رواية "يافا تعدّ قهوة الصباح" لأنور حامد في ندوة مقدسيّة
تاريخ النشر: 21/06/13 | 23:02ناقشت ندوة اليوم السابع الثقافية الأسبوعية الدورية في المسرح الوطني الفلسطيني في القدس رواية"يافا تعد قهوة الصباح"، للأديب الفلسطيني أنور حامد والتي صدرت في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في شهر حزيران – يونيو- ٢٠١٢. وتقع في 207 صفحات من الحجم المتوسط. ولاقت استقبالا حارّا من القراء والنقاد، ورشّحت لجائزة "بوكر العربية" ووصلت الى القائمة الطويلة بين ١٦ رواية عربية، من أصل ١٣٣ رواية رشحت للجائزة.
أنور حامد كما جاء عنه في ويكبيديا
روائي وشاعر وناقد أدبي فلسطيني، يكتب بثلاث لغات: العربية والمجرية والإنجليزية. ولد في بلدة عنبتا في الضفة الغربية عام 1957، وبدأ نشاطه الإبداعي أثناء المرحلة الثانوية. نشرت قصائده وقصصه القصيرة الأولى في جريدة القدس والفجر الصادرتين في مدينة القدس.
أعماله المنشورة:
نشرت للكاتب حتى الآن أربع روايات باللغة العربية.
– حجارة الألم: صدرت هذه الرواية أولا باللغة المجرية في بودابست عام 2004، ولاقت استقبالا حارا من النقاد والقراء على حد سواء، إلى درجة أن أحد النقاد طالب بإدراجها ضمن المنهاج الدراسي للمدارس المجرية. كان من أهم المتحمّسين للرّواية رئيس جمهورية المجر آرباد غونس، وأطراها بكلمات حارة. صدرت الرواية عن دار أوغاريت في رام الله عام 2005.
– شهرزاد تقطف الزعتر في عنبتا: صدرت في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2008 ولاقت استقبالا حارا من الوسط الأدبي العربي، وقد وصف الروائي المصري بهاء طاهر أسلوبها الساخر بأنه "امتداد لأسلوب إميل حبيبي".
– جسور وشروخ وطيور لا تحلق:صدرت في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2010
– "يافا تعد قهوة الصباح"، صدرت في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في شهر حزيران – يونيو- ٢٠١٢. لاقت استقبالا حارّا من القراء والنقاد، ورشحت لجائزة "بوكر العربية" ووصلت الى القائمة الطويلة بين ١٦ رواية عربية، من أصل ١٣٣ رواية رشحت للجائزة.
– أعمال صدرت بالمجرية والإنجليزية.
بدأ النقاش د. اسراء أبو عيّاش التي أدارت الجلسة، وأبدت اعجابها بأسلوب الكاتب خصوصا بداية الرواية.
وقال موسى أبو دويح:
أشاد الكاتب ونوّه في بداية روايته بمنافع التّقنيات الإلكترونيّة الحديثة وفوائدها كالحاسوب، وبوسائل التّواصل المجتمعيّ الحديثة أيضًا؛ كالفيس بوك وتويتر، وتسهيلها وتيسيرها لكتابة الكُتّاب في هذه الأيّام، واختصار الزّمان والمكان.
لغة الكتاب غالبها باللغة العامّيّة المحكيّة في بلادنا فلسطين، وعلى الأخصّ في منطقة يافا عروس البحر الأبيض المتوسّط.
والكتابة باللغة العامّيّة لها وعليها؛ لها، لأنّها تسجّل لنا تراثًا فلسطينيًّا، لا بدّ من تسجيله وتثبيته، وخصوصًا الأغاني والأهازيج في مواسم الأعراس وحفلات الطّهور، الّتي يطهّر فيها جميع صبيان العائلة أو صبيان الحارة، وتوديع الحجّاج بالأهازيج الّتي تدعو لهم بسلامة العودة؛ لأنّ الحجّ في تلك الأيّام كان شاقًّا ويستغرق أشهرًا. وكذلك وثّق لنا أهازيج الحصاد ومواسم قطف البرتقال وغيره من الثّمار، ووصف لنا الموت، وكثيرًا من المواسم والمناسبات.
وأمّا عليها، فإنّ اللغة المحكيّة لا يفقهها إلا أهلها، وأمّا غيرهم من العرب فيرَوْنَها غريبة تحتاج إلى ترجمة وشرح وبيان؛ بخلاف اللغة الفصيحة الّتي يفهمها كلّ من يقرأ العربيّة أو من له علاقة بها.
وأمّا الوصف الّذي جاء في رواية أنور، فهو وصف دقيق، وفيه تفصيل لكلّ ما وصف؛ فجاء الوصف رائعًا وثائقيًّا، وثّق لتاريخ النّاس وحياتهم في يافا في فترة زمنيّة هي النّصف الأوّل من القرن العشرين، أي زمن الانتداب البريطانيّ على فلسطين حتّى نكبتها عام
"1948."
ولقد ذكّرني الكاتب في روايته ووصفه لحياة النّاس المجتمعيّة في يافا في تلك الفترة، بقوله تعالى: "وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ".
فيافا منذ الفتح العُمَرِيّ لفلسطين، وحتّى زوال الحكم العثمانيّ عنها، عاشت يافا آمنة مطمئنّة، فلمّا كفرت بأنعم الله، ونما وطغى الفسق والفجور والخمور في عائلاتها الثّريّة ونواديها اللّيليّة، وفي مواخيرها أذاقها الله لباس الجوع، فسلّط عليها وعلى أهل فلسطين، يهودَ شراذم الخلق، فصار برتقالها لا يساوي ثمنه أجرة قطافه، فأهملت الأرض والبيارات.
وهذا بما كسبته أيدي أهل فلسطين، وجزاء أعمالهم السّيّئة، بل هو أقلّ من جزائهم؛ لأنّ الله يعفو عن كثير.
وعودًا إلى الرّواية، فقد وصف أنور يافا: بياراتها وحاراتها وبناياتها القديمة والحديثة، وشوارعها وسياراتها، وناقلات الحمضيّات، وميناءها وصياديها، ورجالها ونساءها، وأبناءها وبناتها، السّادة منهم والعبيد، ووصف عيشهم المرفّه والتّعيس، عيش الإقطاعيّين أصحاب البيارات والعقارات، وعيش الّذين يعملون في البيارات وعائلاتهم، الّذين يعيشون خدّامًا وعبيدًا عند أسيادهم. وكذلك وصف الأعراس وحمّام العريس، وحلاقة شعره، وحنّاء العروس، ويوم الزّفاف وليلة الدّخلة.
ووصف أيضًا الطّعام وأصنافه وعملية صنع الشّاي من ماء البئر، ووضع الشّاي فيه والسّكر معًا، والانتظار حتّى يخرط، وطريقة صبّه في الكاسات، ورفع الإبريق عن الكاسة حين الصّبّ؛ حتّى يَخرُج صوتٌ تلتذّ له الأذن، وعلى الأخصّ آذان العميان.
وأمّا توثيقه للأناشيد والأراجيز والأهازيج فيمثله قول بهيّة، تناجي البحر والرّيح والمركب والحبيب، قولها في صفحة "38".
وان هبّت الرّيح قلت لمركبي سيري
وأنا أصبر صبر الخشب تحت المناشيري
ناديت يا طير بحق السّما العالي
تلم شملي وتجمعني على الغالي
شط البحور مرقدي والموج بنى لي دارْ
والشنشولة صنعتي وأيامي في السّنّارْ
يا نازلين عالبحر لا تعاندوا التيارْ
بلكي تمر الصّبية وتنطفي لي النّارْ
أيّام لما البحر يكبر تلاقينا
نلعن زمان الشّقا ونلوم أهالينا
ولما البحر يهدا وريحه تنادينا
ننسى زمان التّعب ونرمي مراسينا
بمثل هذا، جاء الوصف والأهازيج والأغاني والأناشيد في جميع عناوين الرّواية الّتي بلغت أربعين عنوانًا.
أمّا الأخطاء في الرّواية فقليلة جدًّا، وأكثرها جاء مطبعيًّا وفي اللغة العامّيّة –وهي غالبًا لا ضابط لها- لأنّها؛ تكتب كيفما اتّفق. وقلّة الأخطاء فيها دليل على تمكّن الكاتب من اللّغة العربيّة الفصيحة.
وهذه بعض الأخطاء الّتي لاحظتها في الرّواية:
1. في صفحة (12): (ثلاثينيات وأربعينيات)، والصّحيح: ثلاثينات وأربعينات؛ لأنّها جمع ثلاثين وأربعين، وليست جمع ثلاثينيّ وأربعينيّ.
2. في صفحة (17): (حين طويت الحشيّة)، كان الأولى أن يقول بدلها الفرشة أو الجنبية، لا سيّما وأن معظم الرّواية باللغة العامّيّة.
3. في صفحة (23): (أنت يا ابن الزّمن)، والصّحيح: انت يا بن الزّمن بحذف ألف ابن لأنّها تحذف بعد النّداء.
هذه هي بعض الأخطاء الّتي لاحظتها في الرواية، وكما تلاحظ، فهي أخطاء أكثرها مطبعيّ وفي اللغة العامّيّة.
ومع كلّ هذا؛ فالرّواية جيّدة وتوثيقيّة، توثّق لتراثنا الفلسطينيّ، خشية ضياعه ونسيانه. وهي جديرة بالقراءة وبالاقتناء.
وقال عماد الزغل:
محاولة لإعادة رسم صورة المجتمع الفلسطيني قبل النكبة
من السهل أن تكتب عن مجتمع حاضر بكل ذكرياته، فترسم صورة ماضيه بكل يسر لأن الأدوات أمامك، الناس والشوارع والأبنية والأزقة والحارات تحكي كل شيء، ولكنه من الصعب أن نتناول العلاقة الإجتماعية بين الناس في مجتمع تمت إزالته وإقتلاعه من جذوره، بل تم محو كلّ معالمه الماديّة لتحلّ مكانها صورة أخرى مغايرة تماماً أدواتها وجوه وأقنعة بعيدة عن المكان ومنبتّةٌ من الزمان.
هذه المهمة شبه المستحيلة كانت مهمة أنور حامد، الذي جرّد من نفسه بطلاً للحكاية، فهو صحافي جعل من نفسه باحثاً يريد لملمة تاريخ يافا الحديث، ونسيجها الإجتماعي عبر روايات من التاريخ الشفوي بأدوات الإتصال الحديث، حيث طلب من معارفه على الفيس بوك أن يدلّوه على أشخاص من الطاعنين في السنّ، والّذين ينحدرون من أصول يافوية وقد أصبح اليافاويون مشتتين في كل أصقاع الأرض، في المنافي ومقابر الغربة بعيداً عن يافا العريقة الجميلة التي تغنى بها الجواهري ذات يوم.
أنور حامد وجد ضالته في "بهيّة" المجنونة التي أبقت على كل رموز يافا في غرفتها، شباك الصيادين وماء البحر، وجداريات مرسومة تعبر عن حياة يافا في الأيام البعيدة، بهيّة التي تصبح بطلة القصة فيما بعد.
إستطاع الكاتب رسم صورة لمجتمع يافا قبل النكبة إبّان الحرب العالمية الثانية خلال الإنتداب البريطاني, حيث أسرتان تمثل إحداهما صورة المجتمع الأرستقراطي العربي في يافا وهي أسرة (أبو سليم) والأسرة الثانية هي أسرة "أبو إبراهيم" والعلاقة بينهما علاقة السادة بالعبيد.
فأبو سليم ذلك الاقطاعي التاجر الذي يصدر برتقال يافا وينسج علاقاته مع كل الفئات الإجتماعية عبر علاقات متناقضة، فهو صديق الضابط الإنجليزي (جيفري)، واليهودي إسحق وأبو إلياس النصراني، وهو في الوقت نفسه صديق أبي الفوز المناضل الذي يتربص الدوائر بالإنجليز، ويخبّئ المناضلين في بيته، ويجتمع في الوقت نفسه المناضلون في مخزن القشّ والضباط في الصالون.
وتكاد صورة المرأة في القصّة تعكس صورة ذلك المجتمع الناهض في فلسطين والذي يتجاذبه طرفان، أحدهما التيار المحافظ، ويمثله الفلاحون الذين يحافظون على القيم الدينية الأخلاقية، والتيار المتغرّب الذي يحاول اللّحاق بأوروبا، ويدعمه في ذلك الأقليتان اليهوديّة والمسيحيّة في يافا، وما بين هذا وذاك تبدو المرأة مشدودة بين هذين الحبلين، فأمّ سليم على الرغم من أنها زوجة ذلك الثري إلا أنها تغدو في بيته كالخادمة، وتكون شاهدةً على كلّ علاقاته المريبة مع المومسات اللواتي يأتين يافا من بيروت وغيرها، فتكتم جراحها وتسكت محافظةً على سكون بيتها، وهي التي كانت سلعة في صفقة بين البيك الكبير وبين والدها.
وأما المرأة المتحرّرة فتمثلها اليهودية (سارة) ابنة إسحق والتي تتحول في نهاية القصة إلى شخصية وطنية تستنكر قيام والدها بالإنضمام إلى البلماخ وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين.
أما بهية فهي الشابة التي تحب فؤاد ابن البيك، ولكنها ترى طموحها بعيداً حيث هي مجرد خادمة تسوس الخيل وتقدمها لفؤاد، فؤاد ذلك الذي يقع في حبّ بهيّة وتمثل طهراً إجتماعياً ووطنياً، فيرفض الإنسياق وراء والده، بل وينخرط في صفوف الحزب القومي السوري برئاسة أنطون سعادة، ولا يرى هذا الحبّ النور بحكم البون الشاسع بين ابنة الفلاح وابن البيك، حيث تقترن في النهاية بابن عمها زهدي.
القصة رسمت صورة جميلة للعادات الإجتماعية والدينية في يافا قبل النكبة، حيث التسامح بين مختلف الفئات الإجتماعية التي تمثل نسيجاً متكاملاً متسامحاً حتى مع اليهود، ويحتفل فيه الجميع بأعياد الجميع، وهي صورة المجتمع الفلسطيني الجميل الذي لم يعرف النزعات العنصرية ولا التعصب الديني، فصورة رمضان وعيد الأضحى وعيد الميلاد، وحمّامات النساء والمطاعم ووسائل النقل الحديثة، تدلّ على صورة متحضرة زاهية ليافا في ذلك الوقت، ناهيك عن الإزدهار الإقتصادي المتمثل في صورة الميناء النشط، على الرغم من أن الفترة كانت فترة حرب في الدنيا بأسرها. لقد أراد أنور حامد أن يقول إن يافا كانت تمثل المجتمع الفلسطيني المتحضر الذي كان مشروع دولة عربية قوية متحضرة، أجهضها الإنتداب البريطاني والأحلام الصهيونية في فلسطين.
وقال جميل السلحوت:
موضوع الرواية: تتحدث الرّواية عن حياة الفلسطينيين في مدينة يافا، في أربعينات القرن الماضي أي قبل النكبة الفلسطينية في أيار 1948، وذلك من خلال حياة أسرة اقطاعي فلسطيني، وحياة ناطور بيارته. ويتطرق الى حياة العزّ التي كانت في يافا، كما يتطرق الى بعض العادات والتقاليد في مناسبات الزواج، وشهر رمضان، والأعياد الاسلامية والمسيحية، وكيف كانت يافا مركز استقطاب لمشاهير الفنانين العرب أمثال الموسيقار والمطرب الكبير محمد عبد الوهاب والفنان يوسف وهبي، من خلال دور السينما التي كانت موجودة في المدينة، كما أن المدينة التي كان فيها ميناء بحري للتصدير وللاستيراد كان فيها نواد ليلية، وكانت على تواصل مع امتدادها العربي في سوريا ولبنان ومصر.
مدينة التعددية الدينية والعرقية: لاحظنا العلاقات الاجتماعية الحميمة التي كانت تجمع الإقطاعي أبو سليم وهو فلسطيني مسلم، مع أبي الياس الفلسطيني المسيحي، والخواجا اسحق الفلسطيني اليهودي، وكيف كانوا يتزاورون ويسهرون ويتعايدون مع بعضهم البعض، دون أيّ حساسية في العلاقة، حتى أن سارة ابنة اسحق اليهودي والتي كانت تحمل فكرا يساريا، أخبرت أبا سليم عن عدم رضاها لما يقوم به والدها من تهريب لليهود المهاجرين الى فلسطين على ظهر السفن المحمّلة بالبرتقال لتصديره لأوروبا، وتعود محملة بالمهاجرين اليهود حيث ترسو في عمق البحر وتقوم قوارب صغيرة بنقلهم الى اليابسة بتواطؤ مع قوّات الانتداب. كما أن الميجر البريطاني"جيفري" كان يتزاور هو الآخر مع أبي سليم.
ولإقامة دور متوازن لما يقوم به الخواجا اسحق جاء في الرّواية أنّ أبا سليم كان على علاقة بالثوّار الذين يقاومون الانتداب البريطاني، ورأينا كيف أمّن مخبأ لثلاثة من الثوار في قبوٍ في منزله الفاخر. وأعتقد أن هذه الجزئية في الرواية كانت مقحمة من الكاتب، فسيرة الرجل لا تؤهله لفعل ذلك.
المرأة في الرواية: كان دور المرأة مهمّشا في الرواية، وجاء تهميشها انعكاسا للواقع المعاش في تلك المرحلة، فأمّ سليم زوجة الاقطاعي، لم يكن لها دور سوى اعداد الطعام، لم تخرج من بيتها سوى مرّة واحدة عندما اصطحبها ابنها فؤاد في رحلة الى طبريا مع بقية أفراد الأسرة باستثناء الأب، وكانت حبيسة القصر الذي تسكنه، وهي امرأة مغلوبة على أمرها، حتى أنها كانت ترى النساء اللواتي يأتي بهن زوجها الى القصر، ويعاشرهن ولا تستطيع أن تبدي اعتراضها على ذلك، وابنتاها هالة ومها تعلمتا حتى المرحلة المتوسطة وبقيتا حبيستي المنزل.
أمّا أمّ ابراهيم زوجة ناطور البيّارة فكان وضعها أكثر سوءا، فهي خادمة لأسرتها وخادمة لأسرة الاقطاعي أيضا هي وزوجها وابنتاها وابنها. لكن ابنتها بهيّة التي كانت مغرمة بالبحر وتبثه أسرارها قد أكملت الثانوية، ووقعت في حبّ فؤاد ابن الاقطاعي الذي كان يدرس الطب في الجامعة الأمريكية في بيروت، وقد تعرضت لخطف من فزّاع "بلطجي" الاقطاعي بناء على طلب سليم شقيق فؤاد الذي قدّمها مرغمة لشقيقه فؤاد والذي بدوره رفض هذا الأمر. فعادت الى أسرتها كئيبة حزينة، ولم تستطع الأسرة عمل أيّ شيء سوى أن توجه والدها يتبعه شقيقها ابراهيم الى بيت دجن لتزويجها لزهدي ابن شقيقه. وقد تزوّجها وأنجبت منه ابنا سمّته فؤاد على اسم حبيبها، واستقر بها المطاف لاحقا عجوزا هرمة في بيت في الشّونة الشّمالية في الأردن.
أمّا تيريز المسيحية وسارة اليهوديّة فكان وضعهما أفضل بكثير، فتيريز أنهت تعليمها الثانوي وسافرت الى أمريكا لتكميل تعليمها الجامعي، وكانتا تجالسان الرّجال وترتادان دور السينما والحفلات الفنّيّة، وتحتسيان النّبيذ، وتمتطيان الخيول، وترتديان لباس البحر وتغوصان فيه، ولا أحد يعترضهما.
الاقطاع: ورد في الرّواية صورة الاقطاعي كما كانت، فمظهر الثراء والبذخ الذي كان الاقطاعيّون يعيشونه كان واضحا، وقد كانوا يستغلون الفلاحين بطرق مختلفة، بل ان حياة الفلاحين في بيارات الاقطاعيين كانت أقرب ما تكون الى حياة الرقيق زمن العبودية. حتى انهم لم يكونوا قادرين على حماية أعراضهم من شهوات الاقطاعيين الجامحة. ومعروف أن الاقطاع كان سائدا في فلسطين قبل النكبة.
التراث الشعبي: ورد في الرّواية الكثير من العادات والتقاليد التي كانت سائدة في شهر رمضان والأعياد الاسلامية والمسيحية، كما ورد وصف للمائدة والأكلات الشعبية الفلسطينية وأيضا للأزياء الشعبية التي كان يرتديها الرجال والنساء، وورد وصف لطقوس الزواج وبعض الأغاني والأهازيج الشعبية التي كانت تقال في تلك المناسبات. وهذا اشارة الى حياة النعيم والهدوء التي كان يعيشها الشعب الفلسطيني قبل الغزو الصهيوني.
ومن أجمل الأغنيات والأهازيج تلك التي تتعلق بالبحر، ومن المعروف أن تراث البحر الفلسطيني لم يدوّن، اللهم إلا دراسة الأديب الراحل الدكتور زكي العيلة"تراث البحر الفلسطيني"
البناء الرّوائي: جاءت الرّواية تحت عناوين قصصية يحمل كل واحد منها حكاية لخدمة النّصّ الرّوائيّ، وهي مربوطة مع بعضها بحبكة فنيّة عالية لا ينقصها التّشويق، واستعمل الكاتب اللّغة المحكيّة في أكثر من موقع، وكان استخداما موفقا لخدمة النّصّ.
الأب والإبن: لاحظنا في الرواية كيف كان الإقطاعيّ أبو سليم ثريّا ماجنا، لا اهتمامات له سوى جمع المال وإقامة علاقات مع الأثرياء، وحتى مع الضّباط الإنجليز، وكان لديه بلطجيّة يحقّق من خلالهم نزواته "يكفي اذا لمح الوالد أو سليم مثلا، فتاة أو امرأة راقتهما أن يوعزا لفزّاع، وستكون في سرير أـحدهما خلال أقل من ساعة"ص195 وحتى عندما كان يزور بيروت كان يرتاد ماخورات الدّعارة في ساحة البرج، وجاء ابنه سليم سرّ أبيه، بل أكثر قذارة عندما اختطف بهيّة ابنة النّاطور ليقدمها فريسة لأخيه فؤاد، وكيف هدّد فؤاد بأنه سيأخذها لنفسه إن لم يُرِدْها فؤاد.
أمّا فؤاد فقد تعلّم ودرس الطبّ في الجامعة الأمريكية في بيروت، والتحق بالحزب القوميّ السّوري بقيادة أنطون سعادة. فهل يعطي هذا إشارة الى أن الشّباب الفلسطينيّ المتعلّم هو من انتبه الى المخطط الصهيوني والقضايا القومية والوطنية؟
ضياع النهايات: كيف أكمل فؤاد دراسة الطبّ في الجامعة الأمريكيّة؟ وماذا جرى له بعدها؟ وكيف ومتى انتقل الى عمّان ليفتتح فيها عيادة طبية؟ ولماذا لم يتزوّج بهيّة مع أنه أحبّها؟ وهل أكملت تيريز بنت أبي الياس تعليمها في أمريكا؟ وما هو مصيرها؟
وماهو مصير المقاومين أبي الفوز ورفيقيه الذين اختبأوا في قبو بيت أبي سليم؟
وغيرها من الأسئلة التي لا تجد لها إجابات في الرواية، وهذا فيه اشارة ضمنيّة الى مرحلة التشتت التي حصلت للفلسطينيين كنتاج للنكبة التي لم يرد ذكرها في الرّواية.
.وشارك في النقاش كل من: ديمة السمان، محمد عليان، نبيل الجولاني، طارق السيد، يحيى حشيمة، سوسن حشيمة، عيسى القواسمي وابراهيم جوهر..