رسالة الى السيد شمعون بيرس

تاريخ النشر: 05/06/13 | 3:26

فخامة رئيس الدولة السيد شمعون بيرس المحترم .

اسمحوا لي بداية أن أسمّي هذا الموضوع : رسالة السلام .

بصفتي أديب أتعامل مع الكتابة منذ ثلاثين عاما ، أرى أن من واجب الأديب سلوكا وأخلاقا أن لا يقف بمعزل عن القضايا السياسية والإجتماعية ، وأن يحاول التغيير نحو الأفضل ، وإلا عُد أدبه عقيما !

فخامة الرئيس ، لم أكن لأخط لحضرتكم هذه الكلمات المتواضعة لولا توسمي في شخصكم الكريم العقل الراجح والنظرة المستقبلية والحس الإنساني . ومن هذا المنطلق أعلن ثقتي المطلقة بأنك الرجل المناسب والقادر على صنع السلام في ربوع هذه الأرض المقدسة .

فمذ كنتُ طفلا في الستينات من القرن الماضي ونحن ننام على حرب ونقوم على حرب ، وكأن هذه الحروب هي قدرنا المكتوب !

فَتحتُ عينيّ على الدنيا في خضم حربكم مع مصر سنة 1956 ، كنا نسكن مدينة بئر السبع لفترة ، وكنت لا أعرف من العالم سوى أنه لهو ومرح .. وفجأة تنقلب الأمور رأسا على عقب ، الناس في هرج ومرج ، والأخبار مشحونة بالتوتر .. جارتنا الطيبة ( جيله ) تضم الى صدرها فراخها في عمر البراعم ، تذرف دمعة وتدعو الله أن يعود زوجها ( ألبير ) من المعركة سالما .

ويسأل إبنها في الخامسة : وهل سيجلب لنا الحلوى واللعَب يا أمي ؟

ــ أجل يا كبدي .

وتدوي صفارات الإنذار وتتوالى ، فأقفز واخوتي الصغار كالأرانب المذعورة الى الملاجئ الترابية المغطاة بالرمل وألواح الصفيح نتقاسم مع الحشرات وقتنا !

صحيح أننا في هذه البقعة من العالم نأكل ونشرب نتنفس نعمل نحب ونتناسل ، لكن " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان " . ولا تطمئن النفس حتى تستقر الروح ، كما يقولون . في نفوسنا دائما ما يعكر صفو الحياة ، لا نحس بالإطمئنان ولا السعادة ولا راحة البال . هذه المقومات الجوهرية مفقودة وغائبة ، ما دامت هذه البلاد عرضة في كل يوم لحرب قد تتفجر وتحرق الأخضر واليابس ! .

نحن مسكونون بالقلق ، وقد أصبح هذا القلق جزءا من حياتنا اليومية نمضغه ولا نستطيع هضمه . ما أصعب أن تتحوّل حياة الإنسان الى مثل هذا الواقع المأساوي ،لا نعرف متى يزول ، لا نعرف الى أين المصير ، وكيف سيكون شكل المستقبل ؟ !

أنا واحد من الذين يعيشون الحلم منذ أكثر من نصف قرن من الزمان ، حلم السلام ، حلم صغير وبسيط ، لكن يبدو ليّ تارة أبعد من الثُريا ، وطورا أتفاءل واقول علَ وعسى ، من يدري فقد يتحقق هذا الحلم ويكون خيرا كثيرا ، ويكون عيدا للشعبين الإسرائيلي والفلسطيني ، سلام حقيقي وقائم على الحق والعدل والإحترام المتبادل .

تصوّروا كيف سيكون شكل الحياة لو يعم السلام بين البشر ، رائعة ستكون الدنيا والكون أجمل ، تصوروا لو يحدث هذا تحت قبة الله الأزلية ، ستضحك السماء بفضائها ونجومها ، وسيفرح الرب في ملكوته ، ستغتبط رفات الأنبياء في ضرائحهم الطاهرة ، موسى وعيسى ومحمد ، وستمتلئ قلوب الناس رحمة ومحبة . كم هو مبهج أن نزرع مكان الرصاصة وردة ، ومكان البغضاء غصن لوز ، كم هو ثري ونبيل لو يضمحل من الوجود لون الدم ليحل مكانه ذلك الإحمرار الذي يسبق الشمس قبل طلوعها بقليل . وثمّة كلمة في فمي : فقط الرجال الأفذاذ هم الذين ينجزون السلام ، وهم الذين يخلدون في ضمير العالم .

أمّا حياة الحروب فهي جنون الأوقات الرديئة ، معضلة تاريخ الإنسان !

في حرب غزة كنت أرى على الشاشة دموع الثكالى والأيتام من الجانبين وأهمس لذاتي : أليس من المؤسف والمخجل أن يحدث هذا في عصر الرقي والحضارة !

في حربكم الأخيرة مع لبنان وحين كانت القذائف تنهال من الجانب اللبناني على قريتنا الصغيرة الوادعة في الجليل الأعلى ، كنا نتوقع الموتى في كل لحظة ، خوف وترقب ما لا تحمد عقباه ، الصبح كان أسود ، والغروب ينذر بالويل ، وما لنا والله غير الصبر والخضوع للشر المستطير ! خمسون مترا من بيتنا تسقط احدى الحمم الجهنمية تهز الأبنية وتزرع الرعب في القلوب . أهرعُ الى الخارج وأنادي ولدي يلعب في الشارع : هيهيا خالد تعال . أترك اللعب .. أترك بسرعة وتعال !

وقد أحزنني عش اليمام على الشجرة بجوار نافذتي ، كان قبل الحرب يهدل مطمئنا ومؤنسا ، أحزنني أنه طار شرد ولم يعد . حتى الطيور تنفر من رائحة البارود تهجر موطنها ؛ فما بالك بالإنسان الذي هو كتلة من العواطف والأحاسيس .

أبنائي خاصة الصغار منهم تحت السن القانونية ، كوثر ، خالد ، هديل ، يسألونني أحيانا والقلق في وجوههم البريئة : إذا حدثت الحرب يا أبي ماذا سنفعل ؟

فأجيب : عليكم الإختباء في الزاوية الشمالية من البيت فجدرانها سميكة .

أصمتُ هنيهة وأستطرد : أظن بأنها لن تحدث .

وتستمر الاسئلة : أأنتَ واثق بأنها لن تحدث ؟ وإذا حدثت ماذا نعمل ؟ وهلم جرا …

وأهرب من أسئلتهم ، أحاول مواراتها خلف موضوع آخر أختلقه . وتغمطهم أمهم الحنون بنظرة لم استطع تفسيرها !

أحس بغمامة تغشى رأسي ، وبغم يعتريني . ويتجدد حلمي القديم الجديد ، حلم السلام ، يصيح ويلح ، يبحر خيالا في اللامستحيل .. ترى هل سأشهد حلمي قبل موتي ؟ وإن مت ولا أسف على الدنيا ، هل سيرى أولادي السلام ؟ أم أنه سيظل حلم الأجيال ؟؟!!

السيد المحترم ، إذا وصلتكم هذه الرسالة فأرجو أن تنظروا اليها بعين الاعتبار ، وآمل أن أحظى برد من فخامتكم . والسلام ختام .

نور عامر كاتب وناقد أدبي

‫2 تعليقات

  1. أحيّيك أخ نور عامر على هذه الرسالة المعبّرة المفعمة
    بالمشاعر الإنسانيّة، وأشاطرك دعوتك للسلام العادل!

  2. اخي الاديب—نور عامر—انت تعيش في عالم اوهامك–اليهود وجدوا في هذه المنطقة لطردك من ارضك–وكانك تحلم–لو تنازل العرب عن الضفة ونزح كل العرب من الداخل ومن الضفة–لن يقبل اليهود السلام—ما يجمع اليهود هو عدوهم العربي–اذا صار سلام سوف ياكل اليهودي اليهودي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة