إتفاقية “الإسفين” مكاسب إسرائيل وخساراتنا
تاريخ النشر: 01/10/15 | 9:50بدايةً اسمحوا لي أن أسمي الإتفاقية الموقعة بين وزارات اسرائيل والأمانة العامة للمدارس الكنسية ب “إتفاقية الإسفين”، إذ نجحت إسرائيل بدق إسفين غليط في جسد وحدة الجماهير العربية فيها.
بنظري الإتفاقية برمتها مبينة من بندين أسايين وهما
• بند تحويل مبلغ 50 مليون شيكل للمدارس الكنسية من خلال المؤسسة الكنسية عبر ما يسمى بوزارة “المساواة الاجتماعية”
• وقف الإضراب والإلتزام بعدم الإضراب لمدة طويلة ما يعرّف بهدوء صناعي
أما بقية البنود فأعتبرها بنودًا تجميلية، تماما كما هو حال الماكياج لا يغير بجوهر صاحبه. كان بالإمكان تحصيل البنود التجميلية دون إضراب بل بعمل سياسي بسيط، أو ضغط اجتماعي أو حتى بالتوجه للقضاء.
من المعطيات المنشورة بدائرة الإحصاء التابعة للكنيست، تشير أن طلاب المدارس الأهلية الكنسية يشكلون نحو 17% من مجمل الطلاب بالمدارس المعترف بها وغير الرسمية، بينما نسبة الطلاب اليهود المتدينين نحو 77%، ومجموعهما سوية 94%. أما عدد الطلاب المتبقي فهو 3000 طالب تقريبا وذلك باستثناء طلاب الرئيالي (نحو 4000 طالب يدفعون 17000 شيكل قسط سنوي، وخسروا معركة قضائية بمحكمة العدل العليا)!
“خوف” الوزير بينت من مدارس ال 3,000 طالب المتبقين. نكتة بايخة غير مضحكة، لكنها استعملت كأداة ضغط وتبرير للعبة كبيرة لعبتها ثلاث وزارات – التربية والتعليم، المالية ووزراة المساواة الإجتماعية. وسآتي على تحليلها فيما يلي.
اللعبة التي لعبها الوزير بينت بتبرير “خوفه” من بقية المدارس كانت السبب لنص الإتفاقية بصيغتها المشؤومة والتي تنص على تحويل مبلغ بقيمة 50 مليون شيكل للطائفة المسيحية وذلك عبر وزارة المساواة الإجتماعية. الحقيقة أن لإختلاق “خوق” وخلق قناة عبر وزارة أخرى كانت لأهداف عميقة وخبيثة تصب في صالح إسرائيل على حساب الجماهير العربية في البلاد. لن تقبل محاولات الكثيرون إقناع أنفسهم وإقناعنا أن المصطلحات جاءت لتحل اشكاليات قانونية وأنها ليست سوى مخرجًا قانونيًا لوزارة التربية والتعليم.
اليكم تحليلي حول مكاسب اسرائيل ومخاسر المجتمع العربي من هذه الإتفاقية المشؤومة – إتفاقية الإسفين. وفي صلبها تمزيق النسيج الاجتماعي من خلال مصطلحات طائفية، تبييض صفحة إسرائيل عالمياً، إضعاف المدارس الأهلية وتعزيز موقف دعاة التجنيد.
مكاسب اسرائيل تندرج بالشكل التالي:
1. نجحت إسرائيل بدق إسفين غليظ بعظام وحدة الجماهير العربية في البلاد، فهي الأكثر وعيًا واستغلالًا لحساسية المنظقة عامة وحساسية مجتمعنا خاصة بعد إفرازات الإنتخابات البلدية بمدينة الناصرة وتداعياتها قطريًا. فكان استعمال مصطلح “الطائفة المسيحية” بالإتفاقية وفرض “المخرج القانوني” حجة لتكريس الحس الطائفي الممقوت. وقج رأينا وتابعنا ارتدادات رافضة وأخرى مبررة لهذا “المخرج”، بل ذهب البعض لما أبعد من ذلك وهو تحوين الأمانة العامة واتهامها بالطائفية وارتفع السجال بين أبناء الشعب الواحد تمامًا كما هو هدف اللعبة غير المعلن.
في طبيع الحال فقد وقعت الأمانة العامة تحت ضغط ثلاثي
– إما قبول المبلغ وصيغة الاتفاقية كرزمة واحدة
– ضغط الأهالي بطلبهم وقف الإضراب
– حساب البنك والمعاشات التي يجب صرفها لآلاف الموظفين
الضغوطات الثلاث كانت عاملا مفصليا بقبول الاتفاقية بصيغتها الموقعة.
2. تبييض صفحة اسرائيل عالميًا، إذ أن “إتفاقية الإسفين” تعتبر تكملة الخطاب الطائفي من بيت رئيس الحكومة – نتنياهو – إذ عبّر بالأيام الأخيرة عبر صفحته بالفيسبوك عن “فخره بأن الطائفة المسيحية تكبر وتنمو وتنعم بمناعم دولة إسرائيل على خلاف الدول المجاورة إذ يلاحق المسيحيين فيها ويقتلون ويشردون”. استكمالًا لخطابه الطائفي، سيكون “الطائفة المسيحية تنعم بدعم وميزانيات تكرس لها خصيصًا، ومن ضمن محاولات تعزيز مكانة الطائفة المسيحية، صرف وزارة المساواة الاجتماعية مبلغ بيقمة 50 مليون شيكل لصالحلها (لطائفة المسيحية)”.
طبعًا تحويل المبلغ سيسجل بشكل رسمي على أنه دعم للطائفة المسيحية – شئنا أم أبينا – وسيتم استعمال المعطى الرسمي اليوم وغدًا وبالسنوات القادمة….
3. إضعاف المدارس الأهلية الكنسية، بهدف سحب الفارامان العثماني أو على الأقل إفراغه من محتواه الذي يمنح المدارس مكانة قانونية تعطيها الحق بعدم الإفصاح عن مدخولاتها وسجلاتها الحسابية، كما يمنحها حق عدم تشكيل لجان أولياء بخلاف لقانون لجان أولياء أمور الطلاب الذي يلزم المدارس الرسمية فتح باب الترشح والإنتخاب للجان أولياء أمور الطلاب ويمنح هذه اللجان مكانة قانونية عالية.
4. مادة اعلامية دسمة لحملة تسويق رائعة. ستستغل إسرائيل بكل أذرعها الإعلامية حقيقة الصرف “للطائفة المسيحية” إذ ستظهر اسرائيل و”كرم أخلاقها وحنيتها” اتجاه “الطائفة المسيحية”. ستعرض إسرائيل وأذرعها الإعلامية المختلفة المعطيات كما هي في سجلات الدولة بتجاهل تام للسبب خلف التحويل وقضية المدارس الكنسية. طبعا كل ذلك بهدف تبييض صفحة إسرائيل الملطخة بدماء ومعاناة الشعب الفلسطيني الذي يرزح تحت نير الإحتلال وما يأتي به من معاناة وآلام لأكثر من أربعة ملايين فلسطيني.
5. استعمال مصطلح تخصيص 50 مليون شيكل ل”الطائفة المسيحية” فيه دفعة قوية لدعاة التجنيد إذ سيكون مرجعًا وسجلًا رسميًا يستعملونه لإقناع من هويته السياسية والوطنية لم تكتمل بعد، إذ سيسعد دعاة التجنيد لإظهار “حب” اسرائيل للطائفة المسيحية، متناسين أسباب وتداعيات الإضراب العنصرية الحقيقية والخسائر المادية والمعنوية الناتجة عن سياساتها العنصرية.
خسائر المجتمع العربي
1. قبول مصطلح مفرّق يعتبر خسارة كبيرة جدًا للمجتمع العربي، حيث لن تساعد محاولات تبريره المختلفة. قبول النص بصيغته الموقعة، قبول دق أكبر اسفين بتاريخ مجتمعنا منذ قيام الدولة وحتى اليوم.
2. خسارة الأمانة العامة لدعم الجماهير للنضالات المقبلة، فقد انقسم الأهالي بين مؤيد ومعارض للأمانة العامّة بعد أن حظيت الأماة بتأييد شبه كلي وشامل. جاء الإنقسام على خلفية سلسلة أخطاء جسيمة ارتكبتها الأمانة العامة لن أجخل بتفصيلها هنا.
3. الخاسر الأكبر بدون شك هم الأهالي والطلاب، فقد خسروا أيام عمل وإنفاقات كبيرة في محاولات لملء أوقات أولادهم بشكل يفرّغ الملل والضجر وحالات اليأس.
بتقديري اللجنة المعينة المزعوم إقامتها، ستعمل لإتمام ما لم يكتمل وهو تغيير المكانة القانونية للمدارس الأهلية وسحب الفارامان ومزاياه والذي منح لكل المؤسسات الكنسية منذ الفترة العثمانية، والمطالبة ب”الشفافية” اي فتح سجلات المدارس الحسابية. وكذلك إرغامها على فتح المجال أمام الأهالي للترشح والانتخاب للجان أولياء أمور طلاب، وبذلك تكتمل اولى حلقات القضاء على المارس الأهلية
العنصرية مركب أساسي بالحمض النووي لإسرائيل، فهي تكرس كل ما بوسعها لشق الصف وخلق خلافات بين أبناء الشعب الواحد. فهي تعتبر كل مسيحي، مسلم ودرزي عربيّا ولا فرق بين أي منهم! وبنفس الوقت تستعمل سياسة فرق تسد، تماما كما هو الحال بإتفاقية الإسفين فقد استعملت إسرائيل مفرداتها العنصرية للنيل من وحدتنا، مستغلة قلة تجربة الأمانة العامّة بالنضالات وبإدارة المفاوضات والشغوطات التي وقغت بها. “إتفاقية الإسفين” بالمعايير الإسرائيلية هدية وحملة ترويج رائعة لبضاعتها الفاسدة.
طبعًا الى جانب الخسائر هنالك أرباح ولا يفوتني، ان هنالك نتائج رائعة نتجت عن هذه المعركة ومنها حالة اللحمة التي رأيناها في مظاهرة القدس، وبإضراب بعض مدارس أم الفحم وبالإضراب العام بكل مدارس المجتمع العربي ال1ي أعلنت عنه لدنة المتابعة العليا. كما ظهرت جليًا قدرة مجتمعنا على العطاء بشكل غير محدود، الشيء الذي برز بوضوح بكل مراحل الإضراب. انصهار القادة السياسين بالقضية وتكريس طاقات جبّارة لدعمها ورفعها بأروقة الكنيست والصحافة المحلية والعالمية.
مع كل الأخطاء التي ارتكبتها الأمانة العامة، من غير المقبول لا بل مرفوض جدًا، توجيه اتهامات “خيانة” أو “طائفية” لأعضائها الذين أفنوا أعمارهم في خدمة وتربية أبناء شعبنا من كل الطوائف والديانات.
الأمانة العامة مطالبة بمحاسبة النفس وإصدار بيان ثان فيه تعترف بإخطائها وتفوّت فرصة شرذمتنا كأقلية عربية في البلاد، حتى وإن تطلب الأمر تقديم إعتذارّ رسمي لما يستشف من الإتفاقية الموقعة.
محمد بيطار عودة