هاجِس*
تاريخ النشر: 05/06/13 | 13:55شُبِّهَ لي ذاتَ مساءٍ خريفيِّ شَديد الهاجرة ، أنَّ هاجِسًا باتَ يسكُنُني ، يَحُثُّني :
قم انتَفِضْ على ما أنتَ فيهِ !
وَكانَ هذا الهاجِسُ مُدْرِكًا لِما نَحْنُ وأنا فيه ،
فَقَدْ خَبِر وَعْكَةً موجِعَةً ،
نَفْسِيَّة البُعْدِ ،
وَعْكة خَيْبَةِ أمل مِنْ أهْلِ وَ صَحْبٍ لَم يكونوا أهْلا ولا صحْبًا ،
ألَمَّتْ بي سنين طويلة ،
ولم تَتْرُكْني لحالي إلاّ بعْدَ أنْ ألمَّتْ بي وَعْكَةٌ أخرى ،
عرفْتُ فيها خيانةَ جَسَد ،
فَفَقَدْتُ أجْمَلَ ما في الإنسان – الإنسانة من سمات حياة :
قُدُراتُ حركة ،
طولُ بصر وروعة انتِصابِ قامَة في لَحَظات حِوارٍ أو مُقارَعَةٌ فِكْرِيَّةٌ مَعَ ذواتي الأخر .
وفيما أنا أعيش في سريري ، فلا أتركه ولو للحظة ، همس في أذنَيَّ صارخًا ،
قم انتفض على ما صِرْتَ فيه ،
لتَسْتَعيد بَعْضَ ما فَقَدْتَ ذاتِ زَمَنٍ ،
عِشْتَ فيه هَوَس قَلَقٍ أشْبَهَ بِقَلَقِ صاحِبَيْك الأحْمَدَيْن ،
أحْمد ، صاحبك القديم ، مَنْ فَقَدَ تُرابَ ناسه وفَقَدَ سِمَةَ التَّخاطُبِ ، فباتَ
" على قَلقٍ كأنَّ الرّيحَ تَحْتي " ،
وَاَحمد ، صاحِبكِ الآخرَ ، دائمِ العَطَشِ ،
مَنْ سَرَقوا منه ومِنْكَ حَفْنات تُرابِ الطُّفولة وَحَبّاتِ غَيْمَةٍ كَرْمِلِيَّة المذاق وجَليليَّة الندى ،
وقَدْ عاشَ هَوَسَ الرَّحيلِ الدّائم ، دائِمَ العَطَشِ والألمِ الْمُتأمِّلِ ،
حَتّى خالَ نَفْسَهُ الفتى " تَنْتالوس " الهِلاّسي .
وحين التزم الهاجسُ الصمتَ الموجعَ ،
فَجَّرَ عَتَماتِ ذاكِرَتي
وذكَّرني بما قالَهُ صَديقٌ هِلاّسِيٌّ آخرُ في حَضْرَةِ الزَّمَنِ وناسِهِ :
" أنْ تَقولَ الحَقيقَةَ شيْءٌ موجِعٌ
لكِنْ أن تلتَزِمَ الصَّمْتَ أكْثَر إيلامًا " .
*هذا هو النص الثاني الذي أرسله للنشر في موقع " بقجة " والنصان جزءُ من مُقدّمة عمل كتابي أعكف حاليا على البدء في إنجازه ، وهو عمل لم أحدد جنسه الأدبي، يجمع كما يبدو لي بين الشعر والنثر الروائي والمقالة الصحفية. وآمل أن أستطيع نشره في موقع بقجة قبل التفكير في دفعه للطباعة وسيكون خلاصة عملي الأدبي، كما أظن. النص الأول سبق ونشر في موقع بقجة مؤخرًا وعنوانه " هاتفني ولدي الأصغر ".
الى الامام وبالتوفيق
انت قويا كالسنديان ستبقى واقفا دائما تحياتنا لك