صدى الانحراف الفكري على سوريا
تاريخ النشر: 02/06/13 | 5:28عندما أدقق في قضية الترابط بين الإسلام والقومية العربية في محاولة لإيجاد نقاط التوافق أو وجه الاختلاف بينهما، أجد أن نقطة واحدة يرتكز عليها الفكر لا تفصل القيمتين، بل تفصل الفكر الهابط والذي لم يعلم إلى الآن الفاصل بين كلمة تحالف وتخالف! لأن هذا التحالف بين العروبة والإسلام بامتياز رباني قد جعل منه نواة تتماسك بها كل البشرية عند وجود التخالفات المشتتة، بمعنى أن اتساع دوائر الخلاف بين الإسلام والقومية إنما يعبر عن ضعف في فهم نسبي لفكرة مطلقة، وسينعكس هذا الخلاف على مناخ العالم أجمع كما نشهد اليوم، أما مسألة التعقيدات والمغالاة فهي إن تعارضت مع سهولة الفكر الإسلامي فهي أيضا تتعارض مع بساطة القومية العربية، ذاك التحالف الذي من شأنه أن يمثل القاعدة الحقيقية للتحليق بالبشرية إلى عوالم أرقى مما تعيش في هذا العصر، وكمدخل للفكرة بغية التبسيط، ما هي شروط وضوابط أن تكون مسلما أو تكون عربي؟ ولمَ خص الله سبحانه وتعالى اللغة العربية والمنطقة العربية لتكون مصدر وقاعدة الإسلام الأولى؟
ومن خلال الإجابة المبسطة سنتعرف على أسباب المغالاة الإسلامية والقومية، فكي تكون مسلما عليك أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، لا أكثر ولا أقل، ويبقى بعدها حسابك على الله إن كان قولك يأتي ضمن النفاق أو الصدق، وكي تكون عربيا عليك أن تتحدث اللغة العربية بنية الانتماء لا الاستشراق أو الاستعراب!
هل رأيتم مدى السهولة المتبادلة، والتي تحفظ هذا الانسجام والتي تفك تساؤلات تراودنا جميعا لم اختار الله لغتنا ونبينا عربيا خالصا، في وقت تتفوق علينا أمم بالعتاد والعدد، فلو فحصنا كل الأمم لوجدنا أن أسهل أمة يمكن الانخراط بها بشريا وفكريا هي الأمة الإسلامية العربية، فالدخول فيهما لا يتطلب فصيلة دم ولا ملامح شكل أو لون، لأنك ترى فينا الأسمر والأشقر والأصفر والأحمر، ولا يستغرب أحد من إسلامهم أو عروبتهم، بمعنى أن شروط وضوابط الانتماء للأمة العربية هي أسهل من أي أمة أخرى، ومن هنا فإن أي محاولة للفصل بين قيمة الإسلام والقومية العربية سيصب في دائرة التشرذم التاريخي، بل وسيقسم البوصلة إلى نصفين لا يحملان آثراً على واقع الأمة وعلى البشرية على الإطلاق، لذا فلننتبه إلى أن باقي الديانات السماوية كيف أنها نزلت في شرقنا العربي كمهد لانطلاقة نحو العالم، مما يدل على أن أي رسالة سماوية لو نزلت تحت ظلال أمة أخرى لما قدر لها أن تعيش بجوهر نقائها تماما كالديانة البوذية والتي يعتقد أنها رسالة سماوية بالأساس!
ومن هنا فجاء حفظ الله لرسالاته بخلقه للشرق كحضانة تشرق منه أنوار رسالاته بتكليف دون تشريف أو تفضيل لأمة على أمة أخرى، بل إن القياس سيكون بقدرة تحمل هذه المسؤولية بربط العروبة والإسلام على نحو أممي لا ضيق.
أما مسألة الانقسام الفكري والذي أدى لإنكار كل الأطراف بشطري المعادلة الربانية، فلم يؤدي ذلك لضياع العروبة والإسلام كفكر من وجدان الناس فحسب، بل أدى إلى تحقير قيمة ودور الإنسان المسلم العربي، مما أدى إلى انزلاق كنا عرضة فيه لسخرية البشرية وبحق!
فجاءت القومية لتغذي الشرق بأفكار غربية، فبنت مفاهيم يمجد فيها العربي القومي كإله حافظ لمسلمات مزعومة، ولا زال هؤلاء يرممون أصناما مكسرة بفعل خرابها، تماما كالنظام السوري الذي يرتكز بكل مبادئه القومية الساكنة على النيل من وجود قيمة العربي كإنسان، إلى أن أصبح الحاكم العربي يتمتع كالرب بمصادرة الحياة بكل تفصيلاتها، دون أن يساهم كالرب ولو بمحاولة بسيطة لصنع فرص الحياة، وأول التفصيلات المتحدية كانت بمقارنة الحرية ومقايضتها تحت أوهام قومية مجردة ومزعومة، مع أن الله الواهب للوجود والحياة خير الإنسان بين الإيمان به أو الكفر، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، لكن الكفر بالحاكم القومي العربي لا يجب لأنه صنعك طيلة حكمه على هيئة لا إنسانية ليقول لك كيف تكفر بي وما أنت على شاكلة إنسان، حتى أن المناديين بالقومية وبالأنظمة تحت مجمل الذرائع الوهمية يناقشون بسخرية الشعوب الثائرة ويصفونها بالقطيع الثائر، أليست هذه صناعة الحكام بعد عقود من التحكم والحكم الجائر؟ ألا يقود قافلة الجمال حمار؟
ثم بالمقابل هنالك من الإسلاميين من يضيقون الخناق على الفكر الإسلامي، فيغالون فيه حتى يجعلونه ضيقا، إذ ما زالوا يفتقدون إلى الخطاب الأممي للفكر الإسلامي، والذي لم يأتِ ليجعل من كل البشرية مسلمين، بل جاء ليكون بوصلة تجتمع الأمم على بوصلتها تماما مثلما تغذت الأمم الأخرى على أمور علمية واقتصادية وحياتية من خلال فشل تجاربها بشتى الميادين وليست كلها، فمفهوم الربا جعلهم يتطلعون للاقتصاد الإسلامي على سبيل المثال رغم أن أمتنا الإسلامية تعاني الأمية!
ولأن حفظ الله لدينه غير مقترن بضياع عقولنا، فهو جاء من سماء تغطي كل كامل المساحة العالمية، ولم يكن يوما مجرد سحابة سوداء يتحزرون الناس بها هل ستمطر أم لا، لذا فهم من وجهة نظرهم يريدون أن يسحقوا كل قائم بالبشرية من وجهة نظرهم يدعو لغير الله، دون أن يدركوا أن كل العقول والأفكار الأخرى كانت من صنع الله ليتم فيها حكمته، لكن هؤلاء لا يكتفون بسحق الأفكار، ولا تستفزهم لمنافسة الفكر بالفكر بل يريدون سحق الرؤوس الحاملة للتفكير بدوافع التكفير.
باختصار شديد فإن الجماعتين تعانيان النزاع الأخير، فالقومية تتمسك بقتلة شعوب بعدما أفرغت بفشل مفكريها غير العرب أصلا، والمذهبيين تفرغ الفكر الإسلامي من فضله في بناء القيم والتي يحتاجها العالم أجمع في صراعاته الدموية المهددة لكامل شعوب الأمم على طاولة المصالح والأطماع، أما مردود الطرفين على القضية السورية فهو يعد سلبيا بدرجة تتفوق فيها هذه الرؤى الضيقة عن كل التهديدات المحيطة بالمشهد السوري وكامل القوى المعنية بدمار سوريا بدءا بإسرائيل وأمريكا وليس انتهاءا بالخليج وإيران، لأن الحاصل بالأساس ثورة شعب على نداء الحرية والعدالة الاجتماعية، وليست حربا مقدسة تتحارب فيها مزاعم القومية والمذهبية بالنيابة عن قوى إقليمية، لم ترقب بالقومية الحقيقية والإسلام الحقيقي يوما إلا ولا ذمة، لذا فالمطلوب منهما رفع فكرهما المنحرف عن سوريا وعدم إعطاء الناموسة البشارية الكثير من الذرائع والأنفاس الاصطناعية، لأن الحاكم العربي لم يختلف يوما عن ناموسة تسلب الدم البشري، فلمَ تقارعون تلك الناموسة والناموس المتبقي في العراق والخليج والأردن والمغرب العربي بأسمى القوميات وبأشرف الأديان، فهل تصنعون من أفكاركم مبيد تتصارعون عليه قوميا وإسلاميا، يحوي بحقيقته مضاد يستفيد منه جور الحكام!
استاذ علي ..اوافقك الراي تحليلك منطقي جدا بوركت