كيوبرس: الحكومة تسعى لتهويد المقدسات
تاريخ النشر: 22/10/15 | 10:54حاول الإحتلال الإسرائيلي منذ أن سقط ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية في قبضته عام 1967، استكمال طمس المعالم الإسلامية والمسيحية في البلاد، من خلال هدمه مئات المساجد والمقابر عام النكبة الفلسطينية 1948. وارتبط ذلك بمشروعه الصهيوني التوسعي الاستيطاني وفكرة “إسرائيل الكبرى”، حيث استولى على الكثير من المواقع والأوقاف الإسلامية خاصة في القدس المحتلة والضفة الغربية المحتلة، وحوّلها إلى كنس يهودية أو مزارات يهودية تلمودية في مناسبات عدة.
وفي مسعى لتأطير تهويد المقامات والمصليات الإسلامية وتوسيع رقعتها وتجذير وتعميق استهدافها؛ تبنّت حكومات نتنياهو المتعاقبة منذ حكومته الأولى عام 1996 – العام الذي اشتهر بأحداث هبة النفق وافتتاح باب مخرج للنفق الغربي أسفل المسجد الأقصى – ملف تهويد المقدسات الإسلامية، وأخذ بعداً آخر لدى حكوماته المتعاقبة منذ عام 2009 وحتى الآن، حتى أصبح من الملفات الرئيسية.
في دراسة توثيقية لـ”كيوبرس” يتضح أن الأمر انعكس سلباً وشكّل خطورة شديدة على مستقبل الكثير من الأوقاف والمساجد والمقامات والمصليات والمواقع الأثرية التاريخية الإسلامية، ودخول البرك المائية على خط التهويد، وكان سببا في زيادة اعتداءات الاحتلال وأذرعه على الأوقاف والمواقع الدينية الإسلامية.
وأكدت الدراسة على أن اعتماد مخططات ومشروعات التهويد والاستيطان في عهد حكومات نتنياهو، دللت على تسلسل ممنهج لسلب الأوقاف والمواقع الإسلامية وربطها بتاريخ عبري موهوم وفكرة الهيكل الأول والثاني المزعومين، الأمر الذي يربط هذا الملف بملف المسجد الأقصى المبارك وخرافة الهيكل الثالث المزعوم.
في نهاية العام 2009 في عهد حكومة نتنياهو الثانية، أقرّت الخطوط العامة لمشروع شامل حمل اسم “ترميم وتقوية التراث القومي اليهودي – تمار”، الذي شمل مشاريع ترميم عينية وأخرى تثقيفية وتوعوية للأجيال الإسرائيلية لنحو 150 موقع، اعتبرت من وجهة نظر إسرائيلية بأنها مواقع تاريخية تراثية إسرائيلية. ومن بين أهداف هذا المشروع تأمين الحصانة القومية واليهودية، عبر ربطها بهذه المواقع حسياً وثقافياً – بحسب قولهم-. وارتبط هذا المخطط بمكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية وأصبح من الملفات الرئيسية التي يتابعها المكتب عبر سكرتير الحكومة الإسرائيلية مباشرة، وتحولت الخطوط العامة الى قرار حكومي رسمي عام 2010، حيث وضعت خطة بينة المراحل لست سنوات لتنفيذ المخطط الذي تطور مع مرور الوقت وأضيفت اليه الكثير من الميزانيات والمشاريع الفرعية، ووصلت الميزانية الى نحو 800 مليون شاقل (200 مليون دولار أمريكي).
ومن المهم ذكره أنه تم الإعلان عن المشروع من خلال ورقة وخطاب لرئيس الحكومة الإسرائيلية “نتنياهو” ضمن الأوراق والخطابات في “مؤتمر هرتسليا للأمن القومي” العاشر عام 2010، واصفا المخطط بالاستراتيجي، في حين تعقد جلسات دورية ومتابعة متواصلة لتفاصيل تنفيذ المشروع، ما يعني أن المشروع يأخذ محط الأولويات في البرنامج الحكومي لنتنياهو، واستمرار العمل بوتيرة متسارعة في الحكومات المتعاقبة، الثالثة والرابعة.
وأكثر ما يُلفت النظر في هذا المشروع، أنه أصبح رأس حربة في استهداف المواقع الوقفية الإسلامية والعمل على تهويدها بشتى الطرق، في الضفة الغربية والقدس المحتلة والداخل الفلسطيني، والعمل على تحويلها الى مواقع دينية يهودية تحمل طابع القداسة، ومسارات ومزارات تلمودية.
وتشير الدراسة إلى أن من أكثر المواقع استهدافا هو المسجد الإبراهيمي في مدينة الخليل المحتلة (يطلق الإحتلال عليه اسم مغارة همخبيلة)، ومسجد بلال بن رباح في مدينة بيت لحم المحتلة (يطلق عليه الاحتلال اسم قبر راحيل)، قبر يوسف في مدينة نابلس المحتلة، مسجد قرية برج النواطير – النبي صموئيل – في مدينة القدس المحتلة، مساجد مصليات/مقامات في بلدة كفل حارس الواقعة جنوب غرب مدينة نابلس المحتلة، برك سليمان القانوني الواقعة جنوب مدينة بيت لحم وغيرها من المواقع.
وما يدلل على هذا الاستهداف هو تضمن مشروع “ترميم وتقوية التراث القومي اليهودي” قائمة واسعة بأسماء المواقع التي يجب اعتمادها كمواقع تراثية إسرائيلية، منها المسجد الابراهيمي ومسجد بلال بن رباح، باعتبارهما كنيسين يهوديين، لكن ريثما تم إخفائهما من القائمة رسمياً، والمطالبة لاحقاً بإضافة موقع قبر يوسف الى القائمة، في حين تدلل الوقائع على الأرض أن هذه المواقع الثلاث حصلت على اهتمام خاص في السنوات الأخيرة، أدت الى محاولة تكريس تهويدها.
وفي السياق ذاته حصلت هذه المواقع على ميزانيات ضخمة من حكومة الاحتلال الاسرائيلي، وتم تنفيذ خطوات تهويدية سعت الى فرض واقع جديد تحت اسم “الترميم والتطوير والتصليح الأثري”. كما ارتفع عدد الزائرين الإسرائيليين لهذه المواقع في عدة مناسبات تحولت من زيارات سنوية عابرة الى زيارات شهرية متكررة، وصلت الى آلاف الزائرين في كل مرة، الأمر الذي عمّق من مخاوف السيطرة الكاملة عليها وتغيير المسميات والمصطلحات من أسماء إسلامية عربية الى أسماء يهودية عبرانية ترتبط بالتوراة والتلمود.
صدر في العام 2013 تقرير مشترك لمؤسسة” أصدقاء الإنسان الدولية” و”المؤسسة الفلسطينية لحقوق الانسان – شاهد” و”مركز الدراسات السياسية والتنموية” باسم “عنف المستوطنين وانتهاكاتهم للمقدسات الإسلامية والمسيحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 (2009-2013)، جاء فيه: “منذ تسلم بنيامين نتنياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية في آذار/مارس 2009، وهي الحكومة التي ضمّت أحزابا من أقصى اليمين الإسرائيلي المتطرف جعلتها “حكومة مستوطنين” بامتياز، ازدادت معها وتيرة الاستيطان على نحو غير مسبوق، وصفه مقرر الأمم المتحدة لحقوق الانسان في فلسطين “ريتشارد فولك” بأنه تطهير عرقي”. وأضاف التقرير: “شهدت المقدسات الإسلامية والمسيحية في الأراضي الفلسطينية انتهاكات متكررة قامت بها سلطات الاحتلال الإسرائيلية والمستوطنين بشكل شبه يومي، تراوحت ما بين إغلاق أماكن العبادة في وجه المؤمنين (مسلمين ومسيحيين)، خاصة في القدس والخليل، تخريب وتدمير الممتلكات العامة، محاولات منع أو تخفيض صوت الأذان، حرمان الفلسطينيين (مسلمين ومسيحيين) من الحق في الوصول الى أماكن عبادتهم، وتهويد الأماكن المقدسة وخاصة في القدس”.
وتابع التقرير: “لا يمر يوم دون أن يقع واحد أو أكثر من تلك الانتهاكات بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية، وقد أمكن هذا التقرير الذي يغطي الفترة الممتدة ما بين سنتي 2009-2013 رصد أكثر من 525 انتهاك، بلغت ذروتها في سنة 2013، لتصل الى حوالي 181 انتهاكا، قام بأكثرها مستوطنون يهود، وهي السنة التي شهدت وصول حكومة متطرفة الى السلطة، وهو ما يعكس مزاج الشارع في “إسرائيل” الذي ينزاح ناحية اليمين المتطرف”.
أما مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد أصدر تقرير عام 2012 رصد من خلاله الاعتداءات واستهداف 56 عين ماء أو برك مائية في الضفة الغربية خاصة في منطقة C حول محاولات ومخططات المستوطنين على العيون المائية الفلسطينية في الضفة الغربية، وتحويلها الى مزارات سياحية/دينية ونصب لافتات وتغيير أسمائها الى أسماء يهودية مستوحاة من الرواية التلمودية.
وفي دراسة لمركز “عيمق شفيه” الإسرائيلي هذا العام، عن الاستيطان في ما أسماه “منطقة جوش عتصيون” – منطقة الخليل وبيت لحم وصولا الى شمال وشرق القدس-، ورد ما يلي: “خلال السنتين الأخيرتين تعالت أصوات من السياسيين الإسرائيليين الذين يطالبون تطبيق فرض السيادة الإسرائيلية على المنطقة، وفي خضم هذا الصراع السياسي يستخدمون المواقع الأثرية كأداة مركزية لتحقيق هذا الهدف. وكجزء من هذه السياسة تستثمر وترصد وتوفر الحكومات الإسرائيلية ملايين الشواقل لتطوير مواقع أثرية مثل هروديون ومصادر المياه، والإشارة اليها على أنها جزء من التاريخ اليهودي، وأن تواجد الزوار اليهود في هذه المواقع ومنها قناة السبيل – سبيل سليمان، يجذر التواصل اليهودي معها.
وفي هذا السياق حذر خبراء فلسطينيون في شؤون الآثار والاستيطان من خطورة استمرار الاحتلال الاسرائيلي في استهداف المساجد والمقامات والآثار الإسلامية التاريخية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مؤكدين على أن هذا النهج يهدف الى تغيير طابع المدينة العربي والإسلامي، وطمس معالمها التاريخية والدينية.
وأكد المسؤول عن دائرة الإنتهاكات في وزارة الأوقاف الأردنية والشؤون الدينية في القدس منير جابر، في تصريحات صحفية، أن سلطات الاحتلال ومجموعات المستوطنين تنفذ اعتداءات وانتهاكات بحق الأماكن المقدسة والمقامات التاريخية الدينية بشكل مستمر، مشددا على أن الأرض الفلسطينية تتعرض بكل ما تحتويه من كنوز إسلامية ومقامات، بصورة يومية من قبل الاحتلال، إلى جملة من الاعتداءات والانتهاكات ضد الممتلكات التاريخية والثقافية، بحكم أهمية موقعها الجغرافي، من أجل تهويدها وطمس معالمها التاريخية والإسلامية.
وأشار جابر إلى أن “عشرات المواقع في مناطق مختلفة من الضفة الغربية وخارجها يسعى الاحتلال إلى تحويلها إلى موطئ قدم له لتسهيل عمليات الاستيطان وتهويد الأرض، وأنه يحاول الترويج لوجود شواهد توراتية تبرر لهم احتلالها والسيطرة عليها”.
من جهته رأى الباحث الفلسطيني في شؤون القدس والاستيطان عبد السلام عواد أن المقامات والآثار الدينية المنتشرة في مدن الريف الفلسطيني هي إرث تاريخي وديني موجود منذ آلاف السنين، وأن غاية الاحتلال من وراء استهدافه لهذه الأماكن، لا تختلف عن استهداف المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية. كما بيّن أن “الاحتلال يزرع تاريخا مزعوما ليوهم الجميع أن له جذورا تاريخية، ويسعى من خلال السيطرة استهداف المقامات الدينية بتزييف معالمها وسرقة محتوياتها، إلى إثبات وجود إرث يهودي مزعوم على هذه الأرض”، وفق تعبيره. ولفت الباحث الفلسطيني إلى أن سلطات الاحتلال من خلال سيطرتها على الأماكن والمقامات التاريخية تكون قد فتحت لها بابا للسيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي في محيط هذه الأماكن، وفي التالي استغلالها وسرقتها لصالح المستوطنات والبؤر الاستيطانية.
كيوبرس