خطبة الجمعة من كفرقرع بعنوان ‘‘أهمية الوحدة بين المسلمين‘‘
تاريخ النشر: 03/05/11 | 11:56بحضور حشد غفير من أهالي كفرقرع والمنطقة، أقيمت شعائر خطبة وصلاة الجمعة، من مسجد عُمر بن الخطاب في كفرقرع الموافق 25 من جمادي الأول 1432هـ، حيث كان خطيب هذا اليوم فضيلة الشيخ أ.عبد الكريم مصري “أبو أحمد”، رئيس الحركة الإسلامية في كفرقرع، وكان موضوع الخطبة لهذا اليوم المبارك، ‘‘أهمية الوحدة بين المسلمين‘‘، هذا وأم في جموع المصلين، فضيلة الشيخ صابر زرعيني “أبو الحسن”، إمام مسجد عمر بن الخطاب
ومما جاء في خطبة الشيخ لهذا اليوم امبارك، بعد الحمد والثناء على الله عز وجل بما هو أهله:” وبعد، فإن من أكبر المصائب التي ابتليت بها هذه الأمة وفتكت في سواعد قواها، وأطاحت برايات مجدها، الإختلاف والتفرق، أعداؤنا يتعاونون وبينهم خمسة بالمائة قواسم المشتركة، والمسلمون حولنا يتقاتلون، وبينهم خمسة وتسعون بالمائة قواسم مشتركة، وهذه وصمة عار في حقنا، وصدق الله عز وجل إذ يقول: ((يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ)).
أيها المؤمنون، إن من أهم عوامل قوامة أمة من الأمم، الإتحاد، بالإتحاد تنال الأمم مجدها، وتصل إلى مبتغاها، وتعيش حياة آمنة مطمئنة، بالإتحاد، تكون الأمة مرهوبة الجانب، مهيبة الحمى، عزيزة السلطان. أيها المسلمون، يا إخوة الإيمان في كل مكان، نحن في وقت أحوج ما نكون فيه إلى الوحدة وإلى جمع الكلمة، ومن حقنا ذلك، بل هو أمر واجب، وإن الوضع القائم من التفكك والاختلاف ينذر بتطاير ريح المسلمين، والله سبحانه وتعالى يقول:((وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ))، نتيجة التنازع الفشل.”.
وأردف الشيخ قائلاً:” أيها المؤمنون، إن تنمية الوعي بأهمية وحدة المسـلمين كما يأمرهم الإسلام هي النقطة الأساس الأولى في سبيل التغلب على الواقع المؤلم الذي أوجده هذا التفرق.
لقد نقلت المسلمين من القوة إلى الضعف، ومن الغنى إلى الفقر، ومن الأخوة إلى العداوة، وولدت بينهم بؤراً بركانية قابلة للإنفجار في أي لحظة.
أيها الإخوة، إن أول ما نتحدث عنه في هذه الخطبة، هو حكم الوحدة بين المسلمين، قد يقول قائل: وهل يحتاج هذا السؤال إلى جواب، ثم هل يحتاج الجواب إلى برهان، وهل يحتاج البرهان إلى بيان.
وشدد الشيخ بحديثه بالقول:” نعم أيها المؤمنون، نحن بحاجة ماسة إلى بيان حكم الوحدة بين المسلمين، إن واقع المسلمين اليوم، يشهد شهادة لا ريب فيها، أنهم في غفلة تامة عن حكمها، فضلاً عن عجزهم عن تطبيقها، أو السعي إليها، والقليل منهم الذي وفقه الله لإدراك أهميتها، فعمل من أجلها وجاهد في سبيل تحقيقها.
حرموا هداية دينهم وعقولهم هذا وربك غاية الخســران – تركوا هداية ربهم، فإذا بهم غرقى من الآراء في طوفان – وتفرقوا شــيعاً بها نهجهم من أجلها صاروا إلى شنآن. إننا نشاهد بأم أعيننا فئات من إخوة لنا لا همَّ لهم إلا تفريق المسلمين، وبث بذور الاختلاف بينهم، ونراهم لاهثين في البحث عن كل ما من شأنه تشتيت ما بقي من أشلاء هذه الأمة إلى مِزق، من تجمعات محدودة لا تتطلع إلى علياء، ولا تنظر إلى أبعد من أنفها، ولا تجاوز أخمص قدميها. وإن لنا كذلك إخوة يسعون في الأرض يظنون أن الأصل أن تكون كلمة المسلمين شتى.
وتابع الشيخ حديثه بالقول:” أيها المؤمنون، إن أهم خصائص هذه الأمة أنها أمة واحدة، قال الله عز وجل:((وَإِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وٰحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱتَّقُونِ))؛ ولذلك فإننا نقول: الوحدة بين المسلمين واجبة، بنصوص القرآن والسنة.
لقد تنوعت أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة، فتارة تأمر بالوحدة أمراً صريحاً كما في قول الله عز وجل: ((وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُم أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُمْ مّنْهَا كَذٰلِكَ يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءايَـٰتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ))، قال القرطبي رحمه الله: “فإن الله تعالى يأمر بالألفة وينهى عن الفرقة، فإن الفرقة هلكة، والجماعة نجاة”، ورحم الله ابن المبارك حيث قال: إن الجماعة حبـل الله فإعتصموا منه بعروته الوثقى لمن دانا. وأخرج الطبري عن عبدالله بن مسعود قال: (حبل الله الجماعة).
في صحيح مسلمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: ((إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا ولا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ)).
وتارة تأمر بتحصيل أمور لا يمكن أن تحصل إلا بالوحدة: قال الله عز وجل: ((إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ))، وقال جل وعلا:((فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ))، لم يقل الله عز وجل إنما العائلة الفلانية، أو أبناء القبيلة أو البلد الفلانية، أو أبناء الدولة الفلانية، أو أبناء الحركة الفلانية، إنما المؤمنون إخوة.”.
وعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ((لا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)) رواه الإمام أحمد، وأصله في صحيح مسلم عن أبي هريرة.
وقال الشيخ:” فهذه الأدلة تأمر المسلمين بالأخذ بكل ما يزيد المحبة بينهم، والنهي عن كل ما يولد البغضاء في صفوفهم، وتأمرهم صراحة بأن يكونوا إخوة، ولا يمكن للمسلمين أن يكونوا إخوة إلا إذا كانوا متحدين، فإن الأخوة ضد الفرقة والإختلاف.
أيها المؤمنون، ومن أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوب الوحدة بين المسلمين النهي الصريح عن الإفتراق والإختلاف الذي هو ضد الوحدة والإجتماع.
قال الله عز وجل: ((وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ)). قال الطبري:” يقول تعالى ذكره للمؤمنين به: أطيعوا أيها المؤمنون ربكم ورسوله فيما أمركم به ونهاكم عنه ولا تخالفوهما في شيء، ولا تنازعوا فتفشلوا، يقول: ولا تختلفوا فتفرقوا وتختلف قلوبكم فتفشلوا، يقول: فتضعفوا وتجبنوا وتذهب ريحكم”.
أخرج الطبري عن ابن عباس في قول الله تعالى: ((وَلاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ ٱلْبَيّنَـٰتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ))، قال:في هذا ونحوه من القرآن أمرَ الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة فنهاهم عن الاختلاف والفرقة وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله.
عن زَكَرِيَّا بْنَ سَلَّامٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ وَهُوَ يَقُولُ: ((أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ)) ثَلَاثَ مِرَارٍ، قَالَهَا إِسْحَاقُ. وعن النعمان بن بشير عن رسول الله قال: ((الجماعة رحمة، والفرقة عذاب)).
وأضاف الشيخ قائلاً:” وكان سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه يقول:” إن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة” لأن يد الله على الجماعة ومعها. فإذا كانت يد الله على الجماعة ومعها فإن الإنسان يحب أن يكون في ظلّ يد الله تبارك وتعالى، وفي ظل رحمة الله تبارك وتعالى، وفي رضوان الله تبارك وتعالى، حتى وإن خالف من حيث الظاهر مراده الباطن. وقد كان سيدنا أبو بكر يصلي في الناس الظهر والعصر ركعتين ركعتين، وكان سيدنا عمر يصلي بالناس ركعتين ركعتين، وهما بهذا يقتديان برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي صلى بالناس ركعتين ركعتين، ولكن سيدنا عثمان رضي الله عنه خشي أن يتوهم الناس بهذا أن قصر الصلاة فريضة في مِنى، فـأراد أن يصلي بالناس أربعًا حتى يبين لهم أن القصر جائر وليس فريضة. فأنكر سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ذلك (أي: أن يصلي عثمان في منى أربعًا) وقال: صليت خلف رسول الله ركعتين، وصليت خلف أبي بكر ركعتين، وصليت خلف عمر ركعتين.. لكنه قام بعد ذلك واقتدى بعثمان وهو يصلي أربع ركعات، فقالوا له: يا صاحب رسول الله، أنكرت على عثمان أن يصلي أربعًا، ثم قمت واقتديت به وهو يصلي أربعًا؟ فقال:”نعم إن الخلاف شرّ”. وهكذا اقتدى الصحابيّ الجليل بإمام المسلمين عثمان رضي الله عنه ولم يُقم جماعة خاصة مناهضة أو معارضة، لأنه أراد أن يوافق في سلوكه سلوك المسلمين عامة.
وأدرف الشيخ قائلاً:” عباد الله، قد حذر الله عز وجل هذه الأمة من محنة الفرقة وبين لهم أنـهـا هـي الـسبب الـمباشر في هلاكها فقال عز وجل:((قُلْ هُوَ القَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً ويُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كـَـيْـفَ نُـصَـرِّفُ الآيَاتِ لَـعَـلَّـهُـمْ يَفْقَهُونَ)).
ومن أساليب القرآن في الحث على الجماعة ـ وإن كان لا يفيد الوجوب مباشرة ـ أن الله جعل من أخص صفات المؤمنين أنهم أولياء بعض قال الله عز وجل: ((وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)). والولاية ـ يا عباد الله ـ هي النصرة والمحبة، والإكرام، والاحترام، والكون مع المحبوبين ظاهراً، وباطناً.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) وقال: ((المسلم أخو المسلم)). ومن أساليب الشريعة في الحث على الوحدة بين المسلمين تحذير الشريعة من الشذوذ ومفارقة الجماعة، ففي سنن الترمذي عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ بِالْجَابِيَةِ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ فِينَا، ثم ذكر خطبة جاء فيها ((عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُرْقَةَ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ، مَنْ أَرَادَ بُحْبُوحَةَ الْجَنَّةِ فَلْيَلْزَمْ الْجَمَاعَةَ، مَنْ سَرَّتْهُ حَسَنَتُهُ وَسَاءَتْهُ سَيِّئَتُهُ، فَذَلِكُمْ الْمُؤْمِنُ)).
وعن أبي الدرداء وقال:((ما من ثلاثة لا تقام فيهم الصلاة إلا وقد إستحوذ عليهم الشيطان، فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية القاصية)). حتى الصلاة يجتمع لها كل يوم خمس مرات، من أهدافها تثيت الألفة بين الناس. ونهت الشريعة أن يهجر المسلم أخاه المسلم، وأمرت بإفشاء المسلمين بينهم، من أجل إشاعة المحبة، وأمرت بصلاة الجماعة ولم تعذر أحداً في التخلف عنها إلا في أشد الظروف، ونهت أن يسافر الرجل وحده، وأن يبيت وحده.
وتابع الشيخ حديثه بالقول:” أيها المؤمنون، ولولا أن الاتحاد ذو منافع عديدة، وفوائد كثيرة، لم يوجبه الله عز وجل، ولهذا فإن وجوب الوحدة بين المسلمين يستدل عليها بالعقل الصحيح مع النقل الصريح الصحيح.
إن العقلاء من كل ملة ونحلة في القديم والحديث اتفقوا على أن الوحدة سبيل العزة والنصرة، فهذا معن بن زائدة الذي وصفه الذهبي بقوله: أمير العرب أبو الوليد الشيباني أحد أبطال الإسلام وعين الأجواد يوصي أبناءه عند وفاته بقوله: كونوا جميعا يا بني إذا إعترى خطب ولا تتفرقوا آحادا – تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا.
أيها المؤمنون، إن التاريخ يشهد أن من أهم أسباب سقوط الدول على اختلاف عقائدها ومللها التفرق والاختلاف، سقطت الخلافة العباسية بعد أن تفرقت الدولة الإسلامية في ذلك الوقت، ولم يبق للخلافة العباسية إلا مزع متفرقة متناثرة من العالم الإسلامي، فلما زحف المغول إلى بغداد لم يقف في وجه زحفهم غير أهل بغداد فقط، حتى قتلوا أكثر من ثمانمائة ألف نسمة، كما قال غير واحد من المؤرخين.
وسقطت الدولة الإسلامية في الأندلس بعد أن أصبحت دويلات متفرقة متناحرة، لا همّ لأحدهم سوى التلقب بألقاب الملك والسلطان حتى ولو كان على بقعة لا تجاوز حظيرة خراف. ولم تسقط الدولة العثمانية إلا بعد أن تمزق جسدها إلى أشلاءَ متناثرة، وبعد أن أغرى الصليبيون الجدد بعض زعماء المسلمين بالإنفصال عنها، وأحسنوا إتقان العمل بقاعدة: فرِّق تسُد، وهاهو العالم الإسلامي اليوم منقسم إلى دويلات متناحرة، تعيش على هامش التاريخ، وتتجرع ألوان الهوان.
إن العالم الإسلامي بتفرقه وتنازعه لا يشكل أي هاجس خوف لأحد، لكن العالم الغربي الصليبي يخشى أن يستيقظ المسلمون من نومهم، فيسارعوا إلى الأخذ بأسباب القوة، والعودة إلى الوحدة. وتجنباً لذلك فإنه يحاول بكل جهد أن يقضي على كل منفذ يمكن أن يسلكوه، فيعود بهم إلى سابق عزهم وسالف مجدهم.
وتابع الشيخ:” وصدق الله عز وجل إذ يقول:((إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا))، قال قتادة: الحسنة هي الألفة والجماعة، والسيئة: الفرقة والإختلاف. إن الغرب النصراني يعمل جاهداً على تغذية كل سبب يغذي الفرقة بين المسلمين، ويكرس تباعدهم، ويزيد من تناحرهم.
وأردف الشيخ قائلاً:” فإنا نبارك لأهلنا ولإخواننا في الضفى الغربية وقطاع غزة، على المصالحة، وإتفاقية الوحدة، ونسأل الله العلي القدير أن يوفقهم لما يحبه ويرضاه..”.
لقد كثر الحديث عن دويلة في شمال العراق، وآخرى في جنوب السودان، ودويلات في جنوب لبنان، ولم يغمض لأوروبا جفن إلا بعد انقسمت البوسنة والهرسك، وبدأت بقع من إندونيسيا بالإنفصال، وهكذا. وفي المقابل (أعداء الأمة) ها هي أوروبا تسعى بكل ما تستطيع لتحقيق أكبر قدر من الوحدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية، الإتحاد الأوروبي، اليورو.”.
وأضاف الشيخ:” أيها المؤمنون، هذه الحقائق عن المصالح التي تؤدي إليها الوحدة، وهذه المفاسد التي تدفعها من أدلة وجوب الوحدة، فالشريعة الإسلامية جاءت لتحصيل مصالح العباد في الدارين، وتحصيل هذه المصالح يكون بتحقيق أي أمر يجلب المصلحة، ويدفع المفسدة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وعليه فإننا نقول: إن وجوب تحقيق الوحدة بين المسلمين ثابت بنصوص الكتاب والسنة المتضافرة المتآزرة، وهذا الوجوب ثابت أيضاً بالعقل والنظر الصحيح.”.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: “وهذا الأصل العظيم وهو الاعتصام بحبل الله جميعاً، وأن لا يتفرق، هو من أعظم أصول الإسلام، ومما عظمت وصية الله تعالى به في كتابه، ومما عظم ذمه لمن تركه من أهل الكتاب وغيرهم، ومما عظمت به وصية النبي في مواطن عامة أو خاصة، مثل قوله: ((عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعةأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، إنه غفور رحيم…”.
ومما جاء في خطبة الشيخ الثانية:” الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..، وبعد؛ أيها المؤمنون، لقد أمرنا الله عز وجل بذلك قال الله عز وجل:((وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ))، وقال جل وعلا:((شَرَعَ لَكُم مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ)). أورد ابن كثير في تفسير هذه الآية قول ابن عباس السابق: (أمر الله جل ثناؤه المؤمنين بالجماعة فنهاهم عن الاختلاف والفرقة، وأخبرهم أنما هلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين.
أيها الإخوة، لا يقال: إن هذا الكلام قاله علماء سابقون لم يعيشوا في وقت تفرق الأمة وهوانها، بل عاشوا في وقت من أحلك أوقات الأمة وأشدها، في القرنين الرابع والخامس الهجريين.
وتابع الشيخ: “وفي الوقت الحاضر يقول سيد قطب رحمه الله: (بذلك أغلق الله سبحانه مداخل الشيطان كلها، وبخاصة ما يبدو منها خيراً، وتأليفاً للقلوب، وتجميعاً للصفوف.
وأردف الشيخ قائلاً:” كل يرى رأيا وينصر قولـه ولو يعادي سائر الإخوان – ولو أنهم عند التنازع وفقـوا لتحاكموا لله دون تــوان – ولأصبحوا بعد الخصام أحبة غيظ العدا ومذلة الشيطان.
ووجه الشيخ نداءً لأهلنا في الداخل اللسطيني 48، قال فيه:” نناشد أبناء هذا الوطن في ال 48، قادةً للحركات والأحزاب، وكل في موقعه أن يعملوا جاهدين لرص الصفوف والوحدة، حتى ننعم برضى الله ويتغير هذا الوضع القائم، قتل وإعتداءات وبلطجة، حتى نغيظ العدا. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو السبيل إلى الوحدة الحقة، المبنية على الكتاب والسنة، فبه نعرف مواطن الخلل فنتجنبها، وبه يحدث التكامل بيننا، وبه نزداد تمسكاً بمحور وحدتنا وعقيدتنا.
وقال الشيخ:” أيها الإخوة، إنه مما يؤسف له أن نرى العالم يتجه إلى عولمة العالم، حيث عالم واحد تذوب بينه الحدود وتتلاشى بينه الفوارق، ونحن لا زلنا غارقين في خلافات تافهة، وصراعات سخيفة. فتفرق الأعداء بعد مودة صعب فكيف تفرق القرباء. أيها المؤمنون، إن مالا يدرك كله لا يترك جله، والأمر يحتاج إلى تدرج، أخرج الطبري بسنده عن قتادة قال: بلغنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في حجة حجها رأى من الناس رعة، أي هيئة معينة، فقرأ هذه الآية:((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)) ثم قال:((من سره أن يكون من هذه الأمة، فليؤد شرط الله فيها)).
عن حذيفة بن اليمان مرفوعاً:((والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه، فلا يستجاب لكم.
وتابع الشيخ:” أيها الأخوة، علماء المسلمين دعوتهم واحدة، أهدافهم واحدة، حاول أن تثير النقاط المشتركة، ليس منا من فرق، يجب أن تبحث مع أخيك المؤمن عن القواسم المشتركة، هذه توحدنا، وهذه تقوينا، وإذا كان عندك مأخذ لطيف على أخيك بلطف بالغ، وبينك وبينهم، نبهه إلى هذه الملاحظة، النصيحة واجبة، لكن النصيحة بينك وبينه نصيحة، لكن النصيحة بينك وبينه أمام الناس فضيحة، هذه تسبب توترات، تسبب شدة نفسية، لذلك المؤمن ينصح ولا يفضح، يؤلف ولا يفرق، يوحد ولا يشتت..”.
وإختتم الشيخ خطبته بالتطرق لبعض الأمور على وجه السرعة:” ما زلنا نعاني في قرانا ومدننا من ظواهر العنف والإعتداءات لا على شيء، وقد إستنكر الشيخ الإعتداء على أحد محلات القرية، والتي تم إلقاء قنبلة عليها صبيحة يوم الجمعة الحالي التابعة للأخ عمر خلف..، كما وتحدث الشيخ عن قضية شد الرحال للمسجد الأقصى المبارك في الأسبوع القادم، للرباط فيه ما بين صلاتي المغرب والعشاء، وأخيراً ذكر الشيخ عمل جمعية البلد الإسلامية التي ترعى المشاريع الإغاثية وغيرها في القرية على مدار الساعة، وضرورة دعمها من أجل الإستمرار في جهدها المبارك إن شاء الله رب العالمين..”.