“الريس عمر حرب” لا يموت

عام كامل مرّ على وفاة الممثل خالد صالح بعد إجرائه جراحة فى القلب أدت مضاعفاتها إلى وفاته، ولكن رغم انقضاء هذا العام إلا أنه مازال يحيا فى أذهان وقلوب الجميع، كفنان قدم الكثير من الفن الجاد، والحقيقى، والصادق للسينما المصرية، ورغم أن صالح كان من أبرز ممثلى السينما فى الآونة الأخيرة من خلال ما قدمه من أدوار مهمة لفتت إليه أنظار الكثيرين من النقاد، والمخرجين، والجمهور المصرى والعربى، لكن نجمه لم يبرز كممثل محترف يفضله المخرجون والمنتجون إلا فى السنوات القليلة الماضية بعدما أدى دور العقيد رفعت السكرى فى فيلم المخرج طارق العريان «تيتو» ٢٠٠٤م، وهو الدور الذى لفت إليه الأنظار كثيرا رغم اشتراك صالح فيما قبل فى العديد من الأفلام منها «خلى الدماغ صاحى» مع المخرج محمد أبوسيف ٢٠٠١م، و«النعامة والطاووس» لنفس المخرج ٢٠٠٢م، و«شرم برم» للمخرج الراحل رأفت الميهى ٢٠٠١م، وغيرها من الأفلام التى لم تكن كثيرة؛ لاسيما أن خالد لم يتفرغ للعمل فى السينما إلا منذ العام ٢٠٠٠م وهى فترة متأخرة حيث كان يفضل الاعتماد على موهبته الفنية التى لم يلتفت لها صناع السينما إلا متأخرا بعد أن عمل فى المسرح لفترة طويلة.
قام صالح بأداء العديد من الأدوار المهمة التى تركت بصماتها الفريدة على المشاهد الذى ارتبط به ارتباطا وثيقا؛ بسبب الأداء الصادق غير المتكلف الذى تميز به، ورغم أنه أدى أحيانا بعض الأدوار المشوّهة فنيا، بمعنى أنها لم تكن مكتملة أو ناضجة بالقدر الكافى سواء من قبل المخرج، أو كاتب السيناريو مثل دوره الشهير فى فيلم «الريس عمر حرب» للمخرج خالد يوسف ٢٠٠٨م، إلا أنه اجتهد كثيرا فى أداء هذا الدور الذى جعل الفيلم يكاد يكون مقبولا؛ بسبب الأداء الفنى الناضج لخالد صالح الذى جعل المشاهد يتفاعل مع عمر حرب الذى يدير هذا الكازينو بمثل هذه المقدرة من السيطرة والتحكم رغم ضعف المستوى الفنى للفيلم ومباشرته الفجة.
نجح صالح أن يقدم لنا شخصية مُلتبسة يتأكد المشاهد أحيانا أنها الشيطان، وحينا آخر أنها الله المُسيطر على عالمه ويحركه كيفما شاء، ورغم أن هذا الالتباس بين الله والشيطان فى هذه الشخصية يعود إلى سيناريو مرتبك كتبه السيناريست هانى فوزى، وعدم اكتمال رؤية إخراجية من خالد يوسف، إلا أن صالح حاول الاجتهاد فى أن يقدم الشخصية كما يراها هو، ومن ثم كانت من أهم الشخصيات التى جعلت المشاهد مرتبطا بالفيلم غير قادر على الانصراف عنه، ويكفينا تأمل أدائه فى هذا الفيلم وقسمات وجهه، ونظرات عينيه التى كان يحرص على أن تكون ملائمة للشخصية بشكل جيد، رغم مباشرة الإخراج وفجاجته وسطحيته من قبل خالد يوسف، ولعل هذا النجاح فى النهاية يُرد إلى خالد صالح كممثل استطاع انتشال الفيلم فى نهاية الأمر من عدم وضوح الرؤية الواقع فيها كل من المخرج والسيناريست.
قدم صالح العديد من الأدوار الجادة والصعبة التى تركت أثرها فى وجدان المشاهد، ولعلنا لا نستطيع نسيان دوره فى فيلم «هى فوضى» ٢٠٠٧م للمخرج يوسف شاهين، وخالد يوسف، وهو دور «حاتم» أمين الشرطة الذى يرى نفسه القانون، فى حين أنه لا يحترم القانون، ويحاول تحريك العالم بأجمعه من خلال قانونه ورغباته الشخصية، ولعل هذا الدور المهم من أكثر الأدوار التصاقا فى الذاكرة البصرية للمشاهد حتى اليوم؛ حيث أداه صالح بشكل جعل المشاهد بالفعل ينفر منه، ويكرهه كراهية حقيقية، بل ويرغب فى التخلص منه باعتباره ممثلا للشر والظلم، فى حين أنه لفت نظر النقاد جيدا إليه كممثل يعرف كيف يتحكم فى أدواته التعبيرية بشكل جيد؛ مما جعل الجميع يراهن عليه وعلى أدائه فى هذه الفترة.
لم تقتصر الرحلة الفنية لخالد صالح على الأدوار الجادة والصعبة فقط، بل قدم العديد من الأدوار الخفيفة وإن كان قد أداها بجدية وإخلاص جعلها من الأدوار التى تركت بصمة أيضا فى وجدان المشاهد، يشهد على ذلك دوره فى فيلم «ثمن دستة أشرار» للمخرج رامى إمام ٢٠٠٦م الذى أدى فيه دور «بؤبؤ» النصاب خفيف الظل الذى يُصرّ على هذا اللون من الحياة مهما كانت مخاطرها، بل لا يوافق على رغبة رفيقه فى النصب «مايو» محمد رجب على ترك هذه المهنة، والحياة بشكل محترم، ومن ثم يحاول إعادته مرة أخرى إلى عملهما الذى لا يعرفان غيره، وهو النصب، ورغم أن الفيلم من الأفلام الخفيفة إلا أن أداء صالح فى هذا الفيلم كان متميزا جعله يُضيف الكثير إلى رصيده الفنى، وهو ما جعل موت خالد صالح العام الماضى وكأنه لم يكن؛ فهو مازال يحيا بشكل حقيقى فى قلوب الجميع من خلال أدواره المتميزة التى تركت بصماتها على الجمهور الذى لم ينسه.