ام الشوف حبلى ..
تاريخ النشر: 08/06/13 | 4:56مهداه الى الاسرى في السجن الصغير الذين يحملون الوطن المسجون في حلمهم ويؤمنون ان حريتهم سوف تتحد مع حريته … والى سجناء الوطن الكبير الذين يعدون الثواني بدقات قلوبهم منتظرين خروجهم وخروج الوطن من الاسر الى فضاء الحريه ….
احببتك .. اتسائل في سجنك المسعور لماذا ..!؟ من بين طيات سجنك تتراشق علامات الاستفهام باحثه عن جواب …. اتذكر الاطفال الذين كانوا يحملون اعلاما في مهرجان للطفوله بثه التلفزيون ..؟ يومها قال احمد لك …..
-ابي اريد علما لاسير وان ارفعه على طول الشارع مثلهم …. فاجبته يومها والدموع تسبح في فضاء عينيك اللامتناهي ….
– ساتيك يا ولدي بعلم …..
– متى ..!؟ سأل مشددا
اختلط فضاء عينيك الامتناهي مع فضاء الغرفه الذي اصبح بلا مقاسات هندسيه او نهايات ..ولم تجب .. صمت الولد كانه اشفق عليك من الجواب … زحف ببطئ ولف نفسه في حجرته بين يديك وصدرك …
سألني قبل اسبوعين وهو يصمم وجهه فوهة بركان
-
اين ابي ..!؟
-
سيأتي قريبا … قلت باحثه عن جواب
-
هل سيحضر لي معه علم ..؟
-
نعم … قلت وانا اختصر المسافات الهندسيه
-
ساسير وانا ارفعه على طول الشارع … قال تاركا فيضا من الفرح يتراقص على تقاطيع وجه….
وحملت " ام الشوف " حبلى ثقلى على عاتقك الدامي ورحت تجوب المسافات …حملتك وحملتها جنينا فولدتك في غياهب التشريد وولدتها حلما يتبع خطاك اينما ذهبت رأيتها في كل شيئ ولم ترها ابدا … انها حلما يتقمص مخيلتك وخيوطا من اللاشيئ امام عينبك ….
وولدت ميلادها الملحاح المتكرر مع ميلاد حبنا … كلما اردت ان ارى نفسي من خلال شاشة عينيك رأيتها هي … صدقني كرهتها في بادئ الامر … كرهت ان يشاركني احد في هذه الدنيا فيك … حتى ولو كان حلما … حتى ولو كان حنينا …. اتذكر بدايتنا معها …
كانت شمس الصيف الناضجه ترسم ظلالا صغيره حول سيقان اشجار الزيتون الذي يفصل بين بيوت المدينه والمعهد الذي كنت ادرس فيه … وكنت هناك تفترش الظلال وتقرأ كتابا وانت تعرف الصبايا النابلسيات اللوات يخرجن من اسوار المحافظه والتسلط كيف يراقصن شمس الحريه … اردنا يوما نعاكس هذا الشاب الذي يفترش الظل ليقرأ كتابا ….
وكان سؤالك الذي غير كل مساحات حياتي ….
-
هل تعرفن اين تقع " ام الشوف " وارتفعت رنات ضحكاتنا المحبوسه … التي اصبحت تنطلق هازئه كلمت ذكرت احدانا الاسم … ووصلت البيت ورحت اسال عنه …. بحثت عنه في كل مسمع ولسان وعلى كل خريطه حتى وجدته مطبوعا بجانب نقطه سوداء في خريطه قديمه … اتذكر اليوم التالي عندما تقدمت منك تحت الزيتونه وسألتني …
-
لماذا وحدك اليوم ؟
فقلت وقد تنازعت على محياي احاسيس الخجل وفرح الاكتشاف :
-
لقد وجدتها … وجدت "ام الشوف " …
-
" ام الشوف " ..!؟ وجدتها !؟ .. انها كانت وستبقى وستعود … قلت محاولا حبس طبقات من الثوره حاولت الانفلات ….
وسكتنا …. نظرت الى وجهك لاقرأ شيئا فعزت علي السطور… حاولت ان اغور في سماء عينيك فلم اجد فيها مرفأ ابدا منه … اخذت رجلاي امامي وابتعدت عائده الى البيت …. لكني شعرت بخيوط غير مرئيه مربوطه بك تشدني اليك ….
وبدا مشوارنا معا يا حبيبي وكان علينا ان نعبر حواجزا انت اعتبرتها صغيره في الطريق الى " ام الشوف " وانا رأيتها كبيره تفصل بيني وبينك ….
انت لاجئ في نظرهم تسكن في مخيم "بلاطه" رغم اصرارك على القول ان هذا مؤقتا …. انت ابن فلاح يتيم الارض رمي خارج ارضه بعد ان جبل ترابها بدمه .. وانا ابنة عائله نابلسيه اقامت حولها سترا وحواجز وضعت لها ابراجا مصطنعه زائفه . تعيش في وطنها المغلوق الدامي تحاول ان تلف جانبه الدامي بعباءات وطرابيش …..
والتقينا خلسه …. فتحت لك كل احاسيسي لاسمعك ….حدثتني عن مواسم الحصاد في " ام الشوف "…. عن الملايات … عن البيدر عن مواويل الفلاحين …عن زغاريد " المغمرات " عن عين الماء ….عن العاب الطفوله … بنيت " ام الشوف " الاف المرات . كنت تبنيها ثم تعود لتبنيها من جديد في شكل اخر … انك تعيش فيها ولها ….
وسألتني مره في احدى اللقاءات …..
-
هل تؤمنين اننا سنعود …!؟
فاجبت وانا التمس الجواب في فضاء عينيك الامحدود .
-
ولكن هناك الكثير الذي يفصل بينها وبيننا ….
فسألني وقد ارتسمت على وجهك ظواهر التحدي ….
-
هل تؤمنين بالمستحيل …!؟
فاجبنك دون ان افكر …..
-
لا … وانا معك …..
ها انت تقبع انت " وام الشوف " في ظلام سجن الدامون … لعل رسالتي هذه لن تستطيع اختراق جدرانه فتصل اليك ولكن قلبك يحمل بين طياته ملايين الرسائل التي كتبت على اوراق الزيتون وعلى صفحات مياه الاردن وعلى بطاح الكرمل .
ان احمد ما زال ينتظرك لتحضر له العلم …. ستأتي في يوم ربيعي لابسا " الدماي الروز " و " الحطه الدمشقيه " و " العقال المرعز " حاملا العلم هديه لاحمد ليمشي في الشارع وهو يحمله …
ستأتي لاضع نفسي بين صدرك ويديك الخشنتين واحكي لك امنياتي الصغيره …. امنيات امرأه لها وطن وعلم ….
كل يوم يمضي احبك اكثر …. كل يوم آت ساحبك اكثر ……
حبيبتك
سناء … " ام الشوف " كما يحلو لك ان تناديني .
ابكيت من يبعد عنها ساعه فما حال من بالسجون