لقاء مع الدكتورة مروة مثقال صرصور من كفرقاسم
تاريخ النشر: 31/05/13 | 22:22دون أدنى شك أن أبنائنا وبناتنا في جيل الطفولة بحاجة إلى اهتمام خاص من الوالدين والمجتمع حتى يستطيع أن يتكيفوا ويتفاعلوا مع مجتمعهم ولا ينزوا بعيدا عن ألناس لكن لتوفير مثل هذا الاهتمام لا بد من تثقيف الوالدين أولا، والمجتمع ثانيا بثقافة التعامل مع الأطفال على إختلافهم .
الدكتورة مروة مثقال صرصور ، أنهت دراستها لشهادة الدكتورة قبل فترة وجيزة في جامعة تل ابيب بتخصص الطفولة المبكرة لها باع طويل في تنشئة أبناءنا وبناتنا في جيل الطفولة ، حيث عملت سنوات عددية في سلك التعليم ، وبعدها أصبحت محاضرة في كلية بيت بيرل- المعهد الاكاديمي العربي للتربية .
أجريت معها هذا اللقاء الشيق ، وإليكم نص المقابلة :
في البداية نود أن نتعرف على الدكتورة مروة صرصور ؟
مروه مثقال صرصور هي إبنة مدينة كفر قاسم، متزوجة من زياد عبد الرحمن صرصور، إبنة لعائلة لها مسار طويل وعريق في سلك التربية والتعليم ، فالأب الاستاذ مثقال طه كان مدير مدرسة لسنوات طويلة وله أثر على التربية والتعليم في المدينة والأم المربية عبلة طه كانت معلمة في مرحلة الطفولة المبكرة لسنوات طويلة وكان لها الاثر الكبير على العديد من الاجيال في كفر قاسم. لدي اختان وأخوان، الاخوات مرام ومنار تعملان كمعلمات للغة الانجليزية ، احداهما ايضا تحمل اللقب الثاني في الاستشارة التربوية والأخرى تحمل اللقب الثاني في الادارة التربوية وكلتاهما تعملان ايضا في هذه المجالات. الاخوان أحمد وكرم انهيا دراستهما في تخصص الصيدلة ويعملان في هذا المجال. أحمد يشغل منصب مدير صيدلية في عيادة الصحة الشاملة- كلاليت ( هود الشارون) وكرم يشغل منصب مدير صيدلية في سوبرفارم (رمات غان ).
دراستي الإبتدائية حتى الثانوية أنهيتها في مدارس كفر قاسم . انهيت لقبي الأول في المعهد الاكاديمي العربي للتربية في كلية بيت بيرل في تخصص التربية الخاصة. انهيت اللقب الثاني في جامعة تل ابيب في تخصص تربية الاطفال والطلاب ذوي العسر السمعي وحديثا انهيت اللقب الثالث في تخصص طفولة مبكرة في مجال التنور اللغوي واكتساب القراءة والكتابة .
مروة أنصح أن تضيف هنا أمر أخرى تري أنها مناسبة ليتعرف عليك القراء ..
لماذا اخترت دراسة تخصص الطفولة المبكرة ؟ هل كانت هذه رغبة نابعة من داخلك؟ أم هي رغبة والديك ؟
بداية مثل العديد من الفتيات كفتاة نشأت في عائلة تعمل في سلك التربية والتعليم كانت رغبة الوالدين ان اكمل دراستي في هذا السلك. في البداية تخصصت في التربية الخاصة وليس في الطفولة المبكرة فعندما بدأت مزاولة المهنة عملت كمعلمة لأطفال ذوي عسر سمعي.
وكان سبب اختياري للموضوع انني ارتبطت بشخص وهو زوجي اليوم والده أصم.
بما أن العمل كان ضمن اطار الدمج في الصفوف العادية فكان عملي يترتب على العمل مع كلتا الفئتين فئة الطلاب السامعين وفئة الطلاب ذوي العسر السمعي.
خلال عملي عملت لسنوات عديدة مع هذه الفئات في مرحلة الطفولة المبكرة، خلالها لفت انتباهي الصعوبات التي يواجهها الطلاب السامعين والطلاب ذوي العسر السمعي في عملية اكتساب القراءة والكتابة فجذبني موضوع اللغة واكتساب القراءة والكتابة وعندها كان قراري ان اكمل المشوار في هذا المجال.
كيف كانت لحظة التخرج وشعورك حينها؟
هذه اللحظات لا تخطط كيف سيكون شعورك وان خططت فلن تكون كما خططت لها، فالأشخاص يختلفون بردة فعلهم. بالنسبة لي كانت ردة فعل هادئة جدا ولكن ممزوجة بفرحة كبيرة لا يمكن حتى وصفها. حيث جلست لعدة دقائق هادئة خلالها جالت بخاطري كل تلك السنوات التي امضيتها في الدراسة وكأنها فيلم يُعرض أمامك، أتذكر اللحظات السعيدة وأيضا الصعوبات.
هل يوجد فرق بين الممارسة العملية في الواقع وبين ما نتعلمه في الجامعة ؟
هناك فرق وتوافق في آن واحد. أي من المهم أن ندرك ان النظريات العلمية هي نتيجة لأبحاث علمية قد اجريت ايضا على مجتمعات ولغات غير عربية . إضافة الابحاث العلمية قد تكون اجريت حول فئات معينة تحت ظروف معينة التي قد لا تتوفر في الحقل. الامر الذي قد يؤدي الى اختلاف في بعض ما تدرس وما تلاحظه في الحقل. لذلك ملقاة على عاتق العاملين في التربية والتعليم الملاءمة ما بين ما يتم دراسته وما بين يتم تدريسه في الحقل.
فعلى العاملين في هذا المجال البحث عن "الدرب الذهبي" الذي يتم من خلاله القيام بكل تلك الملاءمات لكي يتم تحقيق الاهداف التعليمية بشكل ناجع وفعال. فقد تكون اخطاء البعض هي محاولة تطبيق النظريات بحذافيرها غير مراعين عوامل تخص الفئة التي يتعاملون معها مثل : الثقافة، البيئة التي نشأ فيها الطفل، العامل الاجتماعي-اقتصادي ، مميزات اللغة التي يتحدثها الطفل وغيرها من العوامل المؤثرة.
هل حقّقت الدكتورة مروة صرصور أحلامها ؟ أم هي تؤمن بالأحلام المتجدّدة كلّما اجتاز الإنسان مرحلة من مراحل حياته؟
اولا احمد الله على ما وصلت اليه حتى الآن ولكن لم احقق جميع الطموحات بعد، فلقب الدكتوراة هو بداية المشوار.
وهنا أود أن اذكر مقولة ذكرتها لي بروفيسور في جامعة تل-ابيب وهي " كلما تعلمنا أكثر عرفنا أننا لا نعرف" فالمشوار طويل جدا والعلم لا ينتهي أبدا فكل خطوة علمية تؤدي بك الى خطوة أخرى واعتقد أن ذلك احد الاسباب الذي يعتبر به العلم عبادة فهو لا يتوقف ومستمر وانجازاته اذا كانت مبنية على اسس علمية صحيحة وهادفة قد تعود بالفائدة الكبيرة على الامة البشرية.
فالباحر يقضي العديد من الساعات والأيام والليالي محاولا تفسير ظواهر ونتائج علمية تهدف الى تقديم الحلول لمشاكل وصعوبات يواجهها المجتمع بغض النظر عن التخصص او المجال الذي يبحث فيه. لذلك فالطموحات قد تتجدد، تتغير وتتطور بحسب ما تؤول اليه الانجازات وظروف الحياة.
ماذا أنجزت الدكتورة مروة على الأصعدة الشخصية الذاتية والمهنية؟ وما هي أهم المحطات في حياتك والّتي تحب دائماً أن تتوقّف عندها؟
كما ذكرت سابقا بدأت مشواري المهني كمعلمة في التربية الخاصة حيث درست في المعهد الاكاديمي العربي للتربية-كلية بيت بيرل ، ثم مباشرة بدأت دراستي للقب الثاني في مجال العسر السمعي وتخصصت في مجال اللغة في جامعة تل-ابيب وذلك بسبب ما ذكرته سابقا لما يواجهه الاطفال العرب من صعوبات في عملية اكتساب القراءة.
فكان موضوع أطروحة الماجستير هو العلاقة ما بين المنظومة الكتابية للغة العربية (طريقة كتابة اللغة العربية وتمثيلها للأصوات) على تطوير الكلام وإخراجه لدى الاطفال ذوي العسر السمعي. خلال تلك السنوات واجهت صعوبة حيث أنه لم تتوفر الابحاث حول اللغة العربية سواء لدى السامعين او العسر السمعي في هذا المجال.
فقررت ان يكون مجال بحثي في اللقب الثالث (الدكتوراة) هو بداية مشواري في البحث في مجال اللغة والقراءة والكتابة في اللغة العربية في مرحلة الطفولة المبكرة لدى الاطفال السامعين. فيجب التعمق في هذا المجال ومعرفة ما يواجهه الاطفال السامعين لكي يتم معرفة كيفية تطوير هذا المجال ايضا لدى الاطفال ذوي العسر السمعي. وان شاء الله سأكمل مشواري العلمي البحثي في اللغة واكتساب القراءة والكتابة لدى الفئتين .
عملت ايضا كمركزة لموضوع العسر السمعي ومرشدة للغة بالإضافة كنت جزءا من الطاقم الاداري والقيادي في المدرسة التي عملت بها.
درست ايضا الادارة التربوية لمدة سنتين في جامعة تل-ابيب ضمن برنامج يهدف لتأهيل مدراء مدارس ومؤسسات تربوية، وكذلك درست ادارة موارد بشرية وتنمية قيادات تربوية.
اشتركت في مؤتمرات علمية في البلاد وخارج البلاد خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.
واليوم اعمل كمحاضرة ومرشدة تربوية في المعهد الاكاديمي العربي للتربية-كلية بيت بيرل، وأيضا كرئيسة مسار التربية الخاصة ورئيسة مسار وقسم الطفولة المبكرة، بالإضافة الى كوني عضو في الطاقم الاداري في المعهد ولجنة التدريس.
ما هو تقييمك للتعليم في الوسط العربي ؟ وهل هناك توصيات لتحسينه وتطويره؟
لا شك ان التعليم في الوسط العربي مر بتغيرات كبيرة جداً ، ولكن هذا لا يكفي اليوم نحن في مرحلة حرجة حيث يتطور العلم ، المجتمعات والعالم بشكل سريع جدا. فيجب تهيئة المدراس للتغيرات السريعة التي نمر بها. فلم يعد المعلم مصدر وحيد للمعرفة.
فالمعلم سينتقل الى دور المرشد والموجه أكثر من كونه يمرر معلومات فقط. فيجب اعداد المعلمين والمدارس لمثل هذه التغيرات. فالطالب بحاجة الى آليات وأدوات يستطيع من خلالها التطور علميا والتأقلم مع كل التغيرات التي تحدث. بالاضافة الى آليات تعده لأن يكون قائدا ومبادرا في مجالات الحياة المختلفة.
ومن المهم التركيز على التفكير في كل المواضيع المدرسة في المدارس. حيث يعتمد التعليم على التفكير (التفكير الإبداعي، التفكير اللغوي، التفكير الرياضي الخ……) اكثر منه على التلقين وسرد المعلومات. فهذا الموضوع بحاجة الى الكثير من التطوير في الوسط العربي ويجب ان يبدأ منذ مرحلة الطفولة المبكرة. فأنا أؤمن أن الكثير من زملائي المعلمين لديهم القدرة على ذلك ولكن بحاجة الى دعمهم وتهيئة الظروف العملية والتدريسية الملائمة.
ما النصيحة التي تقدمينها لطلابنا وطالبتنا الأكاديميين في الجامعات والكليات؟
اولا ان لا يكون هدفهم انهاء سنوات الدراسة ومجرد الحصول على الشهادة.
عليهم أن يكونوا بارعين بما يقومون به، ولا يهم ما الموضوع الذي سيختارونه. اضافة عدم الهرب من الامور الصعبة، فالأمور الصعبة هي التي تصقل المسيرة العلمية والمهنية. وأيضا التميز بما يقومون به، والمحاولة جاهدين البحث في المجالات التي بحاجة الى تطويرها في الوسط العربي لما سيعود بالفائدة عليه.
بالإضافة كما يهتم الطالب بالتعمق في تخصصه فهذا لا يكفي فإلى جانب التخصص في الجانب المعرفي فعليه الاهتمام بصقل شخصية قيادية تساعد بعد ذلك على نشر معرفته بشكل افضل والتأثير على ما يحدث في المجتمع. فمن المهم الانخراط بالأنشطة القيادية والمبادرات خلال مشواره العلمي والعملي.
هل من كلمة توجيهها للفتيات العربيات؟
طبعا يهمني التوجه الى الفتيات تحديداً، فكثيرا ما تُوجه الي الاسئلة خاصة من قبل الفتيات والطالبات الاكاديميات بالنسبة لكيفية التوفيق ما بين الدراسة، العمل والحياة الشخصية والاجتماعية.
انا لا انكر انه صعب ولكن ليس مستحيل. ستواجه الفتاة الصعوبات ولكن عليها ان تعيد تدريج سلم الاوليات في كل لحظة ولحظة فستكون بما يتلاءم والمواقف الحياتية المختلفة.
هناك لحظات التي يجب ان تضع الحياة الشخصية والاجتماعية في قمة السلم ، احيانا ستكون الدراسة في قمة السلم وأحيانا العمل .
وأنا اؤمن ان المرأة بحكمتها تستطيع القيام بذلك. بالإضافة فالصعوبات التي ستواجهها خلال سنوات الدراسة ستحضرها لمواجهة صعوبات الحياة المستقبلية.
ويهمني ان اوجه كلمة للأهل والأزواج فبدون دعم العائلة سواء عائلة الفتاة، عائلة الزوج والزوج سيكون من الصعب الوصول الى درجة التميز والإبداع فيما تقوم به. فدعمهم سيعود بالفائدة على كلتا العائلتين والأولاد والمجتمع.
فبدون دعم أهلي، وأهل زوجي وزوجي قد لم استطع الوصول الى ما وصلت اليه فبعد فضل الله في ذلك يعود الفضل لهم.
وللفتاة أقول المرأة القيادية هي المرأة التي لا تتعالى على المجتمع ولكن تتمسك بالقيم والأخلاقيات الايجابية للمجتمع التي تنتمي اليه مع دمج العلم والتقدم والتطور. فلتتذكر أن الرجل هو الأب، ألأخ ، الزوج والابن فنجاحها هو ايضا نجاحهم.
واختم حديثي لكل طالب علم ،أن العلم هو تكليف وليس تشريف، فطالب العلم يحمل رسالة سيُسأل عنها ، وليتذكروا قول الرسول صلى الله عليه وسلم أن "العلماء بمنزلة ألأنبياء" فهم يحملون رسالة صعبة فهدف العلم أن تعود بالفائدة على الأمة البشرية وليس هدفه التفاخر بعلمه، فالتواضع هو سر وأساس النجاح والتقدم.
دكتورة مروة …أشكرك من كل قلبي على سعة صدرك وتقبلك لفكرة اللقاء وصبرك على ألأسئلة شكراً جزيلاً لك، نتمنى لك التوفيق والسعادة دائماً…
حاورها: شاهين عبد الرحيم صرصور
سررت كثيرًا من هذا اللقاء ومن هذا الحوار العميق الصريح من د. مروة صرصور، أحيّيها على إنجازاتها، أفكارها، والقيم التي تؤمن بها وتدعو لترسيخها. بوركتْ وكثّر اللهُ أمثالها.