حيفا عروس البحر ونبض فلسطين
تاريخ النشر: 02/06/13 | 4:00
في اطار حديثنا عن المدن الفلسطينية التاريخية بمناسبة مرور 65 عاما على نكبة شعبنا الفلسطيني ، نطل في هذه الحلقة ، وهي الأخيرة في هذه السلسلة ، على مدينة حيفا عروس البحر المستلقية بجوار الكرمل ، وجورية القلب ونبض فلسطين ، ذات المكانة التاريخية والثقافية والحضارية لدى فلسطينيي الداخل والشتات وعبر العصور والأزمنة التاريخية ، التي قال عنها ابنها المشرد الشاعر احمد دحبور ، الذي عاد اليها زائراً بعد قيام السلطة الفلسطينية : " حيفا هذه ليست مدينة ، انها الجنة ومن لم يصدق فليسأل أمي " ، وقال فيها شاعر العودة ابنها حسن البحيري :
"حيفا" وشاطئها الحبيب ، وسفحها
وذرى تعالت للسّاك الأعزل
ومنى تقضت في نسيج رحابها
وهوى تولى في الشباب الأول
ولمحت بين سوادها وبياضها
ظل الصنوبر في اعالي "الكرمل"
تعتبر حيفا ثالث اكبر وأهم مدن فلسطين التاريخية ، ووفق الروايات والمراجع التاريخية فالفنيقيون الكنعانيون هم الذين بنوها واستوطنوها في المنطفة المعروفة اليوم باسم "شكمونا" ، وعلى شاطئها نشبت المعركة الاولى بين الكنعانيين والمصريين في عهد حكم رمسيس انتصر فيها الكنعانيون وامتلكوا شاطئها وكل منطقتها .
وقد تقلبت الاحوال على حيفا فخربت وازدهرت وتوالى على حكمها الآشوريون والكلدانيون والفرس والسلوقيون وخضعت للحكم المصري، وحين سقطت فلسطين بأيدي الرومان اصبحت جزءاً من الامبراطورية الرومانية ، ثم فتحت على يد القائد عمر بن العاص سنة 633 ابان حكم الخليفة عمر بن الخطاب . وفي العهد الفاطمي ازدهرت حيفا وغدت من الموانئ المهمة والعظيمة التي طمع الفرنجة في الاستيلاء عليها .
شهدت حيفا في العهد العثماني ازدهاراً وتم بناء الكثير من معالمها المعمارية كمسجد الاستقلال وضريح الباب . وفي العام 1761تأسست حيفا الحديثة مكان البلدة القديمة على يد القائد عمر الظاهر . بعد ذلك خضعت حيفا للانتداب البريطاني ، وفي عام النكبة 1948 طرد وهجر سكانها العرب وتحولوا الى لاجئين مشتتين ولم يسمح الا بالقليل منهم بالعودة اليها .
ومن اهم امكنة واحياء حيفا العربية الشاهدة على نكبتها وادي النسناس وساحة الحناطير والحليصة ووادي الصليب ووادي الجمال ومحطة الكرمل والكبابير وغيرها. ومن معالمها القديمة مسجد الاستقلال ودير الكرمل وكنيسة القديس يوحنا وضريح الباب المحاط بحدائق جميلة هي حدائق البهائيين ومقبرة القسام وغير ذلك .
كانت حيفا قبل النكبة الفلسطينية مركزاً ثقافياً وحضارياً متقدماً للثقافة والفنون والصحافة والمسارح ، واعتبرت مركز اشعاع فكري وثقافي وتعبوي ، وشهدت ساحاتها وميادينها وشوارعها واحيائها نهضة ثقافية واسعة ، وانتشرت فيها الجمعيات والاندية والمهرجانات والملتقيات الثقافية والادبية والفكرية وتأسست الاحزاب السياسية والنقابية والعمالية .
وفي حيفا صدرت اهم الصحف العربية الفلسطينية كصحيفة الكرمل لصاحبها نجيب نصار ، والنفائس العصرية لمؤسسها خليل بيدس ، والنفير لمؤسسها وصاحبها ايليا زكا ، والزهور لجميل البحيري ، والمحبة التي حررها فضل ابي حلقة ، وآخر ساعة التي رأس تحريرها يوسف سلوم وحررها انس الخمرة ، وجراب الكردي لصاحبها متري حلاج ، والحمارة القاهرة لصاحبيها خليل زقوت ونجيب حاما ، والنهضة لجان سويدان ، واليرموك لكمال عباس ، واخبار فلسطين لأنس حمزة ، والمهماز لصاحبها منير ابراهيم حداد ، والاتحاد صحيفة الحزب الشيوعي التي ما زالت تصدر فيها حتى اليوم .
وفي حيفا ولد وعاش وترعرع الكثير من الشعراء والادباء والمثقفين والمناضلين السياسيين ، الذين ساهموا في نهضتها وازدهارها وتقدمها وشاركوا بفعالية في الحياة اسياسية والاجتماعية والثقافية والنضالية ،منهم : الاديب جميل البحيري ، والشاعر حسن البحيري ، والشاعر عبد الكريم الكرمي (أبو سلمى) الذي بقي محتفظاً بمفاييح بيته في جيبه حتى وفاته ، والشاعر احمد دحبور ، والاديب والصحفي والسياسي اميل حبيبي ، والمناضل توفيق طوبي ، والمحامي حنا نقارة ، والشاعر فوزي الأسمر ، والكاتب والمفكر والصحفي صليبا خميس ، والشاعر عصام العباسي ، والمناضل عودة الأشهب ، والمناضل جورج طوبي ، والمناضل زاهي كركبي، والفنان التشكيلي عبد عابدي ، والشاعر ابو عايدة داود تركي ، والمناضل عباس زين الدين ، والمناضل يوسف عبدو ، والكاتب خالد تركي والمؤرخ جوني منصور وغيرهم الكثير .
وكانت حيفا شاهدة على عشر سنين من حياة شاعرنا الفلسطيني الراحل محمود درويش ، ففيها بدأ نشاطه السياسي والصحافي ومنها تفجرت موهبته فعبرت حدود فلسطين ، وفيها وجد والتقى حبه الاول ، ورفاق الدرب والخندق الواحد ، واصدقاء الصبا والشباب والقلم والذاكرة سميح القاسم واميل حبيبي واميل توما ومحمد علي طه وسالم جبران وغيرهم . وقد عاد اليها بعد اربعة عقود من الرحيل عنها مشاركا بامسية أدبية تاريخية اعادته الى فلسطينه .
اخيراً ، تبقى حيفا الأغنية والقصيدة واللوحة والحكاية والرواية والعشيقة وملهمة الشعراء ، وحلم العودة لمن هجر احيائها وازقتها ويعصف قلبه بالشوق والحنين الى بحرها وكرملها وشاطئها ووادي نسنانسها ، وكما قال شاعر التراب الفلسطيني احمد حسين :
حيفا على شفة الخليج قصيدة
هيهات يكتب مثلها الشعراء