لماذا سقطت القصير ولم تسقط غزة؟
تاريخ النشر: 11/06/13 | 13:33حين تسقط القُصير سنتساءل، لماذا سقطت القصير ولم تسقط غزة؟
هل هناك وجوه شبه بينهما، أصلا؟
نعم، وجوه الشبه كثيرة: صحيح أن المساحة الجغرافية مختلفة، لكن عدد المسلّحين أيضا مختلف بما يتناسب مع المساحة، ولذلك يمكن إغفال هذا العامل. لكن في كلا الحالتين هناك كيان محتل له جيش منظّم يعدّ مئات الآلاف، مجهز بكافة أنواع الأسلحة ودعم إقليمي يمدّه بالسلاح بشكل متواصل، يحارب ضد ميليشيا مسلّحة تسعى للانعتاق من الاحتلال، لا تملك في أحسن الأحوال سوى أسلحة متوسطة مثل الرشاشات المضادة للطائرات تستعملها ضد الأفراد والآليات. في شبه ولا لأ؟
أولاً: صمدت غزّة لأن الاحتلال الاسرائيلي والشعب اليهودي لا يحتمل رؤية أبنائه قتلى بينما لا يكترث بشار الأسد لا بأرواح جنوده ولا أبناء شعبه. في العدوان الأخير على غزة، وبعد سقوط عدد قليل من الجنود خلال المواجهات مع المقاومة الفلسطينية، بدأ الشعب الاسرائيلي يضغط لإنهاء الحرب وبكل قوة، وهو ما حصل: انتهت الحرب دون ان تحقق هدفها بالقضاء على قدرات حماس، كما كان أعلن قادة اسرائيل. بالمقابل، بشار الأسد لا يعني له أي سوري شيئاً. بالنسبة له، الجيش والشعب كلّهم أدوات يمكن له استعمالها بأي صورة لضمان بقائه في الحكم. ومستعد أن يضحي بكل الجيش وبكل طاقات الشعب وبكل ميزانية الدولة، ليبقى. ولذلك لا يكترث ولو أبيد جيشه بأكمله. المهم أن يظل متربعاً على العرش.
إذا: اسرائيل تحب ابناءها، بشار الأسد لا يكترث سوى لنفسه وبنيه.
ثانيا: سقطت القصير ليس لأن جيش بشار جيش بطل فقد رأينا بكاءهم على شاشات التلفزيون؛ بل لأنه لم يبق سلاح جديد ولا ماكينة عسكرية حديثة في الترسانة الروسية والإيرانية إلا وتم إمداد النظام السوري به، ليجرّبه ضد شعبه. الحرب في القصير لم تكن بين الثوار وبين النظام، بل بين الثوار وبين روسيا وإيران وحزب الله. فكيف، في ميزان القوى العقلية، ستهزِم ميليشيا محاصرة من كل الجهات، ثلاثة جيوش مجهزة بأحدث الآلات الشيطانية؟
ثالثاً: لم تسقط غزة لأن المقاومة فيها تحظى بدعم الشعب ومساندته. أما في القصير، فلم يبق هناك شعب أصلاً. الناس إما قضوا تحت أنقاض بيوتهم التي قصها بشّار الصواريخ والمدفعية، أو نزحوا وقتلوا في الطريق إلى أماكن آمنة خارج المدينة.
في غزة، وهذه حقيقة لن تعجب البعض، لا تستهدف إسرائيل المدنيين بالقصف المدفعي او الصاروخي لأنها تريد استهدافهم. بل تستهدفهم حين لا يكون من ذلك مفرّ، ومن أجل قتل المقاومين المتواجدين في الأماكن السكنية بناء على معلومات استخبارية تملكها اسرائيل. في سوريا، العكس هو الصحيح، فالنظام يستهدف المدنيين أولاً، ومن ثم يستهدف المسلّحين. السبب واضح: كثرة المجازر ضد المدنيين تشكل عامل ضغط كبير على المسلحين الذين يُعتبر وجودهم في المدينة هو سبب هجوم النظام عليها، وبالتالي وقوع المجازر فيها، وهذا عبءٌ نفسيٌّ كبير لا يمكن لأحد تحمّله، فكم بالحري بمجموعة من المقاتلين المسلحين بأسلحة خفيفة ضد ترسانة حربية ثقيلة؟
الخلاصة: يبدو أن إسرائيل دولة أكثر إنسانية بكثير من بشار الأسد ونظامه وشبيّحته.
هذه ثلاثة أسباب من أسباب أخرى، من ضمنها، أن القصير سقطت لأن العروبة المزعومة سقطت… من زمان.