من الهامشية الى التالق

تاريخ النشر: 23/05/13 | 4:40

هُنا وسط زحام البشر وضجيج العيْش واتّساع الأرض والمسافات ما زال لروح الطفولة قلب ام حنون تحبه ويحبها, الصباح هو أناشيدُ الطّفولة لديها, وهو أمّ تستيقظ فتوقظ معها الأمل , وأطفالٌ يفتحون عيونهم بكسل وعصفور أشرقت عليه الشّمس وهو عائد إلى عشّه بقوتٍ كثير , ما زالت ابنة الاربعين من عمرها أنثى تحبّ أن تزرع روضات بلادنا ورْداً , وأنثى تشحنها فيروز بالطاقة في اغلب صّباحات العمل, هي أنثى تؤمنُ في وفائها وعطائها وقلبها, رسالتها السامية هي ان تُزيل التعب عن خد طفل وتطبع بدلا منه قُبلة, السيدة تهاني طميش التي ركضت خلف فرصة عمل واحدة تسعى من خلالها تحقيق رسالتها هذه لسنين طويلة وأبت ان تستسلم بل وظلت تبحثُ بين طيّاتِ الحياة على حياة !

السيدة تهاني حاصلة على شهادة تأهيل في موضوع الطفولة المبكرة والتربية الحياتية من مركز الطفولة المبكرة بالقدس. عملت تهاني لمدة عشر سنوات في مؤسسة الهلال الاحمر الفلسطيني، كمعلمة لرياض الاطفال وتميزت ضمن مشروع محو الاميّة آنذاك. كما كانت عضو اداري في لجان المرأة للعمل الاجتماعي.

انتقلت تهاني الى مدينة أم الفحم سنة 1992 بعد زواجها، وعملت في المدينة كمربية للأطفال لمدة ثمانية سنوات لتواجه اول مشكلة حالت بفصلها وتسليم الوظيفة لأخرى من حملة الشهادات العليا. لم تكن هذه الخطوة منهم إلاّ محفزاً لها لتطوير ذاتها، فبدأت من جديد بدراسة موضوع الطفولة المبكرة في كلية بيت بيرل، وبدأت مسيرة البحث عن عمل التي إستمرت طويلا.

كل هذا لم يؤثر على حبها للعطاء وبناء هذا المجتمع ، فجُلّ اهتمامها هو أن تمنح الاطفال الامان, القيم, الاخلاق وان ترسم على وجوههم الابتسامة، وفي محاولة جديدة منها لإيصال رسالتها قامت بالاستعانة بالفن كوسيلة لترجمة مشاعرها الصادقة الحريصة على سلامة اطفالنا, فقامت بتسجيل اغاني تناولت قضية الحذر على الطرق من كلماتها وأدائها، ووقد كشف لنا عن ستار جديد من مواهبها المتعددة فهي تجمع ما بين كتابة الشعر والقصص وغناء الاغاني الهادفة، مما اهلها للاشتراك في العديد من مهرجانات الاطفال والمهرجانات الصيفة كمتطوعة، وهناك لم تتوقف تهاني في كشف المفاجأت بتقديمها لعرض مسرحي ساحر. على اثرها تلقت تهاني عرضا مغريا فيه فرصة استكمال التعليم لموضوع الحذر على الطرق في جامعة بار ايلان ومن بعدها فرصة عمل في هذا المجال, لكن االعراقيل والظروف مجددا تحكم على هذه الفرصة بالضياع.

وبعد ستة سنوات من الانتظار، عرض عليها عملا لا يلائم قدراتها ولا طموحها، فلم تستطع التكيف وبدأت تتمنى إعادة الوقت لزمانٍ كانت فيه هي الزّمان فقد شعرت تهاني حينها بهالة من الاحباط والخذلان تلف بصيرتها فليس سهلا ما يعانيه المرء في صراعه الداخلي المؤلم ما بين القدرات الكامنة داخله، وما بين مجتمع يرفض إحتواءه. ما آلمها هو ضيق اعين المسؤولين فكل ما كانت تريده هو مساحة اكبر لتستعرض قدراتها من خلالها.

وصلتنا تهاني لمركز نهضة للتوجيه والتشغل المهني مشحونة بعبارات اليأس بعد خروجها من سوق العمل لمدة 13 عاما لكنها ما زالت تحتفظ بفتات حلم بتحقيق الذات ففي عينيْها عرفنا فقط أن الحياة ما زالت جميلة وأنّ الأمل لم يمت بعد ..فبمجرد حضورها ساعية وراء فرصة كانت قوة من خلالها بدأنا بالعمل فتهاني ونظيراتها هن العصا التّي عليْها يتكيء المجتمع !

عملنا مع تهاني بثلاث مراحل. الاولى قمنا بدمجها في دورة تطوير الذات، كمحاولة منا لإخراجها من دائرة الاحباط هذه، وتدريجيا نجحنا في تحقيق هذه الغاية، فقمت بتشجعيها للتغلب على هذه المشاعر السلبية، واسترجاع الكم الهائل من الطاقة والحيوية والايجابية الذي تميزت بها.

بعد انتهاء دورة تطوير الذات المجانية التي دمجت بها ومن خلال لقاءات استشارية مع المركزة انتقلنا للمرحلة الثانية بالتواصل مع ادارة بعض البرامج العلاجية في المدينة وفحص امكانية تجنيد تهاني كمرشدة متطوعة للاطفال في برامجهم، تلقينا موافقة وباشرت تهاني بالتطوع. فجاءت المرحلة الثالثة سريعا ففي غضون اسبوع واحد فقط، إنتزعت تهاني قرار تعيينها كمرشدة ضمن الطاقم العلاجي بمهاراتها منقطعة النظير لتصبح اليوم المرشدة الاكثر تميزا وعطاء، كما وتم ترشيحها للعمل في مجال العلاج الفردي بعد ان ابهرت الجميع بأسلوبها في التعامل مع الاطفال والتواصل معهم. تهاني اليوم تؤكد مصداقية هذه المقولة " لا يصل الناس إلى حديقة النجاح دون أن يمروا بمحطات التعب والفشل واليأس، وصاحب الإرادة القوية لا يطيل الوقوف في هذه المحطات"، فهي وبحق كانت صاحبة الارادة القوية، والعزيمة الحديدية التي كسرت كل الحواجز لتنطلق نحو حلمها في حماية ابتسامة طفل يحمل طموحه في حقيبة وتحمل في حقيبتها حلما لتدوين قصصها واغانيها ونشرها بالمؤسسات التعليمية.

كل ما كان ينقص تهاني خلال هذه الاعوام هو يدٌ مهنية رقيقة تٌمسكُ بيدها , تحيطُ بها وتهمسُ في أذن قلبها أنّها هنا جاءت لتساعدها في تفجير طاقاتها واستعراضها والتي من شأنها ان تضمن لها فرصة عمل واسعة بحجم قدراتها .... نعم, وفي جوْف هذه الظروف القاسية ما زال مركز نهضة يهدي منتسبيه شيئاً لا يُضاهيه شيء,تذكروا وان كان البرد يغمرُ المجتمع ففي جوْف مركزنا دفء لا يبرده شيء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة