطارئ.
ولا ينسى أن يذكر لنا أنه كان يهتم بالحفظ عن ظهر قلب، فها هو يحفظ جزء عم غيبًا، ويدلّ والده بهذا الحفظ أمام أصحابه- الأمر الذي يذكرنا بأجواء الحفظ في أيام طه حسين.
استعرض الشاعر مواسي في الفصل الثاني صفحات التربية والتعليم وممارسة لعبة المدرسة في طفولته، حيث كان يلعب هو دور المعلم، وكأنه يريد أن يؤكد لنا أن هذه المهنة مغروسة في دمه، وأنها قدره.
ثم بعد أن عين معلمًا نقرأ كيف عانى الأمرين من قبل المسؤولين عنه، يترصد الأمن له، ويتهمونه بأنه يعلم السياسة في الصفوف (انظر صفحات التربية والتعليم: ملحق أمني).
ولكنه مع ذلك ظل يستمتع بوظيفته معلمًا، ويشعر أن الوظيفة رسالة مقدسة، وأمانة وطنية.
من خلال ما كان يجري في سلك التدريس من مآس ومهازل وإجحاف للمعلمين المخلصين عرض مواسي لوحات كاريكاتورية كتابية، فبدأ بنشرها سنة 1978م في مجلة "صدى التربية"، وذلك في حلقات، ما لبث أن أصدرها لاحقًا في كتاب يحمل طابع السخرية "أستاذ قد الدنيا".
ثبت مواسي في سلك التدريس، وبقي معلمًا دون (نياشين)، بيد أن الكثيرين من أقرانه عينوا مديرين ومفتشين ومسؤولين ومركزين، بل غمطت مكانته حتى بين زملائه، فلم يكرم حين تقاعد، وكان يرى غيره وهو يحظى بالتكريم والاحتفاء.
عند خروجه من مدرسته الثانوية دعا المربي مواسي طلاب صفه لرحلة إلى قيسارية، وعلى حسابه الخاص سفرًا ومشاوي، وها هو يعتز بما كتبه الطلاب في أوراقهم التي أودعوها مغلفًا كتبوا عليه: "بابا فاروق". وهنا يعترف فاروق أن الدمعة تطفر من عينيه كلما تذكر ذلك، ويؤكد أن بين أوصافه الأدبية والاجتماعية تبقى صفة المربي مصدر اعتزازه.
ومن أجواء التعليم ولإخلاص فيه قال شعرًا، منه ما لُحِن وعُلِم في بعض المدارس العربية ضمن دروس الموسيقى:
معلمنا يهذبنا ويجذبنا بتدريسه
ونحن الشكل بين يديه أنشانا بتأسيسه
وظلت شمعة كبرى تضيء لنا وتحترق
نساجلها تفانيها فيسطع ضوءها الألق
يحدثنا بأن الخير كل الخير في الإنسان
وأن العقل منفتح إلى التجديد والإيمان
من هنا يستطيع القارئ تلمس مفهوم مواسي للتربية السليمة لطلابه وطالباته. يضاف إلى ذلك ما أولى الطالبات من اهتمام خاص، وذلك من خلال رؤيته أن الطالبة من حقها أن تتعلم، وأن تتقدم، وهذه الرؤية هي في وقت كان تعليم الفتاة من الندرة بمكان، فلا بدع أن كانت توجه إليه أحيانًا الاتهامات بمحاباة الطالبات والتودد إليهن، يبرر ذلك آنًا وقوفه إلى جانب الفتاة، وقد يعترف الشاعر فيه أن للجمال وللضعف أثرًا ما يحتم مناصرتها.
رغم محاولات إقصاء مواسي وتهميشه إلا أنه عُهِدت إليه عضوية لجنة منهاج قواعد اللغة العربية- إعداد كتاب الجديد في اللغة العربية-، وإعداد كتاب المنهل في المصطلحات المعاصرة، ولجنة الحضارة والتراث العربي، ولجنة التراث لرياض الأطفال، ولجنة اختيار النصوص الأدبية، ولجنة إعداد المرشد لتدريس قواعد اللغة، ولجنة اختيار مواد أساسيات اللغة العربية. أفلا يدل ذلك على أن الحق أحق، وأنه لا بد من اعتراف بمن يجد ويكد.
ها هو مواسي يحاضر في كليات الشريعة- قسم اللغة العربية، وفي كلية جوردون-حيفا وفي الكلية العربية، بل يتسنم المنصب تلو المنصب في كلية الشريعة في باقة التي أضحت تحمل اسم أكاديمية القاسمي، منها رئيس قسم اللغة العربية، عميد شؤون الطلبة، رئيس مركز اللغة العربية.
* * * * * *
الفصل الثالث خصصه الشاعر مواسي للحديث عن رحلته الشعرية، حيث كانت رحلة شاقة بقدر ما هي ماتعة، فيها العزلة وفيها التواصل، تصحبه جنية الشعر إلى آفاق جميلة ومدهشة، وقد تتقطع عنه حتى يعود الضحى بعد سجوّ الليل.
كانت بداياته في جمع نماذج من الشعر ونشرها، ثم كتب مقطوعة ونشرها في صحيفة "المرصاد"، وقد لقيت تعليقًا ساخرًا من المحرر – في رسائل القراء-:
"يبدو أن هذا لون من الشعر لا نعرفه".
لكنه استمر وشارك في مسابقات أدبية وإذاعية، وكان يحظى بالفوز تلو الفوز، أبرزها: حافظ القرآن الكريم.
وصفت فدوى طوقان شعر مواسي بأنه "الرقيق"، وذلك في رسالة خاصة له -الأمر الذي بعث الرضا في نفسية الشاعر، خاصة وأن الشهادة هي من شاعرة مميزة وأصيلة.
طبع ديوانه الأول سنة 1971م بعنوان "في انتظار القطار"، وكانت قصائد الديوان منتقاة، ولغتها متميزة، وقد قدم للديوان أستاذه في الجامع- " د.ساسون سوميخ من جامعة بارإيلان، حيث أشار إلى أن شعر مواسي تجريبي، وأن له مستقبلاً سيجد الدارسون فيه نشدتهم واهتمامهم.
أصدر ديوانه الثاني "غداة العناق" سنة 1974م، بدأها بمفتاح مهم في فهم القصيدة، وسأورده لأهمية عنصر التلقي فيه:
"لعلك انتظرت ( القطار ) في عذاب، وانفرجت أساريرك للعناق؛ لكن العناق ما كاد يتم حتى عاد الانتظار أقسى، فرجاء أن تقرأ عنوان هذه المجموعة بتنوين غداة.
الجرح ما زال يحمل الألم المطهر، وبارقة الأمل الأخضر على جباهنا، ولهما أغني….
أستمد من تراثي ما هو الأنقى، ولا ينقطع الخيط. لماذا لا أجعل الشعر جوًّا يتباين في كل لحظة بها، وكشفًا للمستقبل الذي أرنو إليه.
لن أفضى لك بكل شيء، ولو فعلت لما كان هناك فرق بين السياسة والشعر.
فإذا ما جذبك الإيقاع إلى بوابة الوصول هناك تلتقي بالرمز حارسًا، يبقيك في مجالات التردد، يثير الدهشة وحب الاستطلاع وبالتالي مغامرة الفهم.
من الكلمة ونغمتها إلى تجربتي وإذا بها تصبح تجربتك فتعيد تشكيل القصيدة بالشكل الذي ترتئي ـ ولا غرو أن تكون أنت الشاعر.
فإذا أفضيت أستودعك الكلمة الصادقة، وأرجو لك المتعة والعمل لتشكيل عالم أجمل وأرقى.
وإن آثرت الرجوع، فثق أن وراء هذه الكلمات موقفًا ينبض حبًّا لك."
وبهذه الكلمات نرى أن مواسي يعرض رؤيته الشعرية والنقدية.
بدأ الديوان بقصيدة "المسرح والمهموم"، وهذه القصيدة يتقدم بها الطلاب في امتحانات البجروت، وهي مترجمة إلى العبرية، وقد حاوره حولها (جاد ليفي) حولها في الإذاعة العبرية.
كما صدر له ديوان "يا وطني" سنة 1977م فيه ثلاث قصائد من وحي يوم الأرض توجها بشعره:
الأمل المخضر على صفحة قلبي
يسألني يومًا يومًا عن دربي
هل أملك أن أحفظ عرضي
أن أعشق ارضي
ثم أصدر ديوان "اعتـناق الحياة والممات"سنة 1979م، وهو يضم قصائد تروي عن البقاء والثبات والتعايش بين الشعوب.
وله ديوان "الخروج من النهر" سنة 1989م، ويتألف من ثلاث قصائد هي: "الخلاص من نهر الظمأ" وقصيدة "مصطفى العابد" والثالثة "أندلسيات".
ثم كان ديوان "من شذور التـعـب" سنة 1987م، حيث نشره ضمن "الأعمال الشعرية الكاملة"- المجلد الأول، وقد ضم قصائد وجدانية ومراثي، وكتب فاروق قصيدة تحمل اسمه عبر فيها عن أشجانه وخيباته، تلاه ديوان "قبلة بعد الفراق" سنة 1990م، كتب فيها عن قيامة الشهيد، وتوجه بها إلى الآخر الذي يدعي الإنسانية حتى يكف من غلوائه، ويعترف بحق الفلسطيني على أرضه وفي وجوده.
أما ديوان "ما قبل البعد" سنة 1993م ففيه قصائد عن القدس، وهي تتراوح بين الحب والوطن والفلسفة والذاتية. وأما ديوان "لما فقدت معناها الأسماء" سنة 1995م فقد بدأه بغزلية لزوجته أم السيد رفيقة عمره، وفكرة الغزل في رفيقة العمر هي نادرة جدًا، لم يفطن لها إلا الشعر الحديث، بل هي في معرض الرثاء غالبًا، فيقول مواسي قصيدته، وهو يفتح لزوجات الشعراء بابًا لم يكن لهن به سابق عهد:
لأنني آنست في عينيك طير الحب والوفاء
مغردا ببهجة الرضا
مطوقا بلونه البهي في مسارب البهاء
في دمعة ترقرقت
برقة كأنها منارة الرجاء
في هداة الطيب الذي نما بخاطرك
أعلنتها
يا أم أبنائي لك الولاء
كما أصدر مواسي ديوان "خاطري والضوء- نبضات" سنة 1998م، وفيه قصائد "حوارية الموت" وقصائد اجتماعية، منها "باسم الشرف"- عن قتل المرأة ظلمًا وعدوانًا، وقصيدة عن بعض شباب اليوم "الخلع"، وختم المجموعة بقصيدته: "سيمفونية التشبب"، وهي غزلية، فيرى في الأنثى الرقة والجمال والعذوبة والأنس والصوت العذب الذي يسري على النفس.
خصص الشاعر مواسي فصلا للهوية الفلسطينية في كتاباته، سواء بذكر فلسطين مباشرة أو غير مباشرة، وذكر بعض الأماكن والمواقع الفلسطينية، ورثاء بعض الشخصيات الوطنية الفلسطينية، والتركيز على المترددات الفلسطينية –الشهيد والأرض والعلم:
الأرض أرضي وليس الشوق يبريني
الشوق يحدو إلى حبي فلسطيني
كما خصص صفحات له بصحبة شعراء بارزين تعرف إليهم: نزار قباني، عبد الوهاب البياتي، فدوى طوقان، أمل دنقل، عبد الصبور، عبد اللطيف عقل، محمود درويش وغيرهم
* * * * *
ثمة قوس آخر من الكتاب، يتحدث فيه مواسي عن رحلته النقدية، وصدور كتابه النقدي الأول بعنوان:"عرض ونقد في الشعر المحلي" سنة 1976م جمع فيه المقالات التي كتبها في الشعراء المحليين، حيث مزج فيه – كما يرى- بين المنهج الأكاديمي والذوقي الجمالي. وكانت له إصدارات أخرى: "الرؤيا والإشعاع"، وكتاب "الجنى في الشعر الحديث"، و"الجنى في النثر الحديث"، (الجنى هما كتابان لتحليل نصوص مطلوبة في امتحانات الطلاب الثانويين)، وكذلك كتاب بحثي هو "هدي النجمة".
أما كتاب "مداعبة معاتبة"- بقلم أحمد منير، فقد نشره فاروق أولاً سلسلة مقالات في صحيفة "الاتحاد"، وذلك تحت اسم مستعار، حيث أثار نقاشًا شديدًا، وعلى إثر هذه المقالات الحادة والصادقة كانت الردود عليه جارحة، وكانت تنطلق ضده الشتائم القلمية واللسانية والقصائد الهجائية.
من كتبه النقدية الهامة "قصيدة وشاعر" حيث مقالاته عن الشعراء وقصائدهم تلقاها فاروق الناقد تلقيًا واعيًا.
وله "لغة الشعر عند بدر السياب وصلتها بلغة المصادر القديمة"، وكتاب "أشعار الديوانيين- العقاد المازني وشكري" – وهو أطروحة الدكتوراة التي قدمها في جامعة تل أبيب.
ويظل "نبض المحار" – 2009 من الدراسات البحثية الجادة التي ينتفع بها الدارسون، كما أن له كتابًا بحثيًا باللغة الإنجليزية فيه دراسات عن الأدب المحلي خاصة والعربي عامة.
بلغ مجمع ما أصدره مواسي سبعين كتابًا، ومنها الكتب التي أطلق عليها (اجتِـأدبية"- أي اجتماعية أدبية، ومنها كتب في اللغة والتعبير، ويمكن الباحث أن يتعرف إلى إصداراته ومقالاته، وما كتب عنه، وما شارك فيه من مؤتمرات في كتابه المستقل:
"بيبليو غرافيا فاروق مواسي" وهو كتاب مثبت كسواه في موقعه:
* * * *
بعد هذا العرض السريع يمكن الإشارة إلى الملاحظات الآتية:
* نشر مواسي بعض مقالاته النقدية بأكثر من اسم مستعار، بسبب ضرورة ملحة، قد تكون للدفاع عن نفسه، أو لحماية أسرته بعد أن هاجمه البعض بقوة. (انظر الفصل: رحلتي في مذهبي- حيث يتحدث عن رحلته الدينية منذ كان يتشكك إلى أن اعتمر، وكيف جوبه بقوة.)
* اتخذ منهج التقويم والتوجيه في النقد، وكأنه استمرار لوظيفته معلمًا، فهو ينطلق من قاعدة معرفية صلبة، ويضع نصب عينية مصلحة الطالب أو الأديب أو المتلقي.
* أهداه كتاب وشعراء إصداراتهم، وكتبوا في إهداءاتهم الوصف "إلى الشاعر الناقد"، ومنهم نزار قباني، صلاح عبد الصبور، سميح القاسم، فدوى طوقان، وأساتذة أجلاء آخرون التقاهم في مؤتمرات نقدية. وهو يعتز بما ذكره به "هاشم ياغي" في كتابه "حركة النقد الأدبي الحديث في فلسطين" حيث وصفه بالناقد "الحصيف".
* لمواسي أوليات كثيرة، فهو أول من أصدر كتابًا نقديًا بين فلسطينيي الجليل والمثلث، وهو أول من أصدر مجموعة قصص قصيرة جدًا "مرايا وحكايا" بينهم، وهو أول من أعد ملفًا عن الثقافة الفلسطينية لهم في مجلة الآداب العريقة، وهو أول من كتب في النقد "المونولوج النقدي" حيث جعل بينه وبين نفسه حوارًا حول أدب ما، فينزع أحدهما عن الدفاع عنه، بينما الآخر يعارض ما جاء فيه. وابتكر مصطلحات نقدية منها ما شاع، نحو: الواقنسية، التأدنس، السيرواية، الشعر الأفيوني…إلخ، وهو أول من دعا إلى تأسيس مجمع لغوي في الأوساط المحلية. وكان أن اختير نائبًا لرئيس المجمع، وما لبث أن رأس بعض اللجان فيه.
* عايش ثقافتين مختلفتين- العربية والعبرية، لكنه بقي يجسد عروبته وهويته الوطنية بصدق وشفافية، وكانت ترجماته من العبرية وإليها دليلاً على حسن اختياره لما هو إثراء ودعم لقضيته.
يذكر أن مواسي هو نائب رئيس نقابة الكتاب في إسرائيل، وهو أحد محرري مجلة النقابة – جاج ( بالجيم المصرية- بمعنى سقف).
* شارك بدراسات وأوراق عمل في عدة مؤتمرات علمية وأدبية، في العالم العربي، ومشاركًا فعالاً في اللقاءات الثلاثية (الألمانية- الفلسطينية – الإسرائيلية)، وذلك في مدن ألمانية مختلفة، وبعضها جرت في البلاد.
ويعد ناشطًا في المؤسسات والمهرجانات والاجتماعات واللقاءات الشعبية، وكان في الثمانينيات نشيطًا في المجالات السياسية، بل اعتبر مؤسسًا للحركة التقدمية أيام نشاطها.
* شاعرنا الكبير (وليعذرني على الوصف، فأنا أعرف أنه لا يحب ذلك) هو من مؤسسي "رابطة الكتاب العرب"، وعندما أسس "اتحاد الكتاب العرب" اختير الشاعر الكبير سميح القاسم ليكون رئيسًا للاتحاد، بينما انتخب مواسي نائبًا للرئيس، ومحمد علي طه سكرتيرًا، وقد أصدر الاتحاد مجلة (48) وكان مواسي أحد محرريها، كما حرر في الجديد، وفي مواقف والشرق وغيرها.
* حصل على جائزة توفيق الأدبية للأبحاث سنة 2001م كما حصل على جائزة وزارة الثقافة مرتين (1989، 2005).
حصل على درجة الأستاذية (بروفيسور) في آذار 2011.
وبعد،
فلا يملك القارئ المتابع إلا أن يحيي الشاعر والكاتب الناقد والأديب والناشط الجماهيري على جهوده الرائدة الرائعة في المجالات الأدبية المختلفة.
ويعرف الباحثون أن مواسي معين ثر ينهلون منه من خلال كتبه، أو من خلال الاتصال به، فهو ومكتبته الضخمة مرجِع للباحثين والدارسين – وقد أفرد مواسي لمكتبتـه حديثًا في سيرته-.
إنه يقدم كل خدمة لطلبة العلم والمهتمين، ويُعَد عونًا ورفدًا لكل عاشق للعربية، باحث عن فنونها وأدبها، وسأختم مذكّرًا بصفحة "اسأل فاروق مواسي" في موقعه، فهي نعم المرجع:
*صدر عن مكتبة ابن خلدون، طولكرم، 2011، وهو طبعة ثانية مزيدة ومنقحة، يقع في 340 صفحة من القطع المتوسط، وكان الكتاب صدر في طبعته الأولى سنة 2006.
أقواس سيرتك الذاتية أشبه ما تكون بقوس قزح متعدد الألوان، يتسم بالشفافية، ورهافة الحس، ونبل المشاعر، وصدق المواقف، وعذوبة الألفاظ وفصاحة الاعراب، وغزارة النتاج. لله درك!
ذكرتني شهادة الصديق القديم والأحق (العريق) بالمرحوم الأصمعي من باقة، وهو شيخ مثقف كان يتابع الأدب القديم والدراسات القرآنية، فما أن طرح موضوع وقد أبدى أحدهم فيه رأيه، وإذا به يقول مندفعًا:
أشهد أنك أديب!
وأنا بعد كلمات الصديق وتعليقه ودقة اختيار عباراته، وتوزيعة المبنى أقول دون أن أعرفه:
أشهد أنك أديب!