التطرف لا فكر له
تاريخ النشر: 14/06/13 | 23:59إن التطرف ليس فكرة أو موقف يمكن الاستناد عليه، فتداعياته قد تصل إلى مراحل الانقلاب على الحقيقة، ومن ثم فإن طريقها غالبا ما يؤدي إلى الخيانة الفكرية والسياسة والوطنية، الكثير منا يظن أن بإمكانه تهيئة الفكرة لتضمن له حسن الوقوف على موقف ما تحمله، ويجهل هؤلاء أن الفكرة هي الضمانة الوحيدة لتهيئته بشكل يتلائم مع جوهرها، إذ لم توجد إلى الآن في تاريخ البشرية فكرة مطلقة ومسيطرة، بل إن مسألة التنافس بين الأفكار المختلفة تصب في مصلحة الفكرة الأقرب إلى الحق والحقيقة، لذلك كان فرضا أن تتضمن الفكرة لمفكرين يرعونها ويطورونها ويتعاملون معها كأي مخلوق يمر في مراحل، فالفكرة تحتاج إلى التروي كما السرعة، وتحتاج إلى الهدوء قبل الغضب، وتحتاج للحوار قبل اللجوء إلى القوة، فإنك لن تخلق للفكرة عضلات، ومسألة زعمك بحمايتها بعضلاتك ما هي إلا تضليل وتزييف للحق التاريخي الحافظ والمميز لمجمل الأفكار، فكم حمل لنا التاريخ من أمثلة على دق الفكرة في منهج الناس بالنار والحديد، فذابت الفكرة وذاب حارقوها، وبقي الناس يبحثون عن ملجأ فكري يفسر لهم تاريخهم ويحتضن حاضرهم وينير مستقبلهم، ومن هنا فإن أعظم الخطايا الفكرية إن تسلم تسليما سطحيا بالإسلام كأضخم فكرة عرفتها البشرية، وكأكثر فكرة تثير الجدل الحاضر منه والتاريخي، ومن يتابع مجريات الأحداث في عالمنا العربي وبسوريا بوجه خاص، ثم يحلل بموضوعية بقياسات الفكر الإسلامي سيرى كم من السقوط والإسقاطات التي يحدثها التطرف إن كان من منطلق الازدواجية أو تجيير الأفكار لما يخدم المصالح الضيقة، على الثورة الإنسانية المنتظرة في عالمنا العربي وعلى فكرة الإسلام، مما خلق هذا الواقع هالة ضبابية على الفكر الإسلامي، وساعد في إحداث مناطق سواد داخل الربيع العربي، وهذا لأن الحاصل في المدة الأخيرة في سوريا على وجه التحديد لا يخضع للصراعات العقائدية البته، إذ أنك ستظلم الفكر الإسلامي إذا كانت معركتك مع موروثات الأنظمة العربية وانعكاساتها على الشعوب من حيث تعمد إفقار وتجهيل الشعوب، فأي مظلمة ستكون للإسلام إن بني على شعوب ما زالت متخلفة بفعل حكامها المستبدين، هل سيتعامل الناس وفق مفهوم الإسلام لهم حينها؟ أم وفق مفهومهم القاصر لفكرة الإسلام وشموليته والتي لا تقل سبقا لعقولهم على المستوى الفكري أسوة بالقفزات النوعية للتطور العلمي والذي يسبقهم مئات السنين.
وقد يتساءل البعض لما لا أوجه هذا الخطاب للجانب الآخر، متناسين أن الثورة دائما ما تحمل نقيض للواقع، فهي تقوم على محاربة الظلم لا على تقمسه، وهي تحمل فكرة مغايرة لواقع الحكام المتطرفين، لذا فإن تصور أحدهم أن التطرف يقابل بالتطرف، فهل صراع الإنسان على التطرف أم على إيجاد معادلات إنسانية تخدم وجه الحضارة للإنسان والفكرة على حد سواء.
إن الموضوع الذي أطرحه أبعد عن التحليلات السياسية وعن فرز المواقف، ولا أريد الخوض هنا بمفهوم المؤامرة التي حصرت الثورة الشعبية بمواجهات عسكرية ممكن أن تطور تشوهاً للتدخلات الأجنبية، ولا أريد أن ألفت النظر كيف أن المجموعات العسكرية المتطرفة قد أنهت كل مظاهر الثورة من احتجاجات ومظاهرات، وكيف أن تلك المجموعات تسبح بجهل الخليج العربي ليل مساء، فهذا "المجاهد" الكويتي أو السعودي أو البحريني، ألم يجد ما يجاهد عليه في بلاد لطالما أذلت تاريخنا وحاضرنا الإسلامي، وهذا الشيخ الذي يدعو من منبر رسول الله للجهاد في سوريا، ألم يجد ما يدعو به للأقصى المحرم عليه مناجاته وذكره مع فلسطين، ألم يشعر كل هؤلاء بالضيم والظلم من أنظمة أباحت للقوى الاستعمارية العالمية بمجاورة قبر الرسول؟
كيف لنا أن نتغاضى عن كل تلك المعادلات المختلة، وكيف لنا أن ندعو للنصرة من أنظمة الخليج فندعو لبقائها على حساب الثورة السورية، أليست هي أولى من أي بقعة بالثورة؟ ألا يخجل هؤلاء؟ أم يحسبون أنهم بأفعالهم المتطرفة من انتزاع قلب أو إعدام فتى سيخيفون الأمة!
إن من ينادي بهذا التطرف الذي لا يحمل أصلاً أي فكرة، إنما يجعل من الكفر بالإسلام وبالثورة العربية عناد، وكذلك فإنه يحمل مشروعاً لتصفية الثورة العربية الشاملة، لأن الثورة التي تعتمد على الشعوب مقدر لها النصر، وليست تلك المرتكزة على نشاطات عسكرية على حسابات سياسية دولية لا تحفظ لعربي أو لمسلم أي حق في أية بقاع، لذا فلندع للخلاف مكان، بأن نواجه الفكر بالفكر والسياسة بالسياسة على أساس حق الشعوب في تحديد ثورتها وكسب رهانها بدون تقسيم إرث لأي قوى إقليمية، لأننا جميعاً ووفق تطورات الأمور ووفق ثقل الأيادي العابثة بالمشهد السوري نجهل لأي اتجاه ستسير النتائج، بعدما اغتيل صوت الشعب واقتصرت اللعبة على مركزية القوى الطامعة بالسيطرة على المشهد السوري.
وأخيراً فإن سوريا تعبر عن ثورة استثنائية، شديدة التعقيد بحيث انقلبت كل الرؤى فيها والموازين، فلا عجب في أن تنعكس هذه الثورة على كل الميادين وواقعنا بشكل خاص، حيث أن الغلو في التطرف بات موضة يسارية ودينية، وأصبح الحوار فيها مجرد شتم، والفكر مجرد إرهاصات تاريخية لا تغني من جوع ثقافتنا شيئاً، وأصبح فيها الإعلام مجرد من أي مصداقية، وكأن قوى عالمية تتحكم بعقلنا الباطني كي نذيب كل قضايانا المشتركة، وكي يضيع في خلافاتنا مصيرنا المشترك في مهب المصالح والأطماع العالمية، ولأننا بتنا جميعاً يسارا ويمين مذاهب وطوائف متناحرة داخل قفص سياسي عالمي أراد لنا أن نتيه من أقفاص الحكام إلى أقفاص جهلنا للعبة، والتي ستعيد التاريخ ليصبح الأسد فيها حارسا لتلك الأقفاص، لأن التطرف لم يستطع إزالة الأسد إلى الآن وسيعجز عن إزالة اللعبة العالمية إذا لم ننادي بحرية الفكر الموازية لحرية الشعوب دون مساندة من أي متطرف.