وعد بلفور: 98 سنة من التواطؤ الدولي على الإنسانية

تاريخ النشر: 01/11/15 | 4:08

بعد توقيع إتفاقية سايكس بيكو في أيار/مايو عام 1916 تم تقسيم المنطقة العربية جغرافياً وإحتلالها وتوزيعها حسب المصالح من قبل الدول العظمى، فكان الإحتلال البريطاني لفلسطين عام 1917. شكل وعد بلفور محطة فاصلة ليس في تاريخ الشعب الفلسطيني فحسب، بل في تاريخ الإنسانية جمعاء، فالوعد – وبشهادة الخبراء القانونيين – غير قانوني صدر عن رجل يمثل دولة الإحتلال البريطاني لفلسطين في 2/11/1917، لا يحق له أن يتصرف بأملاك الغير ويقدمها على طبق من ذهب لغرباء جاؤوا من مختلف دول العالم، ولم يكن هذا حينها ليحدث لولا تواطؤ دولي منهجي مُحكَم يقوده اللوبي الصهيوني في الغرب عموماً، إذ لم يكن حتى قد أُقر الإنتداب البريطاني على فلسطين بعد نتيجة معاهدة مؤتمر سان ريمو في إيطاليا في نيسان من العام 1920، التي حددت مناطق النفوذ البريطانية والفرنسية في المشرق العربي، ولتكريس التواطؤ الدولي وفي خطوة لا تحمل إلا المزيد من الزيف القانوني نتيجة الخلل في موازين القوى الفكرية والمادية..، فقد تم إلحاق وعد بلفور بالإنتداب البريطاني على فلسطين وبشكل رسمي وفقاً للمادة الثالثة من المعاهدة التي نصت على “وضع فلسطين وشرقي الأردن تحت الإنتداب البريطاني مع الإلتزام بتنفيذ وعد بلفور”..!

جاء تاريخ 11/9/1922، ليشكل محطة أخرى من محطات الاستمرار في الزيف القانوني وتكريس المعايير المزدوجة وهذه المرة بشهادة وتوقيع ليس فقط بريطانيا وفرنسا وإنما مع 44 دولة غربية وعربية وإسلامية (31 من دول التحالف، و 13 دولة محايدة مثل إسبانيا وسويسرا والنرويج والسويد والدانمرك وإيران والأرجنتين)، جميعها شاركت في إنشاء عصبة الأمم التي ضمت هي الأخرى وعد بلفور لتشريعاتها. بعد ذلك انضمت دول أخرى بعد موافقتها على النظام الداخي للعصبة ومقرراته، مثل العراق ومصر والمانيا والإتحاد السوفياتي حتى وصل العدد النهائي لعصبة الأمم إلى 58 دولة، فإذا كان من أهداف تأسيس عصبة الأمم إحلال الأمن والسلام في العالم، فأي سلام وأي أمن واستقرار مع توقيع دول موصوفة على وثيقة مزورة تعطي حق الغير لغزاة جاؤوا من دول أخرى..!

فشلت عصبة الأمم وانتهى دورها الفعلي مع اندلاع الحرب العالمية الثانية في أيلول 1939 لكن هناك من كان يراقب تشريعاتها ولا يكل ولا يمل من تكريس مقرراتها للمرحلة القادمة، وهذا بالفعل ما حصل مع انتهاء الحرب في أيلول 1945، واطلاق الأمم المتحدة الجديدة “المحبة للسلام”، لتتداعى 51 دولة غربية وعربية وإسلامية لصياغة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ببنوده الثلاثين. المفارقة العجيبة بأنه وخلال فترة الثلاث سنوات من الإعداد كان الإنتداب البريطاني لا يزال جاثماً في فلسطين، يُسهِّل هجرة اليهود، ويغض الطرف عن المجازر التي كانت ترتكبها العصابات الصهيونية بحق الفلسطينيين ويعتقل ويُجري كل المعاملات والتحضيرات لمغادرة فلسطين وتسليمها للعصابات الصهيونية، الهاجاناة وشتيرن والأرغون وغيرها والتي تحولت بعد ذلك للجيش النظامي لدولة الإحتلال، وهذا إن دل على شيئ إنما يدل على حجم التواطؤ الدولي على فلسطين وشعب فلسطين وقوة اللوبي الصهيوني وأدواته في المنظمة الدولية وضعف الإرادة السياسية للكثير من الدول العربية والإسلامية الأعضاء المؤسسون التي وافقت هي الأخرى ان يكون وعد بلفور من ضمن تشريعاتها..!

يعتبر وعد بلفور إهانة سياسية وإنسانية وأخلاقية ليس فقط للشعب الفلسطيني، وإنما لجميع القيم والمبادئ التي نشأت عليها البشرية جمعاء، تستدعي صحوة ضمير عالمية ولإعادة الحقوق لأصحابها الأصليين والتعويض عليهم عما خسروه معنوياً ومادياً، ولا يتحقق ذلك إلا بعد أن تتقدم بريطانيا كدولة تتحمل مسؤولية الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني منذ ما يقارب المائة عام بالإعتذار من أكثر من 12 مليون فلسطيني كانت السبب في لجوئهم وشتاتهم..!

علي هويدي

3lehwede

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة