الـمـَــرفوعُ والمجرورُ في قامُوس" أبو أحمد"!!
تاريخ النشر: 16/06/13 | 4:39ابو احمد صديقي منذ زمن،أعرفه كما أعرف نفسي "لا يطيق العَوَج" حتّى على نفسه،التقيته مرّة وكان يتألـّم من وجع في أُذنه،ومن عادته أنّه صبور ولا يذهب الى العيادة إلا اذا اشتدّ الوجع كثيرا.وكان أَنِ اشتدّ الوجع فعلًا،واضطرّ الى زيارة أخصّائيّ الأنف والأذن والحنجرة الّذي عجّت عيادته بالمرضى،وبعد طول انتظار جاء دوره واستقبله الطّبيب،وعلى ذمّة ابي احمد لم يفحص الطّبيب موضع الألم في أذنه كما يجب ونظر اليه نظرة عابرة وأعطاه وصفة طبّيّة وانتهت الزّيارة في أقلّ من دقيقتين!ابو احمد خرج غاضبًا واخبرني انّه جاء الى اخصائيّ متمرّس ليلتمس عنده حلًّا لمشكلته لكنّه لم يستفد شيئا،فالنّتيجة حصوله على نفس الوصفة التي حصل عليها من طبيب العائلة!!وسألني ابو احمد:ما المغزى إذن من وجود الطّبيب الاخصّائيّ؟وكيف لهذا الطّبيب أن يعالج اكثر من ثلاثين مريضًا خلال ساعتين اثنتين؟؟وما دامت الأمور تسير بهذا الشّكل فكيف لي ولسائر المرضى ان نحظى بالعلاج المناسب عند هؤلاء الأخصّائيين ؟هل من رقيب عليهم ؟ واذا شكوت أمري وهمّي فهل يصدّقون روايتي؟؟
لي صديق آخر جمعني به القدر وحدّثني عن قصّته مع أحد الاطبّاء فقال:لاحظت ظهور علامة بارزة وملفتة للنّظر على جسد ولدي البالغ من العمر 15عامًا،وللإطمئنان قرّرت ان اراجع طبيب العائلة،فقال لي:لا داعي للقلق انّها ستزول بعد حين،لكنني طلبت منه صورة أشعّة أو اجراء فحص دم للتّأكّد من الأمر!الطّبيب "تملّص"من الموضوع وقال لي:"خلّيه يشرب شاي وميرميّة وسوائل بتروح لحالها"!،ابتسمت كما ابتسم ابني وكلانا لم يقتنع بالرّدّ ابدًا رغم عدم درايتنا بأسرار علم الطّبّ!! وبعد حين قرّرت الخروج من عنده والتوجّه الى طبيب اخصّائيّ،وباختصار أخذ الطبيب المختصّ الأمر على محمل الجدّ وباختصار أكّدت نتيجة الفحوصات الطّبــّـــيّة ان ابني مصاب بمرض السّرطان!!.
وأحدّثكم قصّة شخصيّة أخرى حصلت معي قبل فترة وجيزة عندما تعرّض والدي-أمدّ الله في عمره- الى وعكة صحّيّة حادّة نقلتُهُ على اثرها الى عيادة خاصّة في قريتنا ومنها نُقل الى غُرفة الطّوارئ في المستشفى البريطاني في النّاصرة،فاستقبله طبيب عربيّ شابّ(اسمه معروف) واجرى له فحوصات مستعجلة،ومن جملة ما قاله لوالدي وهو يغرز في يده ابرة لأخذ عيّنة من الدّم:"يا حاج هاي شرايينك خربانة !!"ذُهلت لما سمعت،وتمالكت نفسي لئلا اردّ عليه بكلام لا يروق سماعه لأنّي بالطّبع كأبي احمد لا أطيق العوج والكلام الممجوج،وأصدقكم أنني حزنت كثيرا لسماع هذه الجملة من طبيب يفترض ان يكون ارقّ من الـرّقّــة عينها،وسألت نفسي سواء كان صحيحا ما يقوله ام لا،هل هذه العبارة تخفّف الألم والمعاناة على المريض ؟وهل هذه العبارة ترفع من معنويّتة،وتبعث فيه الأمل بالشّفاء؟وهل هذا هو المحفّز الّذي ينتظره المريض من طبيبه؟
واذا تحدّثنا عن الممرّضين والممرّضات في نفس السّياق فحدّث ولا حرج، ففي نفس الغرفة التي رقد فيها والدي كان يرقد بجواره رجلان مسنّان احدهما تلطّخت ملابسه بالدّماء وتلوّثت مخدّته اثر انفلات انابيب الدّواء المغروزة في جسده،وكان ينادي ويستغيث ولا مـُجيب!!ولم يكن مقرّ الممرّضين في ذلك الجناح بعيدًا عن غرفة هذا الرّجل!وللأسف تجاهله جمهور الممرّضين،عندها قمت أنا نفسي شخصيًّا باستدعاء احدى الممرّضات لتساعده وتزيل الدّم المسكوب عن سريره وملابسه،فوصلت احداهنّ وبكلام بارد لا روح فيه ولا اهتمام،قامت بإعادة الأنابيب الى مواضعها وظلّ المريضُ المسنّ نائمًا على مخدّة ملوّثة بالدّم دون اكتراث الممرّضة!!وصدّقوا أو لا تصدّقوا بعد دقائق كان نفس المسنّ يصيح ويستغيث الممرّضين لمساعدته في أمر ما،وللأسف لم يلتفت اليه أحد في هذه المرّة ايضًا فقمت ثانية باستدعاء احد الممرّضين فوجدته يمازح ويتجاذب اطراف الحديث مع احدى الممرّضات وهما يأكلان قطعًا من الحلوى!! لقد أصابتني القشعريرة والاشمئزاز وعدت أدراجي خجلا أَسفًا بعد أن قطعت عليهما حديثهما المقدّس وأسمعتُ صوتَ الرجل المسنّ!!فعلًا يا للخزي والعار لمؤسّساتنا الطّبّيّة العربيّة الّتي لا ترحم شيخا في مثل سنّ هذا الرّجل،وإذا تحدّثتَ عن معاني الخدمات والنّظافة فحدّث ولا حرج فالصّورة المرفقة مع هذا المقال أبلغ من الكلمة فهي لصنبور ماء في داخل احد حمّامات المستشفى التقطها أحد الزائرين هناك!!.
هذه قصص حقيقيّة من واقعنا،ولو بحثت في المجتمع لوجدت قصص الف ليلة وليلة عن الاطبّاء والعاملين في المؤسسات الطبّيّة وطريقة تعاملهم مع المرضى والنّاس،انّها تتأرجح بين الجدّيّة في العمل وخصوصا عندما يتعلّق الامر بحياة الانسان وجسده،وبين اللّامبالاة وعدم الاكتراث!وتثبيط العزائم ويصل الامر الى حدّ السّخرية من المريض والتّهكّم عليه!!وإزاء ما يجري بإمكاننا ان نضع هذا السّلوك تحت المجهر وعلى ميزان العدالة أو ما يسمّى بأخلاقيـّات المهنة،ونكشف القناع عن هذه الافعال!.
جميعُنا:ابو احمد وصديقي الثاني وأنا،شعرنا بعدم الرّضا الى حدّ الغضب والامتعاض حيال هذا السّلوك المشين والمهين بحقّنا وبحقّ مَرْضَانا،ولو أُتيحَتِ الفرصة أمامنا لقدّمنا الشّكاوى ضدّ هؤلاء الّذين يرون بمهنتهم مكسبا للمال فقط لا مساعدة انسانيّة للنّاس..انّ مهنة الطّبيب من أَقدس المهن وأَجَلِّها!الطّبيب يُعالج الرّوح والجسد معًا،فكم من طبيب تزوره وترتاح لكلامه وتشعر بأنّ الهمّ والغمّ زال عنك لمجرّد دخولك عيادته،وآخر تشعر بالضّيق والاشمئزاز منه ومن كلامه وتحسّ انّ الالم لن يزول عنك ابدًا بل تفاقم أكثر وأكثر!!.
المرفوع في قاموس ابي احمد وقاموس صديقي وقاموسي يعني رفعَ الهمم وتعزيزَ المعنويّات وليس جرّها الى واد سحيق ومنزلق خطير!! إنّ كلمةً فيها التّحفيز تبعث في قلب السّامع الأمل والتّفاؤل ويكون لها الوقع العظيم جدًّا،وقد يصلُ الى حدّ تقديم العلاج النّفسي للفرد او الجماعة،خاصّة لدى المرضى وطلّاب العلم وغيرهم.التّعزيزُ أعزّائي القرّاء مصدرُهُ المسؤول ومُستقرُّهُ من هم دونه.لقد طرقتُ هذا الباب لأنّني رأيت فيه منتهى الجدّيّة والخطورة وقلّما يلتفت اليه اصحاب المسؤوليات..
أيها المسؤول!
رُبّ هِــمـّـة أَحْيَتْ أُمّة ورُبّ كلمةٍ أَنقذتْ نفسًا وأُخرى هَدّتْ جَبلًا وقَصَمَتْ ظَـهْـرًا.. انتهى.