الإنتفاضة انطقلت فلا تقصفوا الأطر

تاريخ النشر: 22/10/15 | 15:11

لا شك أنه هناك من يريد استغلال هذه الإنتفاضة من قبل الأطر السياسية الموجودة في الساحة الفلسطينية، ولا يمكن إنكار الفائدة التي من الممكن أن تحصل عليها بعض القوى والتيارات عبر ترك الإنتفاضة يتيمة كما هي حتى الآن. البعض، يرى أن الإنتفاضة الحالية، أثبتت إنتهاء أسطورة الفصائل الفلسطينية، واندثار دورها التاريخي. إلا أن الواقع مختلف تماماً.
من مصلحة “حماس” اليوم أن تثبت للعالم عموماً، وللفلسطينيين خصوصاً، ضعف السلطة الفلسطينية في وقف الإعتداءات الصهيونية اليومية، بينما كانت تطلق العنان لقوتها الأمنية قبل أيام من الإنتفاضة، لردع أي تحرك فلسطيني، واعتقال قياديين من هذا الفصيل أو ذاك، أو ترك المجال مفتوحاً أمام قوات الإحتلال عبر بوابة التنسيق الأمني، لاعتقال من يريدون، مثل خالدة الجراد.
“حماس” تريد أيضاً، أن تطرح نفسها كبديل منطقي لتلك السلطة، وأن تظهر للجميع، الفارق بين حرب غزة والإنتفاضة التي بدأت من القدس، وكيف كان دور “حماس” في غزة والالتفاف الشعبي حولها تلك الأثناء وكيف يغيب دور السلطة اليوم عن الساحة وسط عزلة شعبية، وهي تعمل أيضاً على إيهام البعض بأنها لاتريد التدخل في الضفة خوفاً من حرف الانتفاضة عن هدفها هناك!. لكن ماالهدف من الانتفاضة الذي تريده “حماس”؟.
بالتأكيد، هو إنهاء السلطة قبل انهاء الاحتلال، والاستمرار بإحراج عباس قدر الإمكان. ومن الجهة الأخرى، لايرى عباس مشكلة في ابقاء الوضع على ماهو عليه، لكنه لاينظر في ذلك إلى “حماس” وماتكن له، فهو يعلم ذلك تماماً، إلا أن همه الحالي، هو أن تستمر الانتفاضة لزيادة الضغط على حكومة نتنياهو والعودة للمفاوضات وفقاً لشروط يريدها ان وجدت، وأن تبقى الهبات الشعبية المتتالية البعيدة عن الفصائلية، ورقة يمكن استخدامها في أي وقت، ليثبت أنها لا تؤتِ ثماراً، وأن الحل الوحيد هو التفاوض والتهدئة، تبعاً لوجهة نظره.
اذاً، الفصيلان اللذان جسدا الانقسام الفلسطيني بخلافاتهما السياسية، مستفيدان من الانتفاضة وكل من وجهة نظره، وكل منهما لايريد دخول أي فصيل ضمن ذلك الحراك، كي لا تذهب مآربهم أدراج الرياح.
لكن، هل من المنطقي اليوم، العمل على قصف الأطر كلها نتيجة ذلك الخلاف السياسي، كما يعمل ويجيش له البعض، بالتزامن مع وجود انتفاضة على الأرض؟.
بالتأكيد هناك طرف ثالث، طرف يريد إلغاء الجميع بأي وسيلة، ويتنظر كل محطة ليشحن في سبيل ذلك، ليطرح نفسه بديلاً عن الجميع. طرف يريد أن يقول أن دور الفصائل انتهى، وحان الوقت اليوم ليعلو صوت الشعب على صوت كل الخلافات السياسية، و”قرف” الفصائل وتطرفهم وعصبيتهم.
تلك الشعارات رنانة فعلاً، فلا أحد يمكن أن يقف بوجه هبة شعب، ولا أحد يمكن أن يقول بأن خلافات الفصائل لم تؤثر سلباً على القضية الفلسطينية، لكن لنكون منطقيين، من هي تلك الفصائل المؤثرة بالمعنى السياسي على الساحة؟، ومن تمثل! ولمذا لم ينتفض الشعب بداية عليها؟، وهل من المنطقي مهاجمتها وخاصة في هذه المرحلة؟.
“فتح” و”حماس” أكبر فصيلين على الأرض، ويملكان شريحة واسعة من الشعب الفلسطيني، ولا يمكن إلغاء إطارهما بهذه السهولة، لأنك تحاول في ذلك الغاء جزء مهم من الشعب، ولولا التفاف الشعب على “حماس” في حرب غزة، لكانت النتيجة مؤلمة، مايعني أن الأطر حينما يلتف حولها الشعب، تثمر، وتعطي، ويمكن أن تكون أقوى، وخاصة أن هذا الالتفاف قادر على إحراج القيادات وتوجيه العمل كما يريد بتشكيل جماعة ضاغطة، وخاصة وأن الشعب الفلسطيني يعي تماماً أن عدوه الاساسي هو اسرائيل، وليس الفصائل الفلسطينية.
وكما هي الحال في بعض الدول العربية، وكما روجت بعض الجهات والتيارات والدول، إلى أن العدو الحالي هو إيران وليس اسرائيل، بينما ذهبت بعض الجهات الاخرى لجعل الخليج وعلى رأسهم قطر والسعودية، أعداءاً أخطر من الصهيونية، هناك ذات التوجهات في الداخل الفلسطيني، الذي لايمكن بث الفتنة فيه على أساس عقائدي، بينما التربة خصبة اليوم لبثها على أساس فصائلي، وتنمية جهات أخرى لضرب كل تلك الفصائل جملة واحدة، وفي النهاية تشتيت الرأي والقرار الفلسطيني، وجعل أي حراك يراوح مكانه كونه يرفض الأطر المنظمة التي تحوي خبرات على الاقل في المجالات العسكرية.
ليس من المعقول اليوم، أن تطالب الانتفاضة بإطار موحد، فهي ومنذ البداية، أعلنت رفضها للفصائل، أي كل الأطر، مايعني عدم تطوير العمل أو إكسابه الطابع المنظم.
لكن، أغلب من “يقصف الأطر” اليوم، ويطالب بحراك شعبي خالص دون فصائل وقيادة، هاجم سابقاً بعض الهبات التي ظهرت ضمن مايسمى “الربيع العربي”، كونها دون قيادة وبرنامج سياسي، ومخطط واضح، وعمل منظم، وهؤلاء ذاتهم، أدركوا تماماً ما معنى أن تصلح الأطر وتعمل على دعمها بدلاً من قصفها، فعندما خرج الشعب المصري بشكل شعبي دون قيادة، استطاعت جماعة الاخوان المسلمين بعد تنظيم نفسها بقوة، استلاب النضال والسيطرة على الحكم.
مثال آخر أوسع وأشمل. المتطرفون كانوا موجودين سابقاً بكل أصقاع الارض، وعندما ظهر إطار يسمى “الدولة الاسلامية”، دعى لتوحيدهم وتحقيق مايريدون، جاء هؤلاء من كل اصقاع الارض. ونتيجة التنظيم العالي، ودعم هؤلاء المتطرفين للاطار الذي انتموا اليه، وصلت “داعش” إلى حدود لم يتوقعها أحد.
وفي العودة إلى فلسطين. فكل فصيل يمثل ايديولوجيا معينة، ولايمكن طرح ايديولوجيات جديدة غيرها حالياً، فجميعها استهلك، وهنا يتعين على كل شخص، يريد العمل المثمر المنظم، أن يدعم الإطار الذي يلبي فكره، فلا أعتقد أنه هناك فصيل فلسطيني واحد، لايدعو للحصول على دولة فلسطينية سواء بالمفاوضات أو المقاومة، وعلى الشعب هنا أن يختار مايريد، لاصلاحه ودعمه.
دعم الاطر لايعني، دعم القيادات، فالدعوة هنا إلى اعادة هيكلة تلك الفصائل، وتنظيفها من الداخل، وتوجيهها نحو العمل الوطني، وكذالك الأمر لمنظمة التحرير.
هناك مشكلة لا يعيها هؤلاء، ولو فرضنا أن هذه الانتفاضة قادتنا إلى تحرير الارض، ولو أن طرحي هنا مثالي جداً، لكن، كيف سيكون الحال مابعد التحرير؟، ومن سيقود عملية هيكلة الدولة؟، وكيف سيظهر القادة؟ ومن سيدعمهم؟، وعلى اي أساس سيمثلون أنفسهم حين يطرحون أنفسهم؟.
المشكلة الأخرى، والأخطر، هي أن أغلب التحركات الشعبية دون قيادة، تتقسم وتتجزأ بعد فترة، أو يمتطيها قائد ليس له اي علاقة بالعمل السياسي، ليذهب بالحراك إلى الهاوية، لسهولة السيطرة عليه من قوى خارجية، فلابد أن يتوحد الفلسطينيون اليوم، وأن يلفظوا الخلافات السياسية، وأن لا يستمعوا لمثل تلك الدعوات التي قد تؤدي لاقتتال داخلي نحن بغنى عنه اليوم وغداً. وبدلاً من قصف الأطر، العمل على اصلاحها، ودعوتها للتوحد وأخذ دورها المشهود له تاريخياً، وأن نركز على أن الانتفاضة انطلقت ضد المحتل.

بقلم الكاتب حازم عوض

6

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة