العمائم الكاذبة
تاريخ النشر: 04/06/13 | 1:30في بدية شبابي فتنت بهذه العمائم حتى كان كل من يلبسها أو يرتديها له قدسية ومكانة خاصة في نفسي، فكان كل صاحب عمامة كان يزور قريتنا وخاصة في أوائل الستينات والسبيعينيات من القرن الماضي، سواء كان من الداخل الفلسطيني، أو من الضفة والقطاع، بعد حرب الأيام الستة 1967 م كنا نرى في ذلك هدية من السماء، أن شرفنا شيخ!! وصاحب عمة يرتدي أزارا أسود اللون أو أبيض، أو عباءة رمادية اللون!! فكنا بعد صلاة العصر ننتظر شيخنا لنستمع منه درسا، كي يزيد من نشاطنا الإيماني ويحفزنا إلى السباق في عمل الخير والصلاح، وأن نزيد من محبتنا لبعضنا البعض وتمسكنا في وطننا وعروبتنا، لنتخطى الصعاب، ولنكون كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكون كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعت له باقي الأعضاء بالسهر والحمى؟!
فكانت كل كلمة ينطق بها الشيخ تتلقفها أسماعنا، نحفظها عن ظهر قلب فكانت تحصل أحيانا. بعض المداخلات من الحضور لمعرفة توجه هذا الشيخ أو ذاك سياسيا وعروبيا ووطنيا وفوجئت بأحد الشيوخ في أحد الدروس، ينزل بالشتم والسب على جمال عبد الناصر، حتى وصل الأمر بهذا الشيخ أن ينعته بالكافر والملحد، فنسي هذا الشيخ أنه موجود في بلد الشهداء وأن حبهم لجمال عبد الناصر منقطع النظير على الأقل في تلك الفترة فبدأ الحضور في التململ والهمس، فصار كل واحد من الحضور يميل على زميله، في وشوشة هادئة في البداية، لتنطلق أول شرارة من الاحتجاج على الشيخ، بسؤال من أحد الحضور الأكبر منا سنا.
لمن تعمل أيها الشيخ؟ وأي المخابرات التي إستأجرتك؟!!
وثارت ضجة في المسجد، لم يتوقعها الشيخ، وبدأ الحضور بالسباب من كل جانب، وحاول الشيخ جاهدا أن يشرح موقفه أنه لم يقصد الإهانة لجمال عبد الناصر، ولكن القطار قد فاته، لأن الضرر قد وقع، والحقيقة قد بانت فحمل الشيخ حقيبته، تحت حماية من إستجلبه وأتى به الى القرية ورحل، منذ تلك اللحظة، التي غيرت عندي الكثير ولم تعد العمائم ولا العباءات والأزرار تفعل مفاعيلها لديّ، فصرت كل عالم أو صاحب عمة أجالسه آخذ منه، ما يناسب الكتاب والسنة، وكل قول يجمع ولا يفرق، يزرع المحبة بين الناس، ويخلع البغضاء من القلوب وما كان يطابق هذه الآية (ادعوا الى سبيل ربك بالحكمة، والموعظة الحسنة ) فكان هذا الداع بحق ملتزماً بكتاب الله وسنة رسوله (الذي بعث رحمة للعالمين)
ويترك أمر الخلق إلى الخالق، إذا شاء هدا وإذا شاء أضل، ولا تكن مكان الرب في أي شيء لأنه هو الذي رزق الكافر والمؤمن على حد سواء في جميع الأحوال والظروف وهو الذي خلقنا شعوبا وقبائلَ لنتعارف، وليس لأن نتقاتل!!
فوقع بيني وبين من أسسوا الحركة الإسلامية الخلاف أن كونوا دعاة ولا تكونوا قضاة، وان التحزب والالتزام بالحزب او الحركة، له من السلبيات أكثر من الايجابيات، لأن الالتزام يجب أن يكون مع الله ورسوله (لقوله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن احدكم حتى يكون الله ورسوله احب اليه مما سواها) وليس الحزب او الحركة لأن هذا النهج الالتزام بالحركة، فرق الابن عن أبيه والأخ عن أخيه فذقت مرارة هذا الأمر على جسدي ونفسي، هذه المرحلة تجرعت سمها، فبدلا من أن نعظ الأبناء ان يبروا الآباء ويتبعون قول الله عز وجل (وقضى ربك أن لا تعبدوا الا إياه وبالوالدين إحسانا* إما يبلغن عندك الكبر أحدها أو كلاهما * فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما * وقل لهما قولا كريما *وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة * وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا) فغابت هذه الآية عن أذهان هؤلاء ففعلوا عكسها، فنتج عن ذلك التحريض الأعمى الذي فرق الابن عن أبيه والأخ عن أخيه!!! فترك مُصاباً وجُرحاً لا ينتسى! لذا عندما أنظر بمنظار المتعمق للأمور، وأرى هذا الكم الهائل من البشر ليسوا بمسلمين مليارات ومليارات في كل أصقاع الأرض وفي القارات الخمس كلهم سيكونوا من أهل النار، وفقط هذه الحركات الإسلامية هي وليس غيرها هم أهل الجنة وحدهم!!! حتى وان كان غيرهم من الغير ملتزمين وإن كانوا مسلمين فهم أيضا حسب مفهوم هذه الحركات التكفيرية وقود النار لذا قبض واشترى هؤلاء أتباع هذه الحركات هذه المقولة فاطمئنوا، وعلى أساسها ذبحوا وقتلوا وقطعوا الرؤوس وشقوا الصدور، ونبشوا القبور فلا جرم عليهم ولا إثم!!! وأنهم يرون في ذلك فريضة لا تؤدي بهم إلى النار!!! وان كل من يخالفهم هذا الرأي مهدور الدم.
أين ذهبت هذه الآية الكريمة وغابت عن أفكارهم (من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) ولم تقل الآية من قتل مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو مجوسياً بل كانت واضحة كل الوضوح(نفسا أي كل نفسٍ سواء كانت مؤمنة أو كافرة!!!
في خضم ما يدور اليوم في عالمنا العربي والإسلامي من صراع وقتل وهدر للدماء دون وجه حق!!! يقتل المسلم أخاه المسلم لمجرد اختلف معه على اجتهاد معين فيتهمه بالكفر والردة وما يدريك لعلك أنت المتهم الكافر والمرتد!! عجبت لهؤلاء الناس. كيف ينتظرون اليوم الذي ستأتي فيه الخلافة الراشد على نهج النبوة التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكرها الحديث الشريف.
أي خلافة هذه التي ستقوم على أشلاء الناس ودماءهم!!! وظلمهم وجورهم!!!
أي خلافة هذه التي ستقوم ويقام صرحها على جماجم الناس كل الناس مع أن الذي تعلمناه وعرفناه أن منهج النبوة رحمة ونورا أتى ليخرج الناس من الظلمات إلى النور!!.
ألم تروا أن هؤلاء الذين يفكرون كذلك ويؤمنون بالقتل والذبح وهذه الأساليب هم جهلة في دينهم، مخالفين الله ورسوله!!! بل هم شياطين هذه الأمة لأن أعمالهم تدل على ذلك!! لقد أساؤوا للإسلام وشوهوا صورته مع أن الإسلام لم يرغم أحداً على اعتناقه فنزلت هذه الآية في القرآن الكريم تعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاثلةً له (ءأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)
من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )( ذلك ليس شأنك يا محمد، أن تكره الناس على الايمان ما عليك الا البلاغ *ان الينا ايابهم ثم انا علينا حسابهم*ألم تروا كيف رب العباد أعطى الحرية والخيار الكاملين لبني البشر (والتي نسميها اليوم بالديمقراطية) فكيف تجبرون الناس أن يتبعوا فكركم ومنهجكم وأنتم على هذا الحال* من البربرية والوحشية والهمجية والبهيمية البتة!!
كيف تجيزون قتل الأبرياء*حتى وإن كانوا أتباع أديان أخرى أو معتقدات مختلفة، ما داموا لا يعتدون، ومواطنون مسالمون وما شأنكم ودخلكم فيما هم يعتقدون، اذا كان الله خيرهم في ذلك أليس الله هو الذي رزقهم وأغدق عليهم نعمة وهم يتنعمون في ملكه فيهم رجال أعلم منا وأكثر ثقافة وفهما ووعيا* فيهم عقول بنت حضارات وعمرت كون في كل المجالات، من الذي وهبهم ذلك أليس الله؟؟ من الذي نصرهم علينا في الكثير من المعارك أليس الله؟؟ من الذي جعلهم أسياد الدنيا وأكثر ملوكنا وامراءنا ورؤسانا خدما لديهم أليس الله؟؟ إذا شاء خسف بهم الأرض واذا شاء نصرهم وأعزهم أليس ذلك؟؟ (شأن من شؤون الله) !!!
يلجاُ عندهم علماءكم المخالفين لسلاطينهم فيطلبون منهم اللجوء السياسي ، فيعطونهم ذلك وبعدها يستقرون عندهم ومن ثم يحرضون عليهم أو يقومون بخدمتهم، بعد أن تشتري هذه الحكومات ضمائر هؤلاء العلماء، ليصبح كل من لبس عمه وأرخى ذقناً وحاز على لقب دكتوره في موضوع معين صار يفتي بقتل اخوانه من المسلمين، ويطلب من أسياده بضربهم بطائرته وصواريخه، فأي اسلام هذا؟!! وأي دين؟ وأي تناقض هذا يا علماء الفتنة!!! علماء الدنيا وليس الدين؟!!!
يا من اول من تصعر بكم النار لقوله صلى الله عليه وسلم ثلاثة اول من تصعر بهم النار عالم- وشهيد- ومنفق.
أما العالم فيسأل ماذا فعلت بعلمك فيقول عملت به من أجلك يا رب فيقول الله سبحانه كذبت فعلت ذلك ليقول عنك الناس فقالوا وأما الشهيد الذي يخرج للقتال مدعيا أنه يقاتل في سبيل الله، فَيُقْتَل!! فَيُسأل يوم القيامة عن ذاك فيقول خرجت لأقاتل في سبيلك فيقول له الرب كذبت فعلت ذلك ابتغاء الناس ليقولوا عنك شجاع فقالوا!!
ثم يأتي دور المنفق الذي إدعى أنه أنفق ماله لوجه الله ويسأل فيما أنفقت مالك فيقول أنفقته في سبيلك يا رب فيقول الله سبحانه له كذبت أنفقته رياء الناس فأذهب وأخذ أجرك من الناس.
خذوهم إلى النار وبئس المصير وبئس الخزي يوم الدين!!! نسأل الله أن يرحمنا ويعفوا عنا وأن نكون لله من الناصحين وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
والله ولي التوفيق