شبكات التواصل .. ساحات للخير أم الرياء؟!
تاريخ النشر: 09/10/15 | 9:51ما أجمل أن يقوم الإنسان بأعمال الخير والبر والتقوى لإخوانه ولمجتمعه، فهو بذلك يقوم بمهمته الجليلة التي كلفه الله بها من عمارة الأرض وبناءها بمختلف الطرق والوسائل .. فأبواب البر والخير متعددة ومفتوحة .. ولكن .. قد يشوب تلك الأعمال بعض الشوائب قد تصل بها إلى حد إبطال العمل بسبب إما رياء أو عجب أو كبر أو من.
ولا شك أن مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي مثل: “فيس بوك” و”تويتر” وغيرهما أصبح هناك منصات كثيرة لأعمال الخير والتذكير بها ونشرها بين الناس، ولكن في ذات الوقت قد يتخذها البعض طريقًا للشهرة وجلب استحسان الناس وإعجابهم وشكرهم، فيحيدون بذلك عن الغرض الأساسي من أعمال الخير والتقوى.
لذا فقد وجهننا الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم إلى أن إخفاء الصدقاء وإعطائها للمحتاجين في السر أفضل من إعطائها في العلن، يقول تعالى: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)، وأخبرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أن سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، وعد من بينهم: “ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”.
ليس هذا فحسب .. بل علمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الله يحب الأتقياء الأخفياء .. دخل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنها يومًا إلى المسجد فوجد سيدنا معاذ بن جبل جالسًا إلى بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يبكي, فقال له سيدنا عمر: ما يبكيك يا أبا عبد الرحمن هلك أخوك لرجل من أصحابه؟ قال: لا, ولكن حديثًا حدثنيه حبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا في هذا المسجد, فقال: ما هو يا أبا عبد الرحمن؟ قال: “أخبرني أن الله عز وجل يحب الأخفياء، الأتقياء, الأبرياء, الذين إذا غابوا لم يفتقدوا, وإن حضروا لم يعرفوا, قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل فتنة عمياء مظلمة”.
كل ذلك جاء حتى لا يتحول المجتمع إلى مجتمع يسوده النفاق والرياء والعجب .. فيصير عمل الخير مرتبطًا بتحصيل استحسان الناس وإعجابهم، فإن لم يجد فيه الشخص إعجابًا من الناس لا يفعله.
وقد كان الصحابة الكرام والصالحين يسترون أعمالهم الصالحة .. وروي أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج يومًا في سواد الليل وحيدًا، حتى لا يراه أحد، ودخل بيتًا، ثم دخل بيتًا آخر، ورآه طلحة رضي الله عليه وأرضاه فظنَّ أن في الأمر شيء.
وفي الصباح ذهب طلحة فدخل ذلك البيت فلم يجد إلا عجوزاً عمياء مقعدة، فسألها: ما بال هذا الرجل يأتيك؟ وكانت لا تعرف أن الرجل الذي يأتيها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه .. قالت العجوز العمياء المقعدة: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا بما يصلحني، ويخرج الأذى عن بيتي .. أي يكنس بيتها ويقوم بمتطلباتها، ويرعاها عمر رضي الله عنه وأرضاه وكان حينها أميرًا للمؤمنين ولم يرائي بعمله، بل اجتهد في اخفاءه بأن يخرج سرًا في ظلام الليل.
مع ذلك ..لا مانع أبدًا ولا ضير أن تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي كمنصات للتنافس في أعمال الخير وأعمال البر والحث عليها والدعوة إليها من باب (وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، ومن باب “الدال على الخير كفاعله”، ولكن على ألا يتحول الأمر إلى منافسة في التباهي بتلكم الأعمال الصالحة وجذب أكبر قدر ممكن من استحسان وإعجاب الناس .. بل يجب أن يظل العقل والقلب معلقًا فقط برضوان الله، ونفع الناس ونشر الخير والمحبة بينهم، وبذلك ترقى المجتمعات.