معركة التهجير والصمود في القدس
تاريخ النشر: 30/09/15 | 13:11بضع درجات تصعدها في زقاق عقبة الخالدية في البلدة القديمة في القدس المحتلة، فتنظر إلى يمينك لتجد بابًا رماديًا مهترئا تعيش خلفه 4 عائلات عربية وأسرتان يهوديتان. وتنظر إلى يسارك فتجد فناء بمساحة ثلاثة أمتار مربعة تستخدم لنشر الغسيل تتشارك عليها 9 عائلات. وأمامها باب صغير أزرق اللون يؤدي لسكن 5 عائلات مقدسية أخرى، ومن فوقها كنيس يهودي يحجب نور الشمس، و14 بيتا يهوديا مبعثرا حولها يزيد الليل كحلة وسوادا.
هنا في هذه المنازل، تجري أحداث فصل آخر من فصول معركة التهجير والصمود في القدس المحتلة، أحد أبطالها نسيم أبو رجب وعائلته، الذي يعيش في بيت ورثه عن جده منذ حوالي 120 عاما، قبل أن يفسد سعادتهم بناء كنيس يهودي وتغلغل المستوطنين في الحي.
يقول أبو رجب لكيوبرس، إنه يعيش في هذا المنزل منذ 35 عاما، قبل أن يحتل المستوطنون المنزل الذي يقع فوقه، ويعتدوا على ساكنيه ويقتلوا “أم رائد” صاحبة المنزل، مبينا، أن القصة وقعت قبل عقود حين كان عمره خمس سنوات، ومايذكره منها أن “أم رائد” رفضت ترك منزلها فتعرضت لعدة طعنات أدخلتها في غيبوبة أدت في النهاية لارتقائها شهيدة.
وانتهت أيام حسن الجوار بالنسبة لعائلة أبو رجب، وغاب شركاؤهم في الحزن والفرح وفي كل شيء، فمنذ تلك الواقعة التي تبعها بناء كنيس يهودي بمساحة تتسع لثلاثة الاف شخص باتت الحياة صعبة ومليئة بالمتاعب، وفقا لنسيم.
ومنذ عام 1990 ومع اشتداد أحداث الانتفاضة الاولى؛ أحرق المستوطنون منزل نسيم سبع مرات، ما أجبر العائلة بعد أحد الحرائق على العيش في سوق القطانين لمدة 47 يوما، ثم تسييج نوافذ المنزل لتصير أشبه بنوافذ زنزانة في محاولة تجنب الاعتداءات التي تنوعت بين الرشق بالحجارة وإلقاء قنابل المولوتوف.
لم تفلح هذه المحاولة في منع إيجاد المستوطنين أساليب للتنكيل بالعائلة وإلحاق الضرر بها، ومن هذه الاساليب احراق الملابس التي تركت على حبال الغسيل ليلا أو إلقاؤها أرضا، ما دفع العائلة لتسييج الساحة المحيطة بالبيت كاملة في محاولة أخرى لتجنب اعتداءات يقول نسيم إنها لم تجد رادعا لها من قبل سلطات الاحتلال.
ويشير نسيم، إلى أن المستوطنين كلما سمعوا صوت الاذان استهزؤوا به، وكلما حانت صلواتهم في أعيادهم أو الأيام العادية يؤدونها بصوت عال جدا حتى ساعات الفجر، مضيفا، “لو حاولنا إبلاغ الشرطة بانزعاجنا يكون الرد: لا نستطيع منعهم، هذا عيدهم”.
لكن في المقابل، فإن الشرطة ذاتها التي تؤمن الاحتفال بالعيد وتبرره برغم كل إزعاجاته، تمنع إقامة عائلة أبو رجب الأفراح في أي مناسبة دينية كانت أو عائلية دون تصريح رسمي منها، وفي كل الأحوال يتضمن هذا التصريح شرطا بإنهاء الحفل عند الساعة الحادية عشرة فقط.
ولا تقتصر هذه القيود على تحديد سقف زمني للاحتفال. ويوضح نسيم، أن القيود تشمل منع تعليق الزينة في عيد الأضحى وعيد الفطر، ومنع إقامة أي مظاهر للاحتفال بعودة حاج أو معتمر، بالإضافة لمنع ذبح الأضاحي، مضيفا، أن كل من يخالف ذلك يتم تغريمه بـ 45 ألف شيكل وتصادر أضحيته.
ويبين نسيم، أن الأطفال لا يسلمون بدورهم من اعتداءات المستوطنين وشرطة الاحتلال، وحتى المتنفس الوحيد لهم أمام البيت للعب فيه باتوا يخشون الاقتراب منه، منذ أن خطف مستوطنون ابنه وحبسوه داخل الكنيس، ورشوا مبيدا للحشرات في وجه ابنته الأخرى.
ويشير إلى أن المستوطنين ألقوا “طوبة” على رأس والده بعد أن رفض عرضهم ببيع البيت لهم مقابل شيك مفتوح، وهي خاتمة الحكاية وملخصها، فالقصد هنا تهجير العائلة، ورد العائلة الوحيد هو الرفض والصمود، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
كيوبرس – ريم الهندي