*هاني أبو أسعد و فيلم "عُمَر" المحطة الأخيرة للجيل الثاني في السينما الفلسطينية (1)
تاريخ النشر: 28/05/13 | 23:10منذ مدة طويلة لم أكتب عن مخرج بشكل خاص, فقد تابعتُ السينما الفلسطينية من نظريات, مقالات, محاضرات وتحليل, بعدها تابعت السينما الإسرائيلية بنقد عام مباشر ولاذع طبعاً, لذلك لم يشغلني المخرجين – المخرجات الفلسطينيين أو أعمالهم الروائية والوثائقية, فلا يمكن أن نسميها أعمالاً "سينمائية فلسطينية" أو مشاريع سينمائية تكون مدرسةً سينمائية يستفيد منها الجيل الثالث والجيل الرابع في السينما الفلسطينية ولربما تخترق السينما العالمية وتُدَرس كسينما لها خاصيتها باللغة الفنية, اللغة السينمائية, التمثيل السينمائي, المونتاج السينمائي, الجماليات السينمائية, الرموز السينمائية وباقي عناصر السينما, كفن للتدريس وليس فن إستعراضي ترفيهي أو تجاري كما يفعل أغلب صُناع السينما الفلسطينية.
لا يمكن للفن الفلسطيني عامةً والسينما الفلسطينية خاصةً أن تكون ترفيهية أو تجارية, يصٍحُ القول أنها لا يعقل أن تكون إستعراضية لأنها تحمل قضية, لا أقصد فقط القضية السياسية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بالتعبير عن ذاته, بل أكثر من ذلك, فالقضية هي قضية ثقافية تمثل هوية شعب واحد له مسرح, لوحات, موسيقى, فلسفة, أدب, شعر وسينما تُعَرف كلها حين تظهر على منصة ما "فلسطينية", وهنا يأتي دور الفنان الفلسطيني كي يعزل هذة الكلمة ويأخذها ما بعد الأضواء والجوائز العالمية.. ما بعد العمل الفني المشرذم بلغته الفنية الأصيلة.. ما بعد تأثيرات الممول.. ما بعد ضغوطات الناقد الغربي.. ما بعد الرأي العالمي.. ما بعد تصفيق الجمهور.. ما بعد.. ما بعد..
بالطبع يهمنا الرأي العام لفيلم عمر(سأُحلل الفيلم في مقالة 2), فبدون الرأي العام تفقد القضية الفلسطينية جزء من هويتها لأنها ترعرعت خارج فلسطين, لكن علينا ألا نتنازل في محطات حياتنا الفنية إذا كان فننا وأفلامنا تحمل رسالة أخلاقية, يجب التمسك بقيمة الرسالة إذا وجدت وتطويرها, أقصد هنا تغيير المواقف لدى الفنان الفلسطيني, المخرج الفلسطيني, كاتب السيناريو الفلسطيني وباقي طاقم العمل, فنرى مرةً تمويل فيلم فلسطيني أوروبي ومرة تمويل فيلم فلسطيني عربي ومرة تمويل فيلم فلسطيني أمريكي ومرة تمويل فيلم فلسطيني إسرائيلي, هذه التنازلات والمساومات قد أثرت على قيمة الفن الفلسطيني السينمائي, فأصبحت قضية التنازل عن جزءاً من روح العمل الفنية هي الأخطر على السينما الفلسطينية في الثلاثين عام الماضية, بالتحديد منذ الفيلم الروائي الأول "الذاكرة الخصبة" لميشيل خليفي, فيلم نظر الى الفلسطيني بإنسانه ومكانه نظرة تباعد وإشفاق ولم يخرج من نواة المجتمع الفلسطيني كما هو مطلوب.
كي لا نتبعثر ونطرح التساؤلات الدقيقة حول موضوع هوية السينما الفلسطينية وأهمية الرأي العام, سنركز هنا على المخرج هاني أبو أسعد(ليس فيلم عمر) وسنسرد بعض من سيرته الذاتيه منذ بدأ صناعة الأفلام, فالتاريخ هو بوصلةٌ جيدة لفهم الواقع وتحليله بشكل صحيح كي نصل لحقيقة ما نبحث عنها. هاني أبو أسعد من مواليد الناصرة(مناطق 48) يحمل جنسية إسرائيلية, هاجر الى هولندا لدراسة الهندسة وهناك تعرف على مجال السينما وبدأ العمل فيه, مع مرور الوقت إكتسب شهرته العالمية, أخرج عدة أفلام شاركت في مهرجانات عالمية وتظاهرات سينمائية مركزية في جميع دول العالم العربية والأجنبية, من أهم أعماله فيلم "الجنة الاَن" أنتج عام 2005 وكان مرشح لجائزة الأوسكار الأمريكي. في هذا العام وقبل أسبوع تقريباً حاز هاني أبو أسعد مع فيلم "عُمر" على جائزة النقاد في مهرجان كان الدولي للأفلام.
نحن ندرك المساحة الكبيرة التي تحتلها "اللعبة السياسية" في المهرجانات وشركات الإنتاج السينمائي, لكن للأسف هاني أبو أسعد ومعه الكثير من المخرجين الفلسطينيين العالميين لم يتمسكوا بقيمة الرسالة وكانت مواقفهم الأخلاقية ضعيفة أما الرأي العام, البعض بسبب عدم وعيهم أو عدم نضوجهم السياسي والبعض الاَخر بسبب طلب من الممولين والمنتجين, وأبو أسعد يظهر هنا كحالة خاصة وظاهرة في السينما الفلسطينية, فمن خلال لقاء شخصي به في الناصرة تحدثنا بجدية عن أهمية "إنتاج فلسطيني" وأن عليه أن يكون "أب" مخرج ومنتج للمخرجين الفلسطينيين من الجيل الثالث والرابع, وأيضاً كما ذكرت في كتابي "الموجة الجديدة في السينما الفلسطينية" الذي صدر هذا العام, فقلت أن أبو أسعد كان يحمل هم الإنتاج السينمائي الفلسطيني لكنه لم يعمل بقدر كافٍ كي يحققه ويؤسس "سينما فلسطينية شابة".
إذاً فتاريخ أبو أسعد تأرجح ما بين العمل السينمائي الفلسطيني الفردي وتغيير المواقف حسب طلبات المنتجين, الممولين, المهرجانات العالمية والرأي العام.. وثانياً بعد أن كان مع فيلم "الجنة الاَن" في أهم تظاهرة سينمائية في العالم على منصة الأوسكار الأمريكي(رغم التحفظات), فالموقف المطلوب عدم التنازل لمهرجانات أخرى أقل أهمية ولا تخدم الرأي العام السياسي تجاه القضية الفلسطينية والسينما الفلسطينية, وغيرها من التقلبات السياسية والتغييرات في سيناريوهاته والنسخة الأخيرة في بعض أفلامه, منها ما ذكرته في كتابي ومنها لم يذكر بعد, بسبب الهدف على وحدة الصف السينمائي الفلسطيني وتقديراً لرموزنا وأعلامنا السينمائية كميشيل خليفي, رشيد مشهراوي, إيليا سليمان, مي المصري وغيرهم من رموز السينما الفلسطينية الذين حققوا شهرة عالمية نفتخر بها ونؤكد على أهميتها الثقافية, لكن وضع وحدة الصف السينمائي الفلسطيني سيء, إذ لا يوجد هناك أي رابطة, نقابة, جماعة, إطار أكاديمي, شركة إنتاج أو أي مبادرة تتيح المجال للسينمائيين الفلسطينيين اللقاء, بحث أوضاعهم والأهم بحث وضع السينما الفلسطينية بأفلامها وصناعها من أجيال مختلفة, الذين يزداد عددهم بتسارع عاماً تلو الاَخر, فالنتيجة تهافُت الأفلام بكميات كبيرة على الجمهور الفلسطيني دون متابعة.
نتسائل إذا:
– هل هاني أبو أسعد هو ظاهرة مميزة في السينما الفلسطينية؟
– هل هاني أبو أسعد هو المحطة الأخيرة للجيل الثاني في السينما الفلسطينية؟
في ختام هذه المقالة نُذَكٍر أن "المشروع السينمائي الفلسطيني" ما زال في إطار الأعمال الفردية والأفلام الخاصة بمخرجيها, لم يتناول أي مشروع سينمائي فلسطيني منذ سينما الثورة أي خطة عمل أو رؤية تذكر, الأعمال الفيلمية لا يمكن الإلتفاف حولها لتحقيق وحدة الصف السينمائي الفلسطيني وخاصة في الجيل الثاني للسينما الفلسطينية, الجيل الذي كان من واجبه تأسيس مدرسة فلسفية, سياسية, إجتماعية وفنية للجيل الثالث والجيل الرابع.. أجيال ما زالت تبحث عن هويتها داخل صناعة سينما جديرة بالإهتمام والمتابعة تنظيراً وإنتاجاً.
*هاني أبو أسعد, ولد في 11 أكتوبر عام 1961, مخرج فلسطيني – هولندي من الناصرة, أخرج فيلم الجنة الآن Paradise Now الذي يتحدث عن رجلين فلسطينين يجهزون أنفسهم للتفجير داخل إسرائيل, والذي حصل على جائزة جولدن جلوب لأفضل فيلم أجنبي في عام 2006. وحصل على جائزة أوسكار وترشيح من نفس الفئة, وحصل على جائزة العجل الذهبي في هولندا كأفضل فيلم هولندي.
**عنان بركات: سينمائي فلسطيني من مناطق ال48, مؤسس المدرسة العربية الفلسطينية للسينما, مدير المركز العربي للسينما ومؤلف كتاب "الموجة الجديدة في السينما الفلسطينية", دار الجندي, القدس المحتلة 2013